وقَف مواطن خمسيني بين المتظاهرين من راشقي الحجارة في ذكرى انفجار المرفأ في 4 آب، وقال لهم: إذا كان كل حجر يُرمى على القوى الأمنية أو يكسر زجاج سيارة يضمن العدالة لدماء الشهداء، أو يؤمن لكم العمل والدواء والغذاء لعائلاتكم، لانضممت إليكم وكنت أبرز رامي حجارة بينكم، لكن ما تفعلونه يُدمِّر ولا يُعمِّر”.
نموذج حي من احتفاليات 4 آب، عَبَرات تضامن مع أهالي الضحايا، تُقابلها دموع تماسيح جماعات الأجندات السياسية المُرِيبة، بتغطية إعلامية غير مسبوقة في الشحن المُتفلِّت من كل الضوابط الوطنية والمهنية وحتى الأخلاقية، وبَدَت بعض وسائل الإعلام وكأنها وحدها “أم الصبي” في هذه الذكرى، ولم تُراعِ حتى حرقة الأم والأخت والإبنة، في كل ما يخدش النظر والسمع من مظاهر “مهرجانية” لا تتهيَّب حتى حضرة الموت، وكل ذلك من أجل ماديات لا جيوب في الأكفان تحملها.
كل ما ورد على ألسُن ذوي الشهداء كلام حقٍّ ينزفه الوجع، والغضب لا سقف له سواء كان موجهاً للسلطات السياسية أو للمراجع القضائية، لكن بازار “المنوعات” في تسويق الباطل من “راكبي الموجات”، بدا سافراً مفضوحاً رخيصاً، والصورة الجامعة لكل اللبنانيين في ذكرى استشهاد فلذات من كل لبنان، شوَّهتها طروحات وتصريحات وإشكالات مَن لا يُشكِّلون زاروباً في الشارع الشعبي، والعقلية الميليشيوية لهؤلاء أفسدت هيبة الذكرى وتكاد تدفُن مع الشهداء وحدةً وطنية مفقودة من قواميس أولاد الكانتونات.
وإذا كان هؤلاء، لا تجذِب أفكارهم مسألة وجوب تشكيل حكومة تنتشل الوطن من هاوية الجوع والحرمان واليأس، فكيف لهم أن يروا الخطر الوجودي الذي تزامن مع ذكرى 4 آب، سواء في الجماعات الاجرامية التي يُمثِّلها قُطاع الطرق في خلدة، أو خلاياهم النائمة بين طرابلس والبقاع الأوسط، أو عبر العمليات العدوانية التي شاءتها إسرائيل في الجنوب لتنفيس احتقان شارعها الداخلي، والأخطر من هذين الخطرين، أن “الفكر الداعشي” في فلسفة رفض الآخر يسكن النفوس الرخيصة التي تعتاش من إشعال ساحات صغيرة على حساب المصلحة الوطنية العليا.
ربما بتنا بحاجة الى جهات مسؤولة تضبط الشارع، خاصة لجهة “إفلات” الأولاد للرشق والتكسير والعبث بالأملاك العامة والخاصة، وتقع هذه المسؤولية على عاتق الأحزاب والنقابات والهيئات الأهلية، لأن الحديث عن وحدة اللبنانيين في ذكرى محنة 4 آب، قوَّضته الطروحات التقسيمية المُعادية لكل وحدة، وبين كل إشكالٍ عنصريٍّ وآخر حصل في الساحات، قراءة قلقة لما ينتظرنا من جُهد لإرساء فكرة المواطنة في عقول جماعات تتنكَّر لكل إنجاز وطني، ومن حقنا إبداء الخوف على وطن في الشارع، مصيره لا يجب أن يبقى في أيدي عملاء وسواعد رُماة حجارة !!
المصدر: موقع المنار