تعد زيارة مورغان أورتاغوس إلى لبنان خطوة بارزة تضاف إلى فصول التوترات المستمرة والمتصاعدة في المنطقة، حيث تلقي بظلالها الضغوط الأمريكية المتزايدة على لبنان في ظل الأزمات الإقليمية والدولية المتشابكة والمعقدة.
هذه الزيارة تأتي في وقت بالغ الحساسية، حيث يقف لبنان على حافة تحولات كبيرة، ويواجه تصعيدًا مستمرًا على مختلف الأصعدة الأمنية والسياسية، مما يضعه أمام تحديات جسام تتطلب تدبيرًا حكيماً وقرارات حاسمة، إذ أن الأفق السياسي ينذر بعاصفة قد تهز أسس الاستقرار.
على الرغم من تنوع القضايا التي تم تناولها خلال الزيارة، تظل قضية سلاح المقاومة في صميم الاهتمامات الأمريكية، إذ تربطها ارتباطًا وثيقًا ببقية الملفات السياسية والاقتصادية التي تمس مستقبل لبنان. ومن خلال هذه الزيارة، تظهر الولايات المتحدة عزمها على تكريس شرعية سياسات الكيان الإسرائيلي العدوانية، التي تستهدف لبنان تحت ذرائع أمنية واهية، بينما تواصل الضغط على السلطات اللبنانية لتحقيق أهدافها في المنطقة، مستغلة كل فرصة للتدخل في شؤون البلاد الداخلية.
نائبة المبعوث الأميركي الى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس لل ال.بي.سي: أنا متحمسة ومتفائلة بهذه الحكومة الجديدة ونحن نطرح دائماً موضوع نزع سلاح حزب الله وليس الحزب فقط بل جميع الميليشيات في هذا البلد ونستمر بالضغط على الحكومة لتطبيقٍ كاملٍ لوقف الأعمال العدائية pic.twitter.com/6YihqXolsZ
— magazine azhar (@MajaletAzhar_) April 6, 2025
في هذا السياق، تعتبر الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي أن حزب الله يمثل قوة محورية لا يمكن التغاضي عنها، قادرة على تحدي أي محاولات لتقويض سيادة لبنان أو فرض الهيمنة الإسرائيلية عليه. ومن ثم، تظل المقاومة في نظرهما العقبة الكبرى أمام تنفيذ مخططاتهما الإقليمية، خاصة في ظل إخفاق الجيش الإسرائيلي في إضعاف الحزب أو القضاء عليه كما كان مأمولًا. إن هذه المقاومة، التي صمدت أمام أعتى الضغوط، أصبحت اليوم تمثل ركيزة الصمود أمام جحافل العدوان.
تحمل زيارة أورتاغوس رسائل متعددة ومعقدة، إذ تؤكد أن لبنان لا يزال في قلب الصراع الإقليمي المضطرب. كما تعكس رغبة الولايات المتحدة المستمرة في تعزيز أمن الكيان الإسرائيلي على حساب استقرار لبنان، عبر ممارسة الضغط المستمر عليه، في وقت تعمل فيه على تحفيز القوى المناهضة للمقاومة لتصعيد مواقفها.
تعد هذه الزيارة الثانية لمورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، إلى لبنان منذ توليها منصبها. وقال المحلل السياسي الدكتور وسيم بزي لموقع “المنار”: “تأتي الزيارة في سياق حساس، وتحمل في طياتها رسائل متشابكة ومعقدة تتعلق بالوضع السياسي والأمني في لبنان والمنطقة.” وأوضح بزي أن الزيارة تُعد محاولة أمريكية لمتابعة تنفيذ بنود الاتفاقات بين لبنان والولايات المتحدة، غير أن الأهداف الباطنية التي قد تسعى واشنطن لتحقيقها تبقى موضع تساؤل ومحلّ اهتمام.
الأهداف المعلنة والباطنية
من الناحية الرسمية، أشار بزي إلى أن الزيارة تهدف إلى متابعة عمل لجنة الإشراف على تنفيذ بنود الاتفاقات في ظل التوترات المستمرة في المنطقة. ورغم ذلك، فإن الزيارة تتجاوز هذا الهدف المعلن لتسعى إلى تعزيز الدور الأمريكي كوصي على لبنان في مختلف الملفات، ما يسهم تدريجيًا في ترسيخ هذه الوصاية، ويدفع بلبنان نحو طريق مظلم لا يُعرف مآله. كما أضاف بزي أن الزيارة تأتي في سياق إقليمي يشهد تغييرات جذرية، مما يجعل لبنان جزءًا محوريًا من هذا المشهد المتقلب.
الرسائل المتضمنة في اللقاءات
في سياق لقاءاتها، سواء مع الرؤساء اللبنانيين أو عبر استدعاءاتها، قال بزي: “من الواضح أن طبيعة اللقاءات التي أجرتها أورتاغوس تعكس غياب أي اعتبار لسيادة الدولة اللبنانية أو كرامتها، حيث لا توجد إشارات لحفظ ماء الوجه.” وأضاف: “لقاءاتها في عوكر تمثل التعبير الأكثر صراحة عن المرحلة المقبلة، مما يسقط آخر أوراق التوت التي كانت تبقي العلاقة بين لبنان وأمريكا في بعض من مظاهر الاحترام، ويعلن بشكل لا لبس فيه أن أميركا هي من تأمر، والجميع ملزم بالامتثال.”
وعلى الرغم من التوقعات التي كانت تشير إلى أن قضية سلاح المقاومة ستكون محورية في هذه الزيارة، يرى بزي أن المعالجة الأمريكية لهذه القضية كانت محسوبة بعناية، كما لو أن واشنطن تمسك بالخيوط بأيدٍ مرتجفة، مما أحدث صدمة لدى البعض الذين كانوا يتوقعون موقفًا أمريكيًا أكثر تشددًا. يشير بزي إلى أن هذا التغيير في الأسلوب يعكس استراتيجية جديدة في التعامل مع الملف اللبناني، رغم أن الأهداف السياسية تبقى ثابتة، كأبراج لا تتأثر بعوامل الزمن.
ومن جانب آخر، تبرز زيارة أورتاغوس في سياق أوسع يتخطى الحدود اللبنانية. فالزيارة تأتي في وقت بالغ الأهمية بالنسبة للعلاقات الأمريكية – الإيرانية، حيث يرى بزي أن لبنان سيكون له دور محوري في هذا الصراع الإقليمي المتأجج. وقال بزي: “لبنان في قلب مشهد المنطقة، خاصة في ظل تفاعلات العلاقة الأمريكية – الإيرانية، ونحن لا زلنا في بداية هذا المسار المعقد، وما تبعته هذه الزيارة سيكون له تبعات كبيرة على الأرجح في المستقبل.”
كما تشير الزيارة إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى تعزيز مكانتها في لبنان وتثبيت نفوذها في المنطقة عبر الضغط المستمر على السلطات اللبنانية لدفعها نحو تنفيذ سياساتها. ومع تزايد التوترات الإقليمية، يبقى لبنان في مرمى التحولات الكبرى التي قد تحمل آثارًا بعيدة المدى على مستقبله السياسي والأمني. إن هذه الزيارة، التي تحمل في طياتها الكثير من الوعود والتهديدات، قد تكون نقطة مفصلية في رسم معالم المنطقة المستقبلية.
المصدر: موقع المنار