الحملة التي انطلقت عبر وسائل التواصل الإجتماعي، لمقاطعة بعض السلع الإستهلاكية والغذائية إعتباراً من بداية هذا الشهر، بقيت تقريبا معركة إفتراضية دون تطبيق، والبيان الذي أصدرته نقابة أصحاب السوبر ماركت يوم أمس الأربعاء، حول مراعاتها الأسعار وفق فواتير المورِّدين، وأن هناك آلاف السلع التي تمّ تخفيض أسعارها، هذا البيان، أتى من قبيل رفع العتب في غياب الرقابة الجدِّية والإجراء الهزيل الذي اتَّخذته وزارة الإقتصاد بإقفال سوبر ماركت واحدة بالشمع الأحمر لمدة 24 ساعة بهدف إعادة التسعير وخفض هامش الربح غير العادل.
ومع فشل محاولات المستهلكين اللبنانين نشر ثقافة المقاطعة، حتى للبضائع المعرَّضة للتلف في حال الإعراض عن شرائها كاللحوم والمعلبات المحددة مدة استهلاكها، حرمهم إرتفاع سعر صفيحة البنزين وبالتالي كلفة وسائل النقل، حتى من خيارات التسوُّق من محال بعيدة تُعلِن عن أسعار منافِسة، وبات المواطن اللبناني رهينة التاجر المناطقي أو الدكان الصغير في الحي أو القرية، وهنا الطامة الكبرى، حيث ينتشر على الأراضي اللبنانية 22 ألف مؤسسة ومحل تجاري، غير مسجَّلة في نقابة أصحاب السوبرماركت.
وتحميل الدولة مسؤولية ضبط الأسعار، هو أيضاً أشبه بالتغريدة الإفتراضية، لأن وزارة الإقتصاد أعلنت مراراً أن عديد المراقبين فيها لا يتعدى 70 شخصاً، ولم تُقدِم الدولة على خطوة المناقلات المطلوبة من الوزارات والمصالح التي لديها فائض في الموظفين لصالح وزارة الإقتصاد بهدف تعزيز قدراتها الرقابية، والعجيب، أنه فور الإعلان عن هبة 500 باص من فرنسا لصالح النقل العام، تمّ التحضير لتوظيف مُتقاعدين بصفة سائقين لهذه الباصات، بينما الأولَى بالدولة منذ أكثر من سنتين الإستفادة من المُتقاعدين وفائض الموظفين في القطاع العام لصالح مصلحة حماية المستهلك.
المؤسف في واقع مجتمعنا اللبناني، أن العقلية التجارية تطغى على ما عداها، وهذا حق لا ننكره على التجار اذا كان ضمن المنطق ولكن، يبدو أن محاولة استنهاض الضمائر أيضاً باتت كما التغريدة الإفتراضية، ولا شيء يُمكن أن يلجم التسيُّب سوى إحياء السياسة التنافسية وهذه مسألة لوجستية تقنية من اختصاص نقابة أصحاب السوبرماركت وجمعيات التجار والمستوردين، الذين باتوا يشكون من ضمور السوق وعجز المستهلكين عن شراء حتى المواد البديهية من مقومات العيش.
لغاية الآن، تبدو معالجات الدولة بكل مؤسساتها دون مستوى الكارثة المعيشية التي يُعانيها اللبنانيون، ونادرة هي البلديات القادرة على ضبط فوضى الأسعار في نطاقها، ومَن تمكنت من ذلك هي حتماً مشكورة على شعورها بأوجاع الناس، والشكر موصول أيضاً الى الأحزاب والجمعيات الأهلية، التي حاولت وتحاول المساعدة قدر الإمكان في مجال حماية المواطن اللبناني، كمستهلكٍ لا حول ولا قوة له سوى التعاضد المجتمعي المحلِّي لتعويض غياب السيطرة المركزية عن ضبط الفوضى…
المصدر: خاص