في العالم الافتراضي تبدو حياة كل شخص آخر على درجة كبيرة من المثالية، ومع أنه ليس سراً أن معظم الصور المنشورة على هذه الوسائل ليست عفوية، وإنما يتم إعدادها بشكل فني أو مصطنع وأحياناً بإدخال تعديلات عليها بتطبيقات تقنية – ويتوقف ذلك على طريقة استخدام الشخص لوسائل التواصل الاجتماعي – فيمكن أن يكون لها تأثير سلبي على الصحة النفسية للمشاهد.
تقول خبيرة الطب النفسي سونيا أوتس “إن هذه الصور أكثر من أي شيء آخر تمثل نوعاً من الاستخدام السلبي أي غير الصحي لمواقع التواصل الاجتماعي، والذي يمكن أن يؤدي إلى سوء الحالة المزاجية للمستخدم”. وليست هناك فائدة من أن تقول لنفسك إنك لن تجري مقارنات بالآخرين. وتوضح أوتس قائلة إن ” تلك المقارنات قد تؤدي إلى شعور المستخدم بمستويات أدنى من احترام الذات والقيمة، وأيضاً بعدم الرضا عن أوضاع حياته الخاصة به. وبحسب دراسة نشرت في مجلة “جهاز الكمبيوتر والسلوك البشري”، فإن استخدام الشخص لأكثر من 7 منصات للتواصل الاجتماعي يضاعف خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق 3 مرات، مقارنةً بمن يستخدم منصتين أو أقل
ومن ناحية أخرى، وفقاً لورقة بحثية نشرت عام 2017، توجد علاقة متلازمة إيجابية بين الاستخدام النشط لشبكات التواصل الاجتماعي، وبين الشعور بالصحة والسعادة، وتقول أوتس “بالتواصل مع أشخاص آخرين يمكنك أن تبدأ في بناء رأسمالك الاجتماعي”. والمستخدمون الذين يدونون التعليقات ويشاركون في الحوارات ويجادلون ويجرون المناقشات مع الآخرين، يجدون في وسائل التواصل الاجتماعي أداة يمكن أن تثري حياتهم.
وترى خبيرة الطب النفسي كارين كروميل أنه يجب تذكر قاعدة واحدة