ليس لبنان أهم من الإتحاد الأوروبي الذي قرر في شهر أيلول/سبتمبر من العام 2018، إنشاء نظام مُقايضة تحت عنوان “الآلية المحددة الأهداف” وتحت مسمَّى ” Special Purpose Vehicle” بهدف تسهيل التعاملات التجارية الأوروبية مع الدول التي فرضت عليها الولايات المتحدة قوانين العقوبات، سواء كانت إيران أو أية دولة سيادية مناهضة للسياسات الأميركية.
وحتى لو جاء هذا النظام المالي / التجاري القديم والمستحدث، على خلفية قناعة الأوروبيين ومعهم الصين وروسيا بضرورة الإبقاء على الإتفاق النووي مع إيران رغم إنسحاب نظام ترامب منه، لكن حساسية أوروبا تجاه الدولار التي أدت الى استحداث العملة الأوربية الموحدة “اليورو” منذ سنوات، هي نفسها التي جعلت الإتحاد الأوروبي يلجأ الى نظام المقايضة لحماية الشركات التجارية من العقوبات الأميركية عن طريق تجنُّب المعاملات المالية المصرفية.
الدولار الأميركي الذي يستخدمه قياصرة المال في لبنان حالياً لإفقار اللبنانيين، بلغ حدود سعر السقف الوهمي، لأن أسعار السلع المستوردة بلغت أربعة أضعاف ما كانت عليه يوم كان سعر صرف الدولار 1515 ليرة، لكنها لم تواكب سقفه المجنون حالياً والذي تخطى عتبة التسعة آلاف ليرة، ليس فقط لأن القدرة الشرائية لغالبية اللبنانيين باتت معدومة، بل لأن السعر يتحرَّك ضمن البورصة السياسية في غرف العمالة منذ 17 تشرين، وليس خاضعاً لمبدأ العرض والطلب في البورصة المالية، خاصة أن المواطن اللبناني ليس بحاجة يومية للدولار سيما وأن المطار كان مقفلاً والسفر محظور والتبادلات التجارية مع الخارج ضعيفة.
ونحن لا ننكر أن السوق اللبنانية “مدولرة” من زمان، بدءاً من أسعار الشقق والسيارات، وصولاً حتى الى الملابس، لكن مع جمود الأسواق جميعها، فإن الدولار بات مجرد سلعة تجارية يتسابق عليها المتموِّلون الذين لا يشكلون أكثر من 5% من الشعب اللبناني، فيما الغالبية الساحقة من الذين سُحِقت أجورهم أمام الدولار، يتطلعون الى خروج السوق التجارية اللبنانية عن الإرتهان لما تُسمَّى “الدولرة”، وهذا لا يتحقق سوى بإلغاء الوكالات الحصرية وإعطاء فرص المنافسة، وقبل كل شيء، الإتجاه الى أسواق بديلة ترضى التعامل بالعملات المحلية أو تعتمد مع لبنان نظام المقايضة بعيداً عن الهيمنة السياسية والمالية والإقتصادية الأميركية.
وقد يقول قائلٌ أن لبنان غير مؤهَّلٍ لتطبيق نظام المقايضة التجارية مع الخارج، بالنظر الى ضعف إمكاناته الصناعية وإنتاجه الزراعي، لكن الحكومة المُطالبة بالتعويض على كافة القطاعات والمؤسسات والأفراد هي أمام خزينة مُفلِسة، وليس أمامها سوى دعم قطاعيّ الصناعة والزراعة، سواء عبر الضغط على المصارف لتسهيل تعاملات الصناعيين، وفتح الحدود مع سوريا استيراداً وتصديراً وفق حاجات الأسواق الإقليمية الحليفة للبنان، والتي أعلنت حكوماتها عن استعدادها للدعم، وتطبيق الروزنامة الزراعية حماية للإنتاج المحلي اللبناني، سيما وأن لبنان وسوريا يواجهان معاً ظلم قانون قيصر وتداعيات صفقة القرن المشبوهة.
ختاماً، نحن خلال الأشهر القليلة التي تفصلنا عن الإنتخابات الرئاسية الأميركية، كل عمل عقابي مجرم سوف يُحلِّله ترامب لنفسه ليكسب الولاية الثانية، وحرب التجويع التي يمارسها علينا على “الطريقة الفنزويلية” مستمرة، وآن الأوان أن نعيش بعض التقشُّف أمام إغراء الكماليات، ومقاطعة بعض السلع التي ينحرنا بها تجار الذمم، ولا يجب أن ننتظر المَنَّ والسلوى لا من الغرب ولا من عرب العمالة، وآن اوان اتجاه الحكومة الى حيث الأسواق الشرقية مفتوحة للتبادل التجاري معنا وفق قانون المُقايضة مع تسهيلات، لأن لا حُرية إقتصادية سيادية فيما الشعب تحت وطأة الازمات المختلفة.
المصدر: موقع المنار