ليس موقفا عابرا يمكن المرور عليه مرور الكرام بل يحمل معاني كبرى ولافتة ما قاله بالامس المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية تعليقا على تقدم الجيش السوري على محور تدمر ضد داعش، هو تصريح يحمل المعاني الواضحة التي لم يسبق لوضوحها مثيل حول نوايا اميركا في مسالة داعش عندما قال ردا على سؤال “لن أرحب” بسعي القوات السورية لاستعادة تدمر!
نضيف الى ذلك ما عبر من خلاله وزير الخارجية الاميركية جون كيري في احدث تصريحاته عن ما خفي من نوايا اميركية عندما قال “لا توجد حكومة بالعالم تدعم “داعش” لكن لا يمكننا أن نلحق الهزيمة به بين ليلة وضحاها”، وهنا السؤال ماذا كان يفعل التحالف الاميركي على مدى عام ونصف ضد داعش ولماذا اظهار ما يشبه الرغبة امام الجميع بأن لا يتم القضاء على داعش سريعا؟ واين ما سمي التحالف الاسلامي ضد الارهاب (حليف اميركا)…
لقد نشرت صحيفة لوموند الفرنسية في 21 اذار الحالي وثائق واوردت شهادات أحد عناصر “الجيش الحر” ، تؤكد أن الاستخبارات الأميركية كانت على علم بتحركات تنظيم داعش في سوريا، وكانت قادرة على استهدافه في عدة مناسبات، ولكنها امتنعت عن ذلك بشكل غير مبرر.
هنا نعود الى”وثيقة تحذير” من وزارة الخارجية الاميركية قبل ايام في بداية اذار، توقعت وحذرت ان مسلحي تنظيم داعش الإرهابي يخططون لتنفيذ هجمات في أوروبا في المستقبل القريب، ثم تحصل فعلا هجمات بروكسل، الا يؤشر ذلك الى حجم المعرفة الاميركية الاستخبارية بالتنظيم وانها لو كانت جدية بحربه في سوريا والعراق لحققت الكثير.
بل حتى هذه الدول الاوروبية التي وقعت تحت ضربات الارهاب بعد ان تركت الجماعات الارهابية تتغلغل هنا وهناك ليقع المدنيون فريستها ودعمتها في سوريا والعراق، هل كانت تنظر الى مصالح شعبها ام الى مصالح ضيقة؟
في مسألة الدور الغربي وخاصة الاميركي باطلاق داعش لن نتحدث عن تحليلات وتكهنات بل نورد ما جاء موثقا ومن مسؤولين اميركيين مثل اقرار نائب رئيس اميركا جو بايدن قبل اشهر قليلة حول دعم داعش من دول عربية اقليمية حليفة لوشنطن. ونذكر اقوالا انتشرت على الملأ قبل فترة وهو قول هيلاري كلينتون في احد كتبها ان “داعش” صناعة أميركية.
اذا كان لم يعد من قبيل التكهنات الدور الاميركي في اطلاق ودعم الحالة “الداعشية” في منطقتنا بل اثبتته وثائق وتصريحات، لكن التساؤل الذي يمكن اثارته هو حول ما بات يتكرر اليوم على لسان كل مسؤول اميركي: “المرحلة هي لقتال داعش”..
لم يولد ما سمي التحالف ضد داعش بقيادة واشنطن قبل ايام او اسابيع لكي يقال ان هناك مرحلة لا بد من التريث فيها لتلقف النتائج، فهذا التحالف اطلق منذ عام ونصف وضم اكثر من 60 دولة لكن الوقائع تؤكد انه لم يحقق شيئا مهماً ضد داعش ومثيلاته من جماعات الارهاب.. عندما اتى الدور الروسي اثبت فعلا بالنتائج الكبرى التي حققها ان التحالف الغربي لم يكن الا صورياً.
حين حضر الروس لحرب الارهابيين في سوريا ثار الامتعاض الاميركي واثارت اميركا توترات عديدة بوجه روسيا للضغط عليها وحركت بوجهها الاتراك لكي تخفف من وطأة الحملة الجوية الروسية ، بما يدل على ان واشنطن لا تريد ان يكون هناك قوة فعلية تضعف داعش بشكل كبير، وهنا من المفيد العودة بالذاكرة ايضا الى القاء مساعدات في سوريا والعراق لتقع بيد داعش ثم يتم الاعلان عن “خطأ”.
هل في اليمن الذي يخضع لحرب سعودية اميركية تستفيد منها جماعات الارهاب في السيطرة على مناطق جنوب اليمن تحت مرأى قوات العدوان الا ايحاء بتحالف خفي مع هذه الجماعات؟ فاميركا تلعب الدور الاستخباراتي الاول في اليمن وقادرة على تشخيص التحركات العسكرية. هل ان واشنطن لم تكن قادرة على الضغط على حليفتها تركيا لاغلاق الحدود امام تدفق الارهابيين الى سوريا لو ارادت ذلك بل على العكس عندما ارادت الايحاء انها تضغط على تركيا للانضمام للحملة المزعومة ضد داعش كان الامر عبارة عن صفقة تطلق يد تركيا بوجه الاكراد.
ربما باتت واشنطن لا تريد استمرار تنامي داعش في سوريا والعراق لكن لا تريد القضاء عليه لأنه لا يزال يحقق لها مصالح استراتيجية تبدأ في المنطقة ولا تنتهي في اوروبا. اما في اليمن وليبيا وتونس وغيرها لا ضير لديها من تصاعد القاعدة وداعش لكي تبقى اداة تدخلية وربما اذا سمعنا قريبا بهجمات داعشية في اميركا يكون الامر اداة استغلال اضافية للتدخل هنا وهناك بحجة حرب شعواء على داعش بينما الوقائع امر آخر.
المصدر: موقع المنار