كل يوم يشتد الصراع بين حلف شمال الاطلسي وروسيا , وها هي منطقة القطب الشمالي ربما تكون احد مسارح الصدام المباشر مع اقتراب العملية الروسية الخاصة في اوكرانيا من خواتيمها , وفق المؤشرات الميدانية , وان حاول حلف شمال الاطلسي, الذي فقد تسميته مع تمدده باتجاهات مختلفة ,من جر روسيا عبر القتال حتى اخر اوكراني الى عملية استنزاف طويلة الامد , ومسلسل طويل من الاكاذيب وتوقعات لم تفلح في ثني الاصرار الروسي على اجتثاث الفصائل النازية ومن يدعمها في اوكرانيا .
ليست منطقة القطب وحدها لما تختزنه من ثروات باطنية ستكون موضع الصراع الحاد , فواشنطن التي لم تتمكن من لي ذراع كوبا وفك تحالفها مع روسيا , تعمد اليوم الى تقديم اغراءات لهافانا التي اغرقتها بالمهاجرين لقرب الحدود , لكسب ودها , وابعادها عن موسكو .
فيما يتعلق بالنشاط العسكري الناتو في منطقة القطب الشمالي, اعتبرت وزارة الخارجية الروسية أن هذا النشاط للناتو قد يؤدي إلى “خطر وقوع تصادمات غير مقصودة” مشيرة الى مناورات الناتو “الاستجابة الباردة 2022″، والتي يجري الجزء البحري منها في بحر النرويج وهي أكبر تمرين لحلف شمال الأطلسي في المنطقة على مدار الاعوام الثلاثين الماضية، ويشارك فيها حوالي 30 ألف جندي من 27 دولة، بما في فيها شريكتا الحلف فنلندا والسويد، بالإضافة إلى حوالي 220 طائرة وأكثر من 50 سفينة حربية.
وتقدر روسيا ان طابع المناورات هجومي , وليس دفاعيا كما يعمم الاطلسيون , ولذلك أعلنت روسيا عن إجراء تمرين استجابة بمشاركة 140 سفينة وأكثر من 60 طائرة، سوف يجرى في المياه الشمالية بالمحيط الأطلسي، في بحر أوخوتسك وبحر الشمال.
اما بشأن كوبا فالامور يمكن ان تتمظهر بعد الاجتماعات التي تعقد في واشنطن مع مسؤولين كوبيين تحت عنوان معالجة قضية المهاجرين غير الشرعيين الذين لا تهتم الحكومة الكوبية بشأنهم ما داموا اختاروا الولايات المتحدة بديلا لوطنهم , وهم في الوقت نفسه يشكلون قلقا جديا لاميركا , ولذلك من المتوقع ان تستفيد كوبا تحت عنوان ترميم الاقتصاد وتطويره باتجاه اقتصاد السوق من، أن تتعهد الولايات المتحدة بالتمويل مقابل قبول عودة الكوبيين غير الشرعيين إلى البلاد وزيادة سيطرة هافانا على الحدود، من دون ان تسمح كوبا للولايات المتحدة العبث بالسياسة مثلما فعلت في اوروبا . ويدرك الكوبيون بان واشنطن لن تكون ابدا مصدر ثقة لا بل خداع دائم ونظام قتلة سياسي واقتصادي وارهابي بالمعنى الدقيق .
لقد اوقعت الولايات المتحدة من تسميهم حلفاءها , وهم قد اظهرتهم الوقائع في تصغير اكتافهم امام الصلف الاميركي , والانصياع لرغبات واشنطن الجامحة في استمرار سيل الدم واستنزاف القدرات الاقتصادية لدولهم خصوصا , اظهرتهم مجرد بيادق على رقعة يحاولون تقديم شعوبهم واقتصادياتهم من اجل حماية امبراطورية الشر _ الولايات المتحدة الاميركية.
بات واضحا ,ان اكثر من تضرر من العقوبات الاميركية على روسيا هي اوروبا ولا سيما المانيا المعروفة بانها اكبر واقوى اقتصاد في اوروبا , وتكفي الاشارة الى تحذير جمعيات البناء الألمانية، من انخفاض كبير في وتيرة بناء المساكن في البلاد في العام القادم. وقال هانز ماير، رئيس جمعية صناعة الإسكان البافارية: “سيكون هناك ركود، وهو بالمناسبة كبير للغاية”.وصرح ممثل شركة “فنو” في هامبورغ قائلا: “86 ٪ من تعاونيات الإسكان وشركات بناء المساكن ذات التوجه الاجتماعي في شمال ألمانيا تقيم حاليا آفاق البناء الجديد على أنها سيئة، أو سيئة للغاية”.
وهذه التحذيرات لم تشمل ما اقتنع بها الالمان حكومة وشعبا , باستحالة الاستغناء عن امدادات الطاقة الروسية – الغاز وخلافه- وهذا لا يشمل فقط المانيا وانما اوروبا كلها والعديد من دول العالم ,التي تجتاحها ازمات التضخم غير المسبوقة بما فيها الولايات المتحدة , بفعل السياسة الاميركية الارتجالية في الانتقام من روسيا , ولو ادى ذلك الى ان يموت الاوروبيين , جوعا وبردا لا بل فناء اوروبا التي كانت تعمل على التخلص من القبضة الاميركية على عنقها, من خلال العمل على بناء جيش اوروبي مستقل ,واتساع الدعوات الى مغادرة القواعد الاميركية بلادهم , وليس فقط الاوكرانيين .
