نص الخطبة:
لا زلنا في اجواء ذكرى شهادة سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء(ع)التي كانت في الثالث من شهر جمادى الثاني بحسب اشهر الروايات، وعلى مقربة من ذكرى ولادتها المباركة في العشرين من جمادى الثاني.
واجواء هذه الذكرى تفرض علينا استكمال الحديث عن بعض الجوانب المتعلقة بهذه الشخصية العظيمة التي مهما حاول الانسان استكشاف سرها وابعادها وحقيقتها وجوهرها وكنهها لن يستطيع ان يدرك كل جوانب العظمة فيها.
من المعروف لدى المسلمين جميعا ان النبي (ص) كان يحب فاطمة ابنته حبا كبيرا، وكان يرعاها رعاية مميزة ويعاملها معاملة خاصة، فيقوم لها إذا دخلت عليه، ويقبّلها ويجلسها في مجلسه.
تقول عائشة: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله (ص) من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه، قام إليها، فقبّلها، ورحب بها، وكذلك كانت هي تصنع به.
وقد بلغ حبه لها الى الحد الذي جعله يصرح مراراً وتكراراَ وفي اكثر من مناسبة: “فداها أبوها”. وهذا معناه ان فاطمة(ع) بلغت منزلة عظيمة ودرجة رفيعة جعلت النبي(ع) وهو اعظم مخلوق في هذا الوجود وخير خلق الله يفتديها بنفسه وروحه.
وكان من شدة حبه(ص) لها وتعلقه بها، أنه لم يكن يخرج من المدينة مسافرا حتي يرى فاطمة، فكان إذا سافر كان آخر من يلتقي به من الناس فاطمةً، وإذا رجع من سفره كان أوّل من يلتقي به من الناس فاطمة .
ولا شك ان حب النبي الاكرم للزهراء (ع) لم يكن مجرد حبَّ أبٍ لابنته فقط بل كان حباً ممزوجاً بالتعظيم والتقديس نظرا لسمو ذاتها وشخصها ولعظمتها وعلو مقامها وايمانها وعبادتها واخلاصها وكمالاتها وفضائلها التي لا يمكن حصرها ولا حتى بلوغ ابعادها وحقيقتها، وهذا هو سر حب النبي(ص) للزهراء(ع) واعطائها كل تلك المكانة الرفيعة، ولكن ليس هذا كل شيء، فالمحبة والعاطفة والاحترام والتقدير والرعاية الخاصة التي اولاها النبي للزهراء(ع) اراد النبي(ص) من خلالها اظهار حقيقة اخرى وهي مكانة المرأة في الاسلام ونظرة الاسلام للمرأة ورؤية الاسلام للمرأة، أراد النبي من خلال معاملته لابنته ان يجسد هذه الرؤية وان يبين للمسلمين كيف ينبغي ان تكون معاملتهم لبناتهم، وان ينسف كل المفاهيم الجاهلية التي كان يتم التعامل على اساسها مع البنات.
فالبنت ليس كائنا ناقصا ولا ضعيفا ولا عارا ولا عبأ ، ولا ينبغي ان ينظر لها نظرة متشائمة او نظرة دونية او نظرة احتقار.
النبي(ص) يقول لنا من خلال سلوكه مع الزهراء(ع): إني أقبّل يد ابنتي، واجلسها مكاني، وأكنّ لها عظيم احترامي وتقديري، وان عليكم ان تقتدوا بي في هذا السلوك مع بناتكم.
البنت إنسان كسائر الناس، هي نعمة من نعم الله وموهبة من الله، بل في الروايات هي حسنة يثاب عليها الانسان.
ففي الحديث عن الامام الصادق(عليه السلام) قال: البنات حسنات، والبنون نعمة، والحسنات يثاب عليها، والنعمة يسأل عنها.
لقد اعطى النبي(ص) من خلال تعامله مع ابنته الزهراء(ع) النموذج والاسلوب الرحيم والعطوف والاخلاقي والانساني الذي ينبغي ان يتعامل به كل اب وكل ام مع البنت.
بل أكدت الروايات الشريفة التي رويت عن رسول الله (ص) وأهل بيته (ع)على أن البنت أفضل وأكثر بركة من الولد، وانه يجب تبني هذه النظرة الرحيمة للبنت، والقيام بتربيته تربية صحيحة وسليمة، فلا نظلمها، ولا نهدر حقها، ولا نقدم الولد عليها لا في العاطفة والمحبة ولا في المعاملة والاهتمام والرعاية، فضلا عن عدم هضم حقوقها.
فقد روي عن رسول الله (ص): “خير أولادكم البنات” .
وعنه (ص) انه قال: “إنّ الله تبارك وتعالى على الإناث أرأف منه على الذّكور، وما من رجل يدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة إلا فرّحه الله تعالى يوم القيامة” .
وعنه (ص): “نعم الولد البنات؛ ملطّفات، مجهّزات، مؤنسات، مباركات، مفليات”.
وعنه (ص) أنّه قال: “من كانت له ابنة فأدّبها وأحسن أدبها وعلّمها فأحسن تعليمها، فأوسع عليها من نعم الله التي أسبغ عليه؛ كانت له منعة وستراً من النار”.
وعنه (ص): “ما من بيت فيه البنات إلا نزلت كلّ يوم عليه اثنتا عشرة بركة ورحمة من السماء، ولا ينقطع زيارة الملائكة من ذلك البيت؛ يكتبون لأبيهم كلّ يوم وليلة عبادة سنة” .ولذلك: “كان رسول الله (ص)إذا بُشّر بجارية (أي بنت) قال ريحانة ورزقها على الله”.
واليوم على الرغم من كل هذه الاحاديث والتوجيهات النبوية التي اظهرت المكانة المرموقة للمرأة في ديننا واسلامنا واعطت المرأة حقوقها، وعلى الرغم من انتهاء العصور الجاهلية، التي كانت تنظر بشؤم إلى مجيئ البنات، ما زال البعض يحتفظ بهذه الرؤية للبنات وينطبق عليه قوله تعالى : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ{ .(النحل الآية 58)
يجب تصحيح هذه النظرة الجاهلية والعودة الى رؤية الاسلام للبنات وان نتعامل مع البنت:
اولا: ان ولادتها ووجودها لطف الهي، ونعمة من الله ، والولد لا يتقدم عليها من هذه الناحية كلاهما نعمة من الله وهبة من الله.
ثانيا: ان يتم التعامل معها كما يتم التعامل مع الولد بحب وعاطفة واحترام واهتمام ، وان لا نميز الولد فنقدمه عليها في كثير من الاشياء كما يفعل بعض الآباء.
ثالثا: ان لا نحرمها من حقوقها خاصة من حقها في التركة والورثة، كما يفعل البعض ايضا.
حرمان المرأة سواء كانت أُما او زوجة او بنتا او خالة من ميراثها حرام شرعا، فلا يجوز لأحد لا للاب ولا للاخوة ولا لاي احد كان، منعهن من حقوقهن ونصيبهن الشرعي في الميراث ،ولا إحراجهن او التلاعب والاحتيال عليهن للتنازل عن التركة، وقد قال النبي (ص): (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ)، والمال الذي يُحصل عليه الانسان جراء حرمان المرأة او البنت من إرثها “هو من أموال السحت، وهو أكل للمال بالباطل، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} النساء/29،
بل إن الله تعالى ذكر المواريث ثم قال سبحانه: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} النساء/14.
وقال النبي(ص)محذراً من أكل الأموال بالباطل: (مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ) اي عودا من سواك.
اليوم هناك حرب اقتصادية ومالية دنيئة تشنها الادارة الامريكية والمملكة السعودية على لبنان وتستخدم فيها كل الاسلحة والوسائل بهدف الضغط على اللبنانيين لتبديل خياراتهم السياسية والانتخابية تحت تأثير الجوع والقلق والخوف والاضطراب النفسي. .
من هذه الوسائل المستخدمة في هذه الحرب التلاعب بسعر الدولار ومنع الدول والحكومات من تقديم المساعدة للبنان وحماية الفاسدين في الداخل وعدم السماح بمحاكمة ومحاسبة حاكم مصرف لبنان وعرقلة الحلول للازمات وتسييس بعض القضاء اللبناني والتدخل فيه لمنع محاكمة ومحاسبة من اهدر المال العام وأكل اموال المودعين وسمح بتهريب الاموال للخارج .
ومع كل هذه الحرب المكشوفة والحصار الواضح للبنان، يأتي من يقول لك اين الحصار على لبنان؟ وان الحصار المزعوم هو كذبة؟! حسنا، عندما يرتفع الدولار بشكل جنوني ولا يسمح لاحد بمساعدة لبنان ويُفرض على المصارف اجراءات وقررات مالية على حساب المودعين ولا يُسمح بالمس بحاكم مصرف لبنان ويعرقل التدقيق الجنائي ويُمنع من محاكمة من اهدر المال العام ويصبح بعض القضاء خاضعا للسياسة ولتدخلات الخارج، أليس هذا حصارا للبنان؟؟.
ادخال لعبة الدولار في المعركة الانتخابية هوعمل دنيء وابتزاز رخيص للبنانيين، وهذه اللعبة باتت مكشوفة ومفضوحة، والذين يلعبون بالدولار ويجوعون الناس ويستغلون الازمة المعيشية للضغط على اللبنانين في خياراتهم السياسية، باتوا معروفين ومفضوحين، وفي مقدمهم حزب القوات اللبنانية الذي صرح رئيسه سمير جعجع بشكل واضح قبل ايام :اذا انتخبتمونا فيستقر سعر الدولار . الا يعني ذلك انهم شركا في فرض الحصار وتجويع اللبنانيين؟.
اذا كانوا يعتقدون انهم يستطيعون بهذه الطريقة الدنيئة واللاخلاقية واللانسانية ان يغيروا في مزاج الناس وقناعاتهم ويحصلوا على ما يريدون وينالوا من المقاومة في لبنان، فهم واهمون ومخطئون،لان اللبنانيين، مهما حاولتم تشويه الصورة وبث الاكاذيب وتحريف الحقائق، يميزون بين من ضحى من اجل لبنان وقدم الآف الشهداء لحماية لبنان، وبين من تآمر على لبنان وارتكب الجرائم بحق اللبنانين مسلمين ومسيحيين، وبمعزل عن الاقلية والاكثرية النيابية، لن يستطيع أحد أن يغير من موقع لبنان المقاوم ومن الثوابت الوطنية وان يعيد لبنان الى الوراء .
نحن في حزب الله نعمل مع كل الذين يريدون مصلحة لبنان ليكون المجلس النيابي القادم رهن ارداة اللبنانيين لا مرتهنا لارادة الخارج، ومؤسسة تحفظ هوية لبنان المقاوم وتعمل لتحقيق مصالح الشعب اللبناني لا المصالح الامريكية والاسرائيلية.