في الوقت الذي يعيش الكيان الصهيوني عمق ازمته الوجودية ، وهو يدرك ذلك ، يلجأ كما العادة الى الاحتياط الاستراتيجي من القوى الرجعية في العالم العربي والتي لم تكن مستترة اصلا ، لنيل جرعات من التنفس .
لقد حدث مؤخرا حدثان كبيران على هذا المستوى ، الاول تمثل في توقيع اتفاقية ثلاثية بين الكيان للصهيوني والأردن والإمارات تشمل إقامة مزرعة شمسية في الأردن ستوفر الكهرباء ل”إسرائيل” وتزويد الأردن بالمياه المحلاة من قبل “إسرائيل”. هذا هو أكبر تعاون إقليمي “بتمويل اماراتي لحقل طاقة شمسية لتوفير الطاقة بشكل أساسي لإسرائيل، وبناء محطة لتحلية المياه على ساحل البحر المتوسط ،يحصل الأردن من خلالها على 200 مليون متر مكعب من المياه سنويا”.
ان المحطة الشمسية تقام على الاراضي الاردنية ، والتمويل اماراتي ، والمستفيد الاول هو الكيان الصهيوني.
هذا الحدث ازعج الى حد ما السعودية ، ليس لانها ترفض الامر ، وانما لانها لم تطلع تفاصيل الصفقة الإماراتية – الإسرائيلية – الأردنية،خصوصا وانها تعتبر نفسها الوصي ، واول “المنفتحين” على الكيان من باب ما سمته “حوار الاديان” واستقبالها للحاخامات المتطرفين على ارضها قبل 12 سنة ، وبالتالي تعتبر ان الامارات “سرقت” منها ورقة دسمة في اطار التنافس الاقليمي المصلحي الذاتي ،المرتبط حتما بتضخيم النفس، ليكون الصراع في الاستقطاب ضاريا، مثلما يحدث تماما بينهما في اليمن، وعلى ثرواته المحرمة، الامر الذي سيؤسس لداحس وغبراء بينهما تتولى “اسرائيل” ادارتها.
لقد مارست السعودية ضغوطا شديدة على الإمارات، في محاولة لحثها على إلغاء اتفاقية “الكهرباء مقابل الماء” الموقعة مع الأردن وإسرائيل، وحثّ المسؤولون السعوديون الإمارات على الانسحاب من الاتفاق مع إسرائيل، وعرضوا على أبو ظبي، صفقة بديلة تحلّ فيها السعودية محلّ إسرائيل في المشروع. وهذا الامر دونه حتى الان شهور كي يتبلور ، لكنه بكل الاحوال يفيد “اسرائيل” في محاولاتها منذ انشائها على ارض فلسطين بانها باتت ،ك “جسم غريب” في المنطقة يمكن التعايش معه .
اما الحدث الثاني فهو قيام وزير الحرب الصهيوني بيني غانتس بزيارة غير مسبوقة الى المغرب،- علنيا على الاقل – وتوقيع اتفاقية خطيرة تتعلق بالامن والاستخبارات ، وهو ما اعتبره رئيس وزراء الكيان بانه “يطلق عمليا التعاون الأمني الرسمي بين الدولتين، في مجالات الاستخبارات، الصناعات الأمنية والتدريبات المشتركة” واصفا ذلك بانه “تطور هام جدا”. فيما وصف رئيس الدائرة السياسية – الأمنية في وزارة الأمن الإسرائيلية، زوهار بالتي، اتفاق التعاون الأمني بين “إسرائيل” والمغرب، بأنه “حلف إستراتيجي للمعلومات”، معتبرا أن “المغرب يحارب الإرهاب في عدة جبهات طوال سنين ويكافح القاعدة ومنظمات جهاد إسلامي”.و إن “هذا اتفاق سيسمح لنا بمساعدتهم بما يحتاجون إليه منّا، وبشكل يخضع لمصالحنا في المنطقة طبعا. ولدى “إسرائيل” مصلحة بتوسيع التعاون في المنطقة في الجانب الأمني”.
ان تسريع “اسرائيل” استخدام الاحتياط الاستراتيجي من الانظمة العربية المرتدية لباس العار ، هو بسبب ادراكها الكامل لحاجتها في وقف انهيار وجودها، بعد تجاربها في السنوات الاخيرة بمصارعة حلف المقاومة ولا سيما على الجبهة اللبنانية ، وكذلك على الجبهة الفلسطينية التي توسعت خلال “سيف القدس” لتشمل فلسطين المحتلة عام 1948 ، وكذلك الضفة الغربية ، وتصاعد المد الشعبي المؤازر ،رغم علاقات اسرائيل الحميمة مع الغرب ولا سيما الولايات المتحدة ، وكذلك احتضان الاجرام الاسرائيلي من بعض الدول العربية المرتعبة من شعوبها المؤيدة للمقاومة ، ولذلك فان الجميع يعد لمعركة فاصلة ، حتما ستكون اقليمية .
في هاتين المسألتين عبرة مهمة ، جوهرها ان الاطراف المشاركة كلها تعادي المقاومة وتعمل ليل نهار لمحاصرتها في مسار تعتقد ان بامكانها لي ذراع، من كشف الوجه الاجرامي لاسرائيل وجيشها ، والمخزون العنصري لتكوينها ، وهذا يلتقي حتما مع عجرفة اصحاب الطفرة النفطية ، واولئك الذين يفتقرون الى الارادة ، الذين ورثوا واستساغوا تصغير جباههم امام القوة الغاشمة .
من دروس التاريخ وتجاربه ، ان المقاومة التي اتخذت طريق التحرير والتحرر من الاحتلال ، وفق منهجية واضحة ، لا مساومة فيها ، يمكنها قهر اي جيش مهما امتلك من قدرات خصوصا ان للمقاومة أبعاد انسانية تتجلى خلال مسيرتها ، وليس فقط بعد الانتصار الحتمي، وهذا الامر اكثر من يفهمه الاوروبيون ، كأمر لا جدال فيه ، وعلى الغرب -والعرب ايضا- التمرس في الحسابات الواقعية والا ستكون خيبة الامل مدرستهم ، لكن يبقى ان الحرب اذا كانت هي هدف عدوك ، فعليك ان تبادر اولا.
في الخطاب الاخير لسماحة امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ، وفي سرديته لواقع الحال اللبناني ، ولا سيما ما خص الواقع الاستشفائي والدوائي ، والتدفئة للعائلات ، ومن خلال نبرة صوته وتفاعله مع كل كلمة يقولها يشعر المتلقي بالخزين الانساني المعبر عن روح المقاومة وقوة الشعار المركون الى عقيدة لا تتزحزح يعمل في هديها المقاومون ، والتي بلا ادنى شك تعبر عن ثقافة الحياة التي تحمي البندقية ، مقابل ثقافة التوهين والانصياع و”التطبيع” الموصل الى الذل والمهانة، لان الاخيرة تقوم على المصلحية الذاتية وليس على حماية الاوطان ومكانتها على الارض.
المصدر: خاص