ان السياسة الاميركية المغامرة , على كل الصعد , والضغط على الحلفاء بالتهديد اشعرت الاوروبيين انهم اكثر من يدفع الثمن وان البروباغندا الاميركية عن اسباب التضخم غير مقنعة بالمطلق ,بان ما يجري في اوكرانيا هو السبب. وترسخت القناعة اكثر لدى الشرائح الاوروبية ان العقوبات الاقتصادية الغربية غير المدروسة بقيادة الولايات المتحدة ضد روسيا، قد أدى إلى تفاقم التضخم العالمي الذي اسست له جائحة كورونا.
من الواضح ايضا ان الادارة الاميركية لا تكتفي باخضاع اوروبا الى سياستها , بل مدت اذرعها الاخطبوطية للنيل من الدول الاسيوية وعلى رأسها الهند , ولا سيما بعد التحريض على رئيس الوزراء الباكستاني عمر خان الذي اجبر على التنحي جراء تهديدات قرر ان يدفع ثمنها شخصيا على ان يجر بلاده الى حرب اهلية , وهذا الامر ارادته واشنطن درسا لكل من يتمنع عن تلبية غرائزها , ولذلك فان الهند , ثاني اكبر دولة من حيث السكان والاستهلاك ,تعيش ضغوطا اميركية هائلة علنية وسرية, بالاضافة الى دول اخرى يحتمل ان تواجه تلاعبا في استقرارها سيما ان الكثير من الدول الاسيوية مستنزفة وضعيفة. ومسألة انهيار الاستقرار الاجتماعي داخل هذه البلدان قابلة للاشتعال بسرعة النيران في الهشيم. ومع ذلك فان في تلك الدول خلافا للاوروبيين ,قادة يعرفوا ان يوازنوا بين مصالح شعوبهم وبين التملص ما امكن من الضغوط الاميركية المغرية في بعض جوانبها ,لذلك، فهم لا يغامرون في لعبة المخاطر. سيما ان الجميع معتاد على حقيقة أن الولايات المتحدة في حالة حرب، وتطالب حلفاءها بالتدخل، مع فهمهم أن المواجهة كان يمكن تلافيها. مع الفهم العميق ايضا ان الولايات المتحدة تدفع الآن حلفاءها بالذات إلى خط المواجهة. لذلك سيكون هناك في آسيا عدد قليل من الراغبين في التورط بالألعاب الأمريكية، مع الحرص على عدم الوقوع فك أمريكا المفترس ,وتاخذ بالاعتبار مما عانته الحكومة الباكستانية.
هناك شبه اجماع دولي ولكن هناك من لا يقوى على المجاهرة بالحقيقة بان العقوبات الغربية تلحق ضررا خطيرا بمصالح الدول النامية غير المحمية من التضخم المرتفع في استيراد المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى، وان الولايات المتحدة طالما اشعلت و تشعل الحروب لبيع الأسلحة والاستيلاء على الموارد الطبيعية،.وهو ما اختصرت صورته صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية بإن الولايات المتحدة تأمل في بقاء الصراع في أوكرانيا لأمد طويل خدمة لمصلحتها الجيوسياسية الخاصة ومصنعي الأسلحة الأمريكيين. فبعد بداية الأزمة الأوكرانية، كان كل ما فعلته واشنطن تقريبا هو إطالة أمد الصراع، ولهذا الغرض، تم تنفيذ جميع أنواع التعبئة والجهود (من قبل واشنطن فيما يخص الصراع).وكذلك من أجل الحصول على “مكاسب جيوسياسية” من التلاعب بأوروبا والناتو تحت غطاء “التهديد الروسي”. وخلصت الصحيفة وفق خبراء إلى أن “المجمع الصناعي العسكري الأمريكي هو المستفيد المباشر والأكبر من إطالة أمد الصراع”, وقد نمت اعماله باضطراد , ويتمنى تحصيل الاكثر فيما لو قامت الصين بعملية مماثلة للعملية الروسية في اوكرانيا.
بالمقابل كان لافتا ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن سياسة العقوبات التي التي انتهجها الغرب والتي كانت تهدف إلى توجيه ضربة خاطفة للاقتصاد الروسي قد فشلت. الرئيس الروسي قال في كلمة خلال اجتماع حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية: “من الواضح أن العامل السلبي الرئيسي للاقتصاد في الآونة الأخيرة هو ضغط العقوبات التي تفرضها الدول الغربية”، مشيرا إلى أن “الهدف كان تقويض الوضع المالي والاقتصادي في بلدنا بسرعة، وإثارة الذعر في الأسواق، وانهيار النظام المصرفي، ونقص السلع في المتاجر على نطاق واسع”.و”بالإضافة إلى ذلك، لم تمر العقوبات على المبادرين أنفسهم عبثا. وأقصد بذلك نمو التضخم والبطالة، وتدهور الديناميكية الاقتصادية في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وتدهور مستوى معيشة الأوروبيين، وانخفاض قيمة مدخراتهم”.
في هذا السياق أكدت صحيفة “فاينانشال تايمز” أن الولايات المتحدة ليست الآن في الوضع الذي يمكنها من التعويض عن الغاز الروسي على وجه السرعة خاصة في الوقت الذي يحاول فيه الاتحاد الأوروبي تجديد مخزون الغاز قبل حلول الشتاء المقبل.وقد اوضح جاك فوسكو، الذي يرأس شركة الغاز الكبيرة Cheniere: “أتمنى لو أقدم للأوروبيين أخبارا سارة، ولكن سيتعين عليهم الانتظار خمس سنوات على الأقل قبل أن نتمكن من تقديم كميات كبيرة حقاً.
المصدر: موقع المنار