الأشخاص الذين يُفكرون بكثرة لديهم بالتأكيد أسبابٌ إضافية للقلق، فدراساتٌ حديثة أظهرت صلة واضحة بين القلق المُفرط والذكاء. ووجد الباحثون أن الأشخاص القلقين بطبعهم يعانون من نشاط عالٍ في جزءٍ من المخ هو المسؤول عن إدراك الأخطار.
فإن نظرت للموضوع بوجهة نظر موضوعية ستجد أن القلق هو ما يجعلكَ تأخذ ردود أفعال سريعة تجاه المخاطر المتوقعة، فليس من المُنتظر أن تستعدّ لشيء لا تفكِّر به من الأساس، لذلك في هذه الحالة قد يكون القلق الزائد سبب إنقاذك من العديد من المشاكل.
الذين يعانون من القلق المفرط في بعض الأحيان يأخذون ردود أفعال تجاه أخطارٍ لم تحدث بعد، ولكن ذلك يعني أن مخيِّلتهم واسعة ونشطة ما يجعلهم في أمانٍ أكثر من غيرهم.
قام الطبيب النفسي ألكسندر بيني وزملاؤه في جامعة إيكهيد بأونتاريو في كندا بعمل دراسة بمساعدة 100 طالب من طلاب الجامعة، وذلك حول مستويات قلقهم، ووجد الباحثون أن الطلاب ذوي المخاوف الكبيرة الذين وصفوا أنفسهم بأنهم “دوماً قلقون حول شيء ما” هم أصحاب أفضل النتائج في اختبارات الذكاء.
العقل القلق هو عقلٌ يميل للبحث، ويستطيع أن ينظر للمواقف من وجهات نظر مختلفة، وكتب بيني وزملاؤه عن هذه الدراسة: “الذكاء يعطي الإنسان قدرةً فرديَّة على أخذ تفاصيل الأحداث الماضية والمستقبلية في الاعتبار عند التفكير بالحاضر، ما يزيد الشعور بالقلق بصورة طبيعية”، وأضاف: “هذه الصلة المفترضة بين الذكاء والقلق ميزة وعيب في آنٍ واحد، فالأطفال الذين يميلون للشخصية القلقة أكثر نجاحاً دراسياً، ولكن في ذات الوقت الأذكياء يعانون أكثر من مشاعر القلق والخوف”.
وأجرى الطبيب النفسي جيرمي كوبلان دراسة أخرى بمركز SUNY الطبي بنيويورك اشترك بها مجموعة أشخاص يعانون من “اضطراب القلق العام” وجد كوبلان وزملاؤه أن المرضى ذوي الأعراض الأحدّ والأقوى لديهم مستويات أعلى من الذكاء. وقال الطبيب: “الجميع ينظر للقلق كصفةٍ سيئة بينما تتغير هذه النظرة عندما تتحول إلى الذكاء، ولكن القلق هو وسيلتنا لتجنب المواقف الخطرة، فعندما يقلق شخصٌ ما سيلتزم الحذر وهؤلاء الأشخاص لديهم معدَّلات أعلى في النجاة من المخاطر، ليصبح في النهاية القلق الذي يعتبره الجميع عيباً شخصياً ميزةً مفيدة”.
وقد توصَّل كوبلان لهذا الاكتشاف بعد مراقبته لنشاط المخ لدى 26 مريضاً يعانون من القلق المرضي و18 شخصاً متطوعاً غير مريض، وقد وجد أن الصلة بين القلق والذكاء ليست قوية للغاية في الأشخاص غير المرضى، ولكنَّها واضحة أكثر لدى مرضى القلق المفرط.
قد يكون هذا غريباً، لكن التاريخ أيضاً يقفُ بجوار هذه النظرية، حيث عانى الكثير من العباقرة والمشاهير من القلق المفرط منهم “نيكولا تسلا” عالم الكهرباء المترددة والمهندس الشهير.
وبخلاف الصورة الأيقونية للرئيس الأميركي “أبراهام لينكولن” كشخصٍ هادئ للغاية، فقد كان قلقاً وقد وصف نفسه بأنه “مزاجه عصبي بصورةٍ غير طبيعية”.
ورسم الفنان النرويجي إدوارد مونش أشهر لوحاته “الصرخة” خلال نوبة هلع رأى خلالها السماء باللون الأحمر، وقال عن هذه التجربة: “لقد وقفت أرتجف من القلق وشعرت بصرخةٍ عارمة من الطبيعة حولي”.
لذلك أياً كان مستوى إبداعك، لو كنت تعاني من القلق الزائد قد تكون مكافأتك المزيد من الموهبة وقدرة أكبر على تجنب المخاطر.
وإذا طلب منك شخصٌ ما الاسترخاء يمكنك أن تُفسِّر له فوائد القلق، فهو يعني مستوى أعلى من الذكاء والإبداع وقدرةً أكبر على توقُّع المصائب وحذر إضافي، بالطبع لا أحد هنا يشجع على القلق المرضي، ولكن هناك مستوى معيَّن من القلق الذي يمكن السيطرة عليه قد يجعل لديك من المميزات ما قد تفوق العيوب.
المصدر: هافينغتون بوست