نص الخطبة
نعزي صاحب العصر والزمان وعموم المسلمين والموالين في ذكرى شهادة سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء بضعة رسول الله وزوجة اميرالمؤمنين وام الحسن والحسين التي تصادف على الرواية الثانية في الثللث عشر من شهر جمادى الاولى، ونسأله تعالى ان يجعلنا من السائرين على نهجها.
لا شك ان شخصية سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء(ع) هي شخصية زاخرة بالصفات والمواهب والكفاءات والفضائل والمكارم الرفيعة والعظيمة ، وهي من أهم نماذج العفيفات التي قدمها الإسلام كقدوة، حيث ضربت (عليها السلام) أروع الأمثلة في ما يجب أن تكون عليه المرأة المسلمة من حصانة وعفّة وحياء مع أدائها لدورها في داخل المنزل وخارجه على أتم وجه ، فهي النموذج الأمثل الذي قدّمه الإسلام للمرأة ، وجدير بالمرأة المسلمة والمؤمنة أن تقتدى بها في كل ما جسدته من قيم وأخلاق وصفات لا سيما في قيمتي العفّة والحجاب، حيث إن الزهراء(ع) كانت مثالا رفيعا في سترها وحجابها وعفافها، وهناك مظاهر كثيرة لعفة وحياء واحتشام وحجاب الزهراء(ع):
1- فهي لم تكن تظهر على الرجال او تُسمع صوتها للرجال غير المحارم منذ ان كانت في بيت ابيها ، وقد أوصت النساء بذلك، فقد روي عنها (عليها السلام) أنّها قالت : « خير للمرأة أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل». ولذلك هي لم تكن لتختلط بالرجال او لترى الرجال الا عند الضرورة او عندما كانت تخرج لتؤدي دورها الرسالي.
2- وجاء في وصف خمار رأسها اي غطاء الرأس وحجاب الرأس أنّه كان يصل إلى نصف يدها ، فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال : « فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، وما كان خمارها إلاّ هكذا » وأومأ بيده إلى وسط عضده اي وسط ما بين الكتف والمرفق.
3- ومن عظيم عفتها وحيائها (عليها السلام) أنّها كانت تتحرج من رؤية الرجل الأعمى فضلا عن البصير ، فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال : « إنّ فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استأذن عليها أعمى فحجبته ، يعني توارت عنه، فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : لِمَ حجبتيه وهو لا يراك ، فقالت : يارسول الله إن لم يكن يراني فأنا أراه ، وهو يشمّ الريح . فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أشهد أنك بضعة مني » .
وفي هذا اشارة واضحة الى ان على المرأة ان تغض بصرها عن اي رجل اجنبي ، كما فيه اشارة الى ان العطر الذي تضعه المرأة له اثره في نفس الرجال وان لم يكن الرجل يرى .
عندما نقارن هذا السلوك العفيف مع مايفعلنه النساء اليوم، نرى ان النساء لم تكتفي بعدم غض البصر وانما اضافت الى العين ما يجملها من انواع الكحل والرسمات حول الحواجب وحول العين والعدسات الملونة الاصقة..واما العطر فاصبحن يتنافسن على الماركات العالمية وبدون اي تورع عن ما يحمله هذا السلوك من اثارة الشهوة المحرمة لدى الرجال.
والتزام الزهراء (عليها السلام) بالحجاب لم يمنعها من أداء دورها الاجتماعي والرسالي والدفاع عن عقائد الإسلام وسُنّة النبي (صلى الله عليه وآله) والمطالبة باسترجاع حقّها المسلوب ، فعفة المرأة لا تعني الانكفاء والانطواء والجلوس في داخل البيوت، ولا تعني الجمود والإحجام عن تحمل المسؤولية وممارسة الدور الاجتماعي، بل العفة تعني حفاظ المرأة على رزانتها ورصانتها وجدية شخصيتها أمام الآخرين، فإذا استلزم الأمر أن تخرج المرأة إلى ساحة المجتمع لتمارس دورا مفيدا فلا تتردد في ذلك، وإذا كانت هناك مصلحة في التخاطب مع الرجال فلا مانع طالما انها تحافظ على حجابها وحيائها، وقد رأينا الزهراء(ع) في قمة الحجاب والعفة عندما جاءت الى مسجد ابيها مطالبة بحقها ومدافعة عن حق زوجها امير المؤمنين، فقد وصفها الرواة حينما جاءت إلى مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقولهم : لمّا بلغ فاطمة عليها السلام إجماع أبي بكر على منعها فدك ، لاثت خمارها على رأسها ، واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في لُمّة من حفدتها ونساء قومها ، تطأ ذيولها. .
