فقدت مصر على مدى العقود الثلاثة الماضية ريادتها في إنتاج وتصدير القطن عالي الجودة والمشهور عالميا، كنتيجة طبيعية للتغيرات الجغرافية التي طرأت على صناعات الغزل والنسيج.
تحولت هذه الصناعة من أوروبا إلى جنوب شرق آسيا، مما أفقد الإنتاج المصري أسواقا كثيرة نظرا لأن كل من الهند والصين تنتج ما يقارب 50% من الإنتاج العالمي للقطن طويل التيلة.
بعد كل تلك السنوات والتي تراجعت فيها المساحات المنزرعة بالقطن من مليوني فدان إلى أقل من 200 ألف فدان.. هل تنجح مصر في التقدم نحو ريادة جديدة في هذا المجال؟.
لكن الأهم هل يحدث ذلك بصورة متقدمة، مستخدمة التقنيات الحديثة التي تمكنها من توظيف أكبر قدر من الإنتاج المحلي للتصنيع وتصدير الباقي.. وما هى أهم العقبات التي تقف في طريقها؟.
الصدارة العالمية
يقول نائب رئيس مركز البحوث الزراعية في مصر، عادل عبد العظيم، إن القطن المصري طوال تاريخه يقع في الصدارة من حيث صفات الجودة على مستوى العالم، وآخر تقرير للجنة الدولية الإستشارية للقطن، يؤكد أن القطن المصري من حيث الصفات الغزلية والجودة يحتل المرتبة الأولى، رغم تراجع المساحة والإنتاجية خلال السنوات الماضية.
وأضاف لـ”سبوتنيك” أن عملية انتقال صناعة الغزل والنسيج من أوروبا والتي كانت السوق الأساسي بالنسبة للقطن المصري إلى دول جنوب شرق آسيا، كان له تأثير كبير على تصدير القطن لأن الصين والهند تحديدا تنتجان ما يقارب نصف الإنتاج العالمي، وبذلك أصبحت الصناعة والإنتاج في جنوب شرق آسيا، وأدى ذلك إلى أن يفقد القطن المصري أسواقا كثيرة.
كما أن مصر طوال السنوات الماضية كانت تعتمد على بيع القطن “خام” غير مصنع، والمستورد كان دائما هو المستفيد من القيمة المضافة، لذلك كانت الأسعار ضعيفة ولا تستطيع الحكومة تعويض المزارعين بالسعر المجزي الذي يشجعهم على الاستمرار في الزراعة، بحسب عبد العظيم.
وأضاف: “كنا نزرع في العقود الماضية ما يقارب 2 مليون فدان وننتج أكثر من 13 مليون قنطار، يتم تصدير النصف والباقي يصنع محليا، وتقلصت تلك المساحة حتى وصلت العام الماضي إلى 183 ألف فدان”.
أخطاء الماضي
أشار نائب رئيس مركز البحوث، إلى أن الدولة تحاول في الفترة الحالية تلافي أخطاء الماضي، حيث تتوجه نحو إنشاء مصانع جديدة وبأحدث التقنيات الموجودة في العالم، من أجل أن يكون لديها تصنيع وتكنولوجيا “تليق بالقطن المصري”، وهذا بالإضافة إلى تطوير المصانع القديمة، مضيفا: “هنا نستطيع القول أننا رفعنا الطلب على القطن المحلي، وتكون كمية المعروض في السوق أقل من المتاح حاليا”.
وأوضح أن
الخطة التي وضعتها الدولة لتوسيع مساحات زراعة القطن سوف تبدأ في مارس/ آذار المقبل في الوجه القبلي، ثم في أبريل/ نيسان القادم في الوجه البحري.
أهمية كبرى
من جانبه قال الخبير الزراعي ورئيس معهد بحوث المحاصيل الحقلية والزيتية السابق، محمد النحراوي إن القطن المصري كان قائد المحاصيل الحقلية جميعها طوال العصور الماضية، وكانت لدى مصر ميزة نسبية نظرا لأنها تمتلك القطن طويل وفائق التيلة، الذي تصنع منه أفخر الملابس.
وأضاف لـ”سبوتنيك”: “علاوة على الأهمية الاقتصادية للقطن، نجد أن وجوده مهما جدا في الدورة الزراعية مع المحاصيل الأخرى، حيث فقدت الأراضي الزراعية أهمية كبيرة جدا بخروج القطن منها، حيث كانت مصر تزرع ما يقارب 2 مليون فدان سنويا”.
المشكلة الرئيسية
وتابع النحراوي، أن مشكلة القطن تكمن في التسويق بعد أن تخلت الدولة عن هذه المهمة، فمثلا العام الماضي كان سعر القنطار ألفي جنيه وبعدها بأيام قليلة وصل إلى 2500 جنيه ولم يستفد منها المزارع.
وأضاف: “هذا علاوة على ارتفاع أجور العمالة عن السابق، ونظرا لأن مصر تنتج لقطن طويل التيلة وتستخدم القطن قصير التيلة محليا، والذي يمنع زراعته في الداخل حتى لا تختلط الأصناف، لذا هى تصدر طويل وتستورد قصير التيلة”.
واعتبر النحراوي أن “القطن سلعة مهمة جدا محليا ودوليا”، لكن المشكلة تكمن في كيفية استيعاب الإنتاج محليا ودوليا، في ظل منافسة الخارج، مشيرا إلى أن زراعة القطن تقوم عليها العديد من الصناعات التكاملية علاوة على الغزل والنسيج، حيث يستخرج زيت الطعام من بذرة القطن وكذلك أعلاف الماشية.
وقال إنه
بعد تقلص تلك الزراعة وهذا المحصول الاستراتيجي، انخفضت نسبة الاكتفاء الذاتي من الزيوت إلى 2.5 في المئة فقط، لتستورد مصر الباقي.
المصدر: سبوتنيك