هنا وادي الحجير، قف وانظر عميقا في ما يجري، تجاوز اللحظة وتأمل، ستنجلي لك الصورة وتدرك أن معادلة جديدة ترسم.
كمحاولات فنية أظن أنه من الصعب تقييمها كل على حدا، لا لأننا غير جديرين بذلك، بل هو من الخطأ، في مكان ما، الحكم عليها لأنها حديثة الولادة.
إلام ترمي المقاومة من إقامة هكذا أنشطة؟ ولم اختارت من “وادي الحجير” تحديدا أن يكون مسرحا لأعمالها الفنية؟ مهلا، أليس هو المكان نفسه الذي أثبت فيه المقاومون في حرب 2006 مصداق العبارة الشهيرة لسيد المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله إبان تحرير ال 2000 “والله إنها أوهن من بيت العنكبوت “؟
فلنقارب الصورتين : “الميركافا المدمرة” و”عزف إنشادي ثوري”، يظهر جليا أن ذلك لم يكن صدفة.. بل هناك من يفكر بأمر ما.
يمكننا أن نستشف الآن أن المقاومة بدأت ترسي معادلة جديدة: “بناء حضارة المقاومة”.
الطلقات الأولى من بنادق المقاومين كانت مقننة، لكل رصاصة هدف محدد، لا لقلة العتاد أو ضعف في التجهيزات. المقاومون الأوائل أرادوا بناء قويا يبنى بالدم والعقيدة، لم يمسهم شر هوليوود، ولم يعترفوا يوما بكذبة الرجل الخارق.
هذا الصيف كان لافتا ما تقوم به جمعية “رسالات”، المعادلة الجديدة اليوم تقوم على ضخ دم جديد سيكون يوما ما الحصن الحصين للحفاظ على خط المقاومة .
قف عند أعلى نقطة في معلم “مليتا”، المعلم الجهادي السياحي، وتأمل، ستلاحظ أن مجموعات المقاومة وتشكيلاتها أضافت إلى رصيد اختصاصاتها إختصاصا جديدا. هي أرادت أن تقول اليوم أن من يعمل على كتابة حكاية شهيد لها أو تأليف مقطوعة موسيقية في نهجها سيوازي بصنعه هذا عمل المقاوم الذي يتكىء على بندقيته في ليالي الحراسة الطويلة، وكلاهما يحتل نفس الأهمية ضمن حركتها.
الآن بدأت الصورة تتجلى أكثر فأكثر، الآن ستعرف لماذا بنى الرومان قلعة بعلبك، وما خلده الفينيقيون في مدن جبيل وصور وصيدا لتبقى أمجادهم ضاربة في جذور التاريخ.
إذا ما انتقل نظرنا إلى حديقة إيران المتربعة على أعلى نقطة في قرية مارون الراس الحدودية، القرية التي يذكرها العدو الصهيوني في مذكراته ككابوس يؤرق نهاره وليله، وفي تصريحاته تهديدا لأمنه وأمن مستوطنيه وآلياته المتنقلة بمحاذاتها لما ألحقت به من عار منذ ما قبل العام 2000 مرورا” بحرب تموز 2006. الحديقة هي بدورها أيضا صارت محجا ومقصدا لكل حر يريد تقفي آثار أولئك المجهولون في الأرض المعروفون في السماء من رجالات المقاومة.
خلاصة القول أننا نشهد اليوم دخول معادلة جديدة في ميدان الصراع العربي الصهيوني، معادلة أرخت بكل ثقلها على لاهث صهيوني يريد هدم المسجد الأقصى لبناء هيكله المزعوم عله يستمد شرعية لوجوده الزائف أمام العالم. فقه المقاومون أساليب الحرب مع العدو وأذاقوه لوعة الخسارة، اليوم انتقلت المقاومة من مفهومها الرومانسي المتعارف المتمثل بعشق الدماء للأرض إلى مرحلة أكثر تقدما وتأثيرا وهي “بناء الحضارة” لأجيال قادمة، حضارة قوامها اللون واللحن والمشهدية، وبهذه الحضارة الفنية تكتمل لوحة مجد يسطرها رجال مقاومون بسلاحهم على الجبهات.
فلنعد إلى مرسانا الأول من مهرجان “رسالات” آخر إبداعات نتاج المقاومة بالفن، لنتذوق من عزف فرقة موسيقية وأناشيدها الثورية هنا و مشهد تمثيلي بأسلوب إبداعي هناك. سترى أن تفاعل الجمهور المتعطش لهكذا أعمال يثبت نجاح بناء “حضارة المقاومة”.
ستخرج من الحفل ببسمة المعتز بذاكرة المقاومة التي سطرها أبطال هنا في هذا المكان، هم نفسهم أبناء هذه التربة الخصبة.
أترك هاتفك الذكي قليلا، إحترس من “دلتا العالم الرقمي”، لا تكن ضحية من ضحايا آلة القتل المستحدثة في يومنا هذا وما تفرزه من فنون وهرطقات سطحية، إحمل ما فيك من نخوة وشغف وتوجه إلى خدمة معادلة المقاومة الجديدة.
المصدر: موقع المنار