اقترب ميقات الهجرة إلى الله، والهاشميون يشدون الرحال للقاء وعد الله الحق، والشهادة وحيٌ صاعدٌ ودعاء… الإسلام يُولد من جديد، ويخطّ كلماته على التراب دماءً.
الهجرة اكتملت وبُنيت المدينة وصار للحقّ مكانًا يؤشّر إليه، والأرض تَعجبُ كيف تحمل على ذراها ثقل أمانة إمام هاجر إلى الله بعد العروج عليها.
من عبق الدماء ارتسمت الصورة، صوتٌ صاعدٌ ينادي “خذ حتى ترتضى” وجلّاد، والمشهد يمتد حتى يُختزل التاريخ بيوم، ويقيم للحق صرحًا يأخذ يمتد إلى البعيد، ليصبح كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء.
عاشوراء؛ ذاك الفجر المضمخ بالدماء، الموُلِّد للمعاني، وسيرة العشق الأبديّ إلى الله، هي موضوع هذا الكتاب، الذي يتشرف دار المعارف الحكمية بتقديمه للقارئ العربي من أجل رسم صورة حقيقية عن هذه الواقعة، حيث يقدم الكتاب نقلًا توثيقيًا تحقيقيًا تاريخيًّا علميًّا لجملة من الجوانب المتعلقة بالحدث بكلّ تفاصيلها.
والعرض هذا إنّما يهدف إلى إبراز حقيقة ما حصل بكلّ ما فيه من شهادة وألم وسبي، من أجل استلهام المعنى الحقيقي، حيث يخرج التاريخ عن مجرد تسجيل للحدث، ليتحول إلى عبرة، والعبرة دمعٌ ومحتوى، فمنها تخرج الثورة وتتحول إلى زلزال يقوّض عروش الظالمين، وتتقوى الشعوب ببركة معصوم لم يخرج أشرًا ولا بطرًا ولا ظالمًا، بل خرج لطلب الإصلاح في أمة جده فبلغه، والبلوغ هنا يتعدى الآنيّ ليتحوّل إلى حركة في التاريخ، تتجدد مع كلّ مجاهد خرج على الطاغوت فانتصر، لأنّ النصر وعد حق والله لا يخلف وعده.
العودة إلى عاشوراء وتاريخها عودٌ إلى الأصل وإلى لحظة الإخلاص والثقة، حين وقف الإمام أمام جبابرة عصره فرفض البيعة فانتصر الدم على السيف، وبقيت كلمة الله هي العليا، فهُزمت الجموع في اللحظة التي شعرت فيه بانتصارها، وانقضّت أسس الدولة التي تصوّر صانعوها أنّها قامت. وبقي الحسين عليه السلام ناظرًا حافظًا للأمة، يوقظ فيها نبض العدل والإصلاح، حتى صار كلّ ما لديها من عاشوراء.
المصدر: معهد المعارف الحكمية