اختطف وباء الكورونا كل إيجابيات الحياة، وتفرَّد بسلبياتها على امتداد الكرة الأرضية، وتفاوتت تأثيراته بين بلدٍ وآخر بمُعزلٍ عن قدرات البلد، مع مفارقة رهيبة، أن أقوى الأنظمة العالمية على المستوى العلمي والإقتصادي والمعيشي قد انهزمت أمامه، فيما تواجهه البلدان النامية بما توفَّر لديها من مقومات البقاء.
وإذا كان لبنان يُصنَّف حُكماً ضمن الفئة الثانية، فإن مستوى أداء الحكومة اللبنانية جيد ومسؤول، وضمن المعايير التي نوَّهت بها حكومات غربية ومنظمات مُتخصِّصة بمكافحة هذا الوباء، وتستطيع هذه الحكومة من خلال وزارة الصحة والوزارات ذات الصلة بالمواجهة، أن ترفع رأسها بالقدرات الذاتية اللبنانية، سواء على المستوى الرسمي، أو عبر الأحزاب والهيئات الأهلية التي استنفرت كل قدراتها ووضعتها بتصرُّف الحكومة.
وإننا نحمد الله أننا توافقنا على الحكومة قبل وصول “القاتل العالمي”، رغم الحرب الفئوية التي تتعرَّض لها من فرقاء، كانت أحقادهم في الماضي القريب تمتطي أكتاف الحراك المطلبي لعرقلة عمل الدولة والحكومة، لمجرّد أن بعضهم بات خارجهما، كما حاولوا ويحاولون قطف ثمار موسم الوباء من أرواح اللبنانيين التي تعيش نزاع البقاء عبر أجهزة التنفس الإصطناعي.
أخطر ما في واقع حكومة الرئيس حسان دياب، أن كل ما حاولت تطبيقه من تقشُّف في موازنة العام 2020، خاصة على مستوى المدفوعات الحكومية ومصاريف التَرَف الرسمي سابقاً، وجدت نفسها ليس فقط مُلزمَة بدفع مثيله على مُستلزمات وتجهيزات الحجر الصحي للمواطنين، بل هي مُطالبة بما لم يسبق لحكومات الإستدانة والفساد أن قامت به: دفع مُساعدات مالية لعائلات يتراوح تعدادها ما بين مئة ومئة وخمسين ألف عائلة محتاجة، وسط استمرار “كارتيل المصارف” بحمل الرقم السرِّي للخزائن المصرفية، ولا مُفتاح لهذا الرقم سوى القضاء!
مَن هُم فوق القضاء والمُساءلة؟ لا أحد لديه الجواب سوى بعض أجهزة الرقابة والقضاء، والمواطن اللبناني الذي حرمته بعض الحراكات المشبوهة من عمله، أو من نصف راتبه منذ أشهر، هو اليوم بانتظار مساعدة دولة، وضعُها المادي كما “فلس الأرملة”، والوجع مُتبادل بين دولة “العين بصيرة واليد قصيرة” ومواطن يُدرِك أن هذه الحكومة تدفع عن سواها ثمن ارتكابات حكومات المحاصصات والفساد.
لم يكتفِ فرقاء “الذمم الواسعة” في استغلال اللقمة والدواء للمواطن اللبناني المحكوم بواقعه المُرّ على أرض الوطن، بل باتت هذه الذمم عابرة للحدود وعلى وسع المدى، وطالت اللبنانيين المغتربين اللبنانيين الذين يُلاحقهم الوباء وتداعياته في شتى أنحاء العالم، وهنا بيت القصيد:
كنا نحن كلبنانيين في السابق، نحسد رعايا الحكومات القادرة على إجلاء رعاياها من لبنان والشرق الأوسط في حالات الحروب والإضطرابات، ووصلنا بوعي قياداتنا السياسية وأحزابنا الوطنية الى هكذا حكومة، استنفرت كافة جهودها الديبلوماسية واللوجستية لتأمين عودة مُحتملة لآلاف اللبنانيين، الذين تواصلوا مع السفارات اللبنانية في الخارج، ولكلٍّ منهم ظروفه التي تُحتِّم العودة، والدولة اللبنانية والأحزاب الحاضنة لبيئتها الشعبية أكثر من جاهزة، عبر أوسع تعبئة واقعية للقيام بواجب احتضان اللبنانيين سواء المقيمين منهم أو المغتربين العائدين ولكن: احتضان المُقيمين يتمّ عبر معايير وقرارات سيادية لبنانية، بينما إجراءات إعادة المغتربين محكومة ببروتوكولات دولية وإحراءت سيادية لبلدان الإغتراب على أرضها.
ولذلك، وحيث أن عمليات إجلاء المغتربين اللبنانيين الراغبين بالعودة، ستبدأ يوم الأحد المقبل عبر عشرات رحلات الطيران، قامت الحكومة اللبنانية ووزارة الصحة تحديداً بكل الواجب لإستقبالهم بالتنسيق مع الأحزاب الحاضنة للناس، التي افتتحت مراكز واستأجرت مستشفيات وأبنية مختلفة وجهَّزتها تحت إشراف الوزارة، في الوقت الذي تجهد فيه وزارة الخارجية لتذليل الكثير من العقبات المرتبطة بإجراءات المطارات الدولية ذات العلاقة، وبالإجراءات الصحية الضامنة لإنتقالٍ آمن من البلد المُضيف الى الوطن، خاصة أن بعض هذه الإجراءات المرتبطة بعملية الإنتقال الى المطارات، والفحوصات الطبية المطلوبة من الحكومة اللبنانية قبل صعود الركاب الى الطائرة، هي من التفاصيل الدقيقة التي قد تُسهِّل عمليات الإجلاء أو تُعقِّدها، وكل ما هو مطلوب من اللبنانيين مقيمين ومغتربين، ترك هذه التفاصيل للأجهزة الحكومية الموثوق بها، وأن يرتدع فرقاء النعيق في الأزمات والتصفيق على الشرفات عن ممارسة الكيدية الرخيصة …
المصدر: موقع المنار