وهذه الرواية تصف لنا حجاب الزهراء (عليها السلام ) فمن اوصاف حجابها انها كان تطأ عليه عندما تمشي وهذه دلالة على طول عباءتها وحجابها ، واليوم حجاب بعض الفتيات والنساء لا يشبه حجاب الزهراء ، فهل مثلا لبس البنطلون او الملابس القصيرة والضيقة التي ترتديها بعض النساء في الجامعات وفي الاسواق هل فيه شبه من ملابس سيدة نساء العالمين صلوات الله عليها!؟
من خلال المقارنة مع بعض سلوكيات السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وسلوكيات النساء في عصرنا الحالي نجد الابتعاد الى حد كبير عن ما جسدته السيدة الزهراء (عليها السلام) وما يفعلنه النساء من تقليد اعمى للسلوك الهابط والثقافات المنحرفة والمنحلة، وبسبب هذه السلوكيات الخاطئه التي تقوم بها بعض النساء ينزلون من قيمة ومكانة المرأة التي تحولت بفعل هذا السلوك الى عنصر لإثارة الغرائز والشهوات ومصدر للريبة .
4- ومن مظاهر العفة والحشمة والستر والحجاب التي سجلتها الزهراء (عليها السلام) سُنّة يقتدى بها إلى اليوم ، هي أنّها اوصت عندما وفاتها اسماء بنت عميس بان يجعل لها تابوت مستور كي يحجبها عن اعين الناس ، حيث قالت لاَسماء بنت عميس : ألا تجعلي لي شيئاً يسترني ، فإنّي استقبح ما يصنع بالنساء ، يطرح على المرأة الثوب فيصفها » ، فقالت أسماء : إني رأيت شيئاً يصنع بالحبشة ، فصنعت لها هيئة النعش ، فقالت عليها السلام : « اصنعي لي مثله ، استريني سترك الله من النار .فكان نعشها أول نعش أُحدث في الإسلام ، واتخذ بعد ذلك سُنّة.
انّ العفة والطهارة هي أبرز وأهم زينة للنساء، وان سلوك فاطمة وغفافها وحيائها يشكل أكبر درس للنساء في مجتمعنا اللواتي يجب عليهن الحفاظ على الحياء والستر والحجاب في كل الظروف والأحوال. و هو الدرس الذي يجب ان نعلمه ونربي ابنائنا وبناتنا عليه ولانسمح بشيوع الميوعة والانحلال في مجتمعنا.
واهم العوامل التي ننمي من خلالها حالة العفة والحياء في مجتمعنا وبين ابنائنا وبناتنا: الزواج: لان الزواج وسيلة لتهذيب وإشباع الشهوة، واجتناب الاختلاط غير الضروري بين الشباب والفتيات ، وغضُّ البصر من الرجال والنساء عما حرم الله، واجتناب كل ما يثير الشهوة: مثل اجتناب مشاهدة المحطات التلفزيونية او مواقع الانترنت الّتي تبثّ البرامج والافلام غير المحتشمة والمُخحِلَّة أخلاقيّاً، والتفريق في المضاجع أثناء المبيت بين الذكور والإناث فلاينبغي ان ينام الاطفال في نفس الغرفة التي ينام فيها الزوجان مثلااو ينام الذكورفي نفس الغرفة التي ينام فيهاالاناث، التقيُّد بالالتزام بالحجاب والستر الشرعيّ وعدم اظهار الزينة مثل مساحيق التجميل وطلاء الأظافر، ومكياج، وحلي،واساور وغير ذلك .
اليوم هناك انجرار وانقياد كامل وراء صيحات الموضة وما ينتجه الاعداء لفتياتنا ونسائنا على صعيد اللباس، واصبح اعداء الدين والقيم والاخلاق هم من يفكرون ويقررون نيابة عن الجميع ما تلبسه فتياتنا ونسائنا ونرى الكثير ينساقون وراء ذلك من خلال الانقياد الاعمى لصيحات الموضة وارتداء كل ما ينزل الى الاسواق من ملابس والتقليد الاعمى في التصرفات والسلوكيات السيئة متناسين هل ان هذا هو يرضي الله او ينسجم مع تعاليم واحكام ديننا ام يتعارض معها ، وكأنه اصبح اخر هم فتياتنا ونسائنا ماهو رأي الاسلام في ذلك.
اليوم اجيالنا تتعرض لحرب ناعمة ولهجمة شرسة تطال جميع مفاصل الحياة بغية افسادهم وابعادهم عن قيم واخلاق واحكام الدين، وقد تغلغلت تلك الهجمة الى داخل البيوت وصار الشغل الشاغل لاغلب النساء وبمختلف الفئات العمرية كيف يمكنها ان تتجمل وتتباهى بلبس اخر صيحات الموضة والتجمل بالحجاب، لا الستر بالحجاب، من خلال الموديلات الجديدة للحجاب والنزول بها الى الشوارع وتلاحقها نظرات القاصي والداني بلا خجل ولا حياء, وضرب كل الاعراف والتقاليد وضرب كل الضوابط والقيم وما جاء به الدين بدعوى التحضر والتمدن ومجاراة المجتمع والجو العام في المجتمع وما شاكل.
اليوم بسبب الابتعاد عن الله عز وجل وعن احكام وتشريعات الدين الكفيلة ببناء مجتمع انساني فاضل نشاهد كل هذا الانصياع لعادات الاخرين والتخبط الاعمى الذي نلاحظة في المجتمع ؟
لعل البعض يقول كيف لنا ان نطبق ما قد طبقته الزهراء فقد كانت انسانة معصومة ونحن لسنا معصومين وليس لنا قابلية لتحمل ما يتحمله المعصوم؟! الجواب: هل نحن نعبد الله كالمعصوم هل صلاتنا كصلاة المعصوم هل صيامنا كصيام المعصوم ؟ قد لا نصلالى ما وصل اليه المعصوم لكن باستطاعتنا ان نجعل منهم قدوة لنا في افعالنا، فاذا استطعنا ان نقتدي بسلوكهم وافعالهم ولو بالنزر اليسير فهذا يعتبر انجازا باتجاه الطريق الصحيح لبناء مجتمع فاضل وكل بحسب قابلياته.
بالنسبة للزهراء (صلوات الله عليها) هي قدوة لنا و لكل انسان مؤمن ومؤمنة، قدوة في عبادتها وعفتها وحيائها وعلمها وفصاحتها وشجاعتها وادارتها للمواقف الصعبة، وقدوة للنساء خاصة في حجابها وادارتها لحياتها الاسرية ، والجميع بامكانه ان يجسد في سلوكه ما جسدته في سلوكها على كل هذه الصعد.فقد كانت سيدة نساء العالمين نموذج المرأة الكاملة وهي خير قدوة ومثال للمرأة المؤمنة المسلمة .
اليوم الادراة الامريكية المتغطرسة يجب ان تعرف ان ارهابها بحق شعوب المنطقة واغتيالها للحاج قاسم سليماني والحاج ابومهدي المهندس لن يخرجها من احباطها وفشلها المتراكم في المنطقة، ولن يعيد اليها هيبتها المفقودة، ولن يسترجع ثقة حلفائها بها، ولن يرهب محور المقاومة ، بل سيعزز من الصورة البشعة لاميركا لدى شعوب المنطقة، وستفتح دماء الشهيدين سليماني والمهندس افاقا جديدة لمحور المقاومة لتحقيق المزيد من الانجازات، وستؤسس لإخراج القوات الامريكية بالكامل من المنطقة، لأن الثأر الحقيقي لاستشهاد الحاج قاسم وابو مهدي هو اخراج القوات الامريكية من المنطقة ، والرد الايراني بالصواريخ على القواعد الامريكية في العراق هو اول الغيث ومحطة أولى في مسار المواجهة وتصفية الحساب مع الولايات المتحدة ومعركة اخراجها من المنطقة.
اليوم بفضل دماء الشهيدين سليماني والمهندس وكل الشهداء الذين ارتفعوا معهما تشهد منطقتنا فرزا واضحا وحاسما بين محورين محور الشر الذي تقوده الولايات المتحدة ومحور المقاومة التي تقوده ايران ولا مكان من الان فصاعدا للوقوف على التل او موقف المتفرج على الصراع الذي لا يبالي بما يجري، لقد انتهى زمن المراوغة في المواقف فالصراع في المنطقة بات شديد الوضوح وأطرافه مفرزة على نحو حاسم ولا التباس في ذلك كما ان الهدف بات واضحا جدا وهو الجود العسكري والامني الامريكي في المنطقة فهذا الوجود لن يكون آمنا او مستقرا بعد اليوم والتشييع المليوني الحاشد وغير المسبوق للشهداء في العراق وفي ايران هو بمثابة استفتاء شعبي واسع على وحدة الهدف وكيفية المواجهة ورسالة واضحة بأن هذه الشعوب جاهزة لاي تضحية ومستعدة للمواجهة حتى تحقيق هذا الهدف الكبير.
المصدر: موقع المنار