المبادرة الإيرانية التي تحمل تسمية “هرمز للسلام”، حملها الرئيس الشيخ حسن روحاني الى اجتماعات الأمم المتحدة، وفحواها، أن أمن الخليج عامةً ومضيق هرمز خاصةً، من مسؤولية الدول التي تنضوي مبدئياً تحت لواء مجلس التعاون الخليجي إضافة الى إيران، مع إمكانية ضمّ اليمن متى توقَّف العدوان السعودي على هذا البلد، مع ضمانات بقُدرات ذاتية لحفظ أمن كل الدول المعنية بما فيها السعودية، وتأمين مضيق هرمز الذي تعبره ناقلات حمولتها تُشكِّل 35% من الإستهلاك العالمي للنفط.
وحتى لو لاقت هذه المبادرة تأييداً أُممياً، فإن الولايات المتحدة التي تُنصِّب نفسها “شرطياً مدفوع الأجر الباهظ” من خَزَّانات النفط وخِزَانات المال الخليجية، ليس من مصلحتها خلال ولاية تاجر الحروب والأسلحة دونالد ترامب أن تُوقِف إيرادات بيع الأسلحة لمناطق النزاعات، خاصة أن قطاع تصنيع الأسلحة في أميركا بات يفوق قطاع صناعة السيارات والمعدات، وبالتالي، فإن السعودية التي يهدِّد ترامب عرشها بالإنهيار ما لم تدفع بدل حماية، لا تمتلك حق القرار بعقد تحالفات دفاعية مع دول الجوار للحفاظ على أمنها وأمن الجوار، خاصة إذا بقيت مُسيَّرة أميركياً وتتلقَّن دروساً من واشنطن عن “الإرهاب الإيراني” ووجوب مواجهته عبر تواجد رمزي للشرطي الأميركي.
الجواب الأميركي على المبادرة الإيرانية جاء قبل أن تُطرح هذه المبادرة على الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويُقرأ هذا الجواب من عنوان الإستقبال المُقيَّد على تحركات الرئيس روحاني والوفد المرافق، والحصار الإعلامي الذي فُرِض على وزير الخارجية الإيراني الدكتور محمد جواد ظريف، بأمر من نظيره الأميركي مايك بومبيو، في محاولة لعدم إيصال وجهة النظر الإيرانية الى الشعب الأميركي، سيما وأن فضح ممارسات إدارة ترامب العقابية بحق إيران قد يؤثر على مسار حملته الإنتخابية لولاية ثانية.
إقليمياً، ومع تمايُز مواقف سلطنة عُمان والكويت وقطر، من وجوب إقامة تفاهمات مبنيَّة على الإحترام والمصالح المشتركة مع إيران، فإن القرار الخليجي لم يبلغ بعد مرحلة الإجماع على الجرأة لِثَني السعودية عن الإرتماء بين أحضان أميركا وحتى إسرائيل، ومع استثناء البحرين التابعة للسعودية من المُعادلة السياسية الخليجية، يبقى الموقف الإماراتي غير حاسمٍ في استقلالية القرار، رغم أن الإمارات قررت التمايُز عن السعودية في سوريا، ومؤخراً في اليمن، بعد أن تأكدت بأن أميركا ومنذ عهد أوباما قررت القتال في الشرق الأوسط بالكفوف البيضاء، واستخدام الجيوش الخليجية ومرتزقتها في الحروب العدوانية، والمجتمع الإماراتي لم يعُد يحتمل المزيد من القتلى في اليمن ولا يحتمل أيضاً سقوط صاروخ على مدينة إماراتية.
الرئيس روحاني شاء مبادرته رسالة سلام لجيرانه الخليجيين، تُبدِّد الأكاذيب الأميركية – السعودية المشتركة عن خطر إيراني مُحتمل على دول خليجية، ومعظم هذه الدول تنقض هذه الأكاذيب، لكن السعودية تُكابِر لغاية الآن بإعلان هزائمها الإقليمية وآخرها في اليمن، سواء عبر الضربات التي تتلقاها داخل أراضيها الجنوبية أوالردّ النوعي اليمني عبر المُسيَّرات التي ضربت آرامكو وشلَّت نصف إنتاج المملكة لأشهر عديدة قادمة، وعلى السعودية قراءة المبادرة الإيرانية قبل سواها، لأن “هرمز للسلام” التي تنصّ على أمن ذاتي إقليمي هي ردّ إيراني على اقتراحات أميركية بوصاية أمنية دولية على مضيق هرمز، وهو ما لن تقبل به إيران وكل دولة تتمتع بسيادتها وكرامتها، وإذا كانت لدى إيران كامل الجرأة على رفض الحماية الغريبة، يبقى على الشركاء الخليجيين الخروج من العباءة السعودية المُرتهنة لأميركا وملاقاة إيران في منتصف الطريق متى امتلكوا جرأة القرار…
المصدر: موقع المنار