اعتبر السيد علي فضل الله في خطبتي صلاة الجمعة ان الشعب اللبناني “لا يزال ينتظر الحلول التي تخرجهم من الواقع المزري الذي وصلوا إليه، حيث تستمر معاناتهم التي لا تقف عند حدود الجانب السياسي أو الهاجس الأمني، بل تمتد إلى المستوى الاقتصادي والمعيشي والحياتي، وهو ما نرى تجلياته في استمرار تدني سعر صرف الليرة اللبنانية، وارتفاع أسعار السلع الضرورية، والإذلال الذي يشعر به المواطنون وهم يقفون على أبواب المصارف يستجدون منها الحصول على أموالهم التي هي من حقهم، في ظل إقفال العديد من الشركات والمؤسسات والمدارس، وما يترتب على ذلك من فقدان الناس لأعمالهم”.
ولفت الى ان “الوضع قد بلغ أقسى تجلياته، حيث تكررت حالات الانتحار ممن فقد عمله أو لم يجد قوت يومه، مع تحفظنا الشديد على هذا الأسلوب ورفضنا له، وكان آخر ما رأيناه هو السيول التي تسببت بها الأمطار، والتي اجتاحت الشوارع والبيوت، وعطلت حركة السيارات، وأدت هذه المرة إلى قطع الطرق الرئيسية، وحبس الناس فيها، والتي أشارت إلى حجم الإهمال الذي تعانيه البنية التحتية وعدم قيام الدولة بمسؤولياتها في الوقاية من تداعيات أي سيول محتملة”.
ورأى السيد فضل الله ان “هذا الواقع الصعب بكل آثاره الكارثية على كيان الدولة وإنسانها، بات يستدعي تعاونا من كل القوى السياسية التي من مسؤوليتها أن تخرج من حساباتها الخاصة ومن منطق تقاذف الكرات في ما بينها وبين من يتحركون في الشارع، الذي لا بد بعد كل ما حدث من أن يكون أكثر واقعية في ما يطرحه من مطالب، فالمرحلة هي مرحلة تضافر جهود الجميع للخروج من حال الانهيار التي إن حصلت فستصيب الجميع، والتي يريدها من لا يريد خيرا بهذا البلد”.
وأضاف “إننا نتفهم جيدا حجم الطموحات التي يدعو إليها من خرجوا إلى الشارع، برفض كل هذا الواقع السياسي الذي أوصل البلد إلى ما وصل إليه، ولكن هذا دونه جهود وعمل طويل ودؤوب بعدما تجذر الواقع السياسي وتجذرت رموزه، وهو يحتاج إلى وقت لبلوغه. إننا نرى أن هذه المرحلة هي مرحلة إيقاف النزف الذي يكاد يودي بالبلد، لكن هذا لا يعني إغفال متابعة العمل للوصول إلى حلول جذرية لا تجعله مجددا عرضة للفساد والنهب والمحاصصات والصفقات، وتجعل إنسانه يشعر بإنسانيته، بحيث لا يحتاج معها إلى أن يتسكع على أبواب الزعماء والمتنفذين ليحصل على حقه”.
وأمل أن “تؤدي الاستشارات النيابية التي ستجري إلى الوصول إلى حكومة تحمل هذا الهم، وتؤمن تحقيق التعاون بين الجميع، وتزيل أي هواجس يخشاها البعض من حركة الشارع، والتي ساعدت عليها تصريحات صدرت عن أكثر من مسؤول خارجي، وأشارت إلى أن ما يجري في الشارع يأتي لحسابات خارجية. لقد أصبح واضحا أن ما أنجزه الاحتجاج الشعبي بكل تنوعاته لن يعيد عقارب الساعة في البلد إلى الوراء، بل سيبقى حاضرا في المسار السياسي وفي الحكومة المرتقبة، وسيبقى صوت الشعب سيفا مصلتا على رؤوس كل الذين يتحركون في الواقع السياسي، وسيحسب له الحساب”.
وتابع”إننا نأمل أن يكون البلد قد دخل مرحلة الحلول، ولكن سيبقى هذا مرهونا بمدى جدية ما تم التوصل إليه من توافق على اسم رئيس الحكومة وتشكيلتها، ولكن يبقى السؤال: هل سيحصل ذلك أم أن ما يجري هو جزء من التجاذب والمناورات المعهودة بين القوى السياسية؟ سنترك الجواب للأيام القادمة، ونأمل أن تأخذ مواقف الجميع بعين الاعتبار خطورة الوضع الداخلي وما وصل إليه هذا البلد”.
واشار السيد فضل الله في خطبته إلى “خطورة تعامل الدولة مع مؤسسات الرعاية الاجتماعية وعدم وفائها بالالتزامات حيالها، وهو الذي أدى إلى إعلان الكثير من هذه المؤسسات عن إغلاق أبوابها أمام المستفيدين منها من ذوي الحاجات الخاصة، ما يستدعي تحركا سريعا من قبل الدولة لمعالجة هذا الأمر الذي يشكل عبئا كبيرا على أهالي المعوقين، وعلى المجتمع الذي يعيشون فيه. إن المرحلة تحتاج إلى تضافر جهود كل اللبنانيين لمزيد من التكافل والتضامن في ما بينهم للتخفيف من آلام بعضهم البعض. وهنا ندعو التجار إلى أن يخرجوا من حالة الجشع والاحتكار ورفع الأسعار بطريقة تسيء إلى حاجات الناس ومتطلباتهم، وأن يبقى الشعور بالمسؤولية هو الحاضر أمامهم، وأن يعوا تداعيات ذلك على الناس. إن المطلوب هو استحضار معاني التضحية والشعور الإنساني وكل قيم العطاء، وإلا فالجوع كافر وقاتل، وتداعياته ستنعكس على الجميع”.
وأضاف “ونعود إلى فلسطين المحتلة، التي لا بد من أن لا ننساها، رغم الظروف التي نعيشها ويعيشها عالمنا العربي والإسلامي، حيث يستمر العدو الصهيوني، وعلى الرغم من حالة الانقسام السياسي التي يعيشها، والتي انعكست على تشكيل الحكومة عنده بعد الانتخابات، في العمل على استكمال مشروعه الاستيطاني الكبير، والذي تجلت خطوته الجديدة في الاستيلاء على أراض وأسواق مأهولة داخل مدينة الخليل. إن هذا الواقع ينبغي أن يكون دافعا لكل فصائل المقاومة وللسلطة الفلسطينية لتعزيز وحدتها ومواجهة هذا المخطط الذي يعرف الجميع بأن السبيل الأفضل لكسره يتمثل بالوحدة الفلسطينية الداخلية، وإن تخلفت الدول العربية والإسلامية عن القيام بواجبها تجاه هذا الشعب وقضيته”.
وفي الشأن العراقي اعتبر السيد فضل الله ان “نزيف الدم فيه لا يزال مستمرا، حيث الخشية من أن تسود فيه حال الفوضى، ما يستدعي من كل القوى السياسية الإسراع في تأليف حكومة قادرة على علاج الأسباب التي أدت إلى خروج الناس إلى الشارع، حفظا لهذا البلد، ولمنع من يستغلون هذا الواقع من العبث بأمنه واستقراره ودوره”.
المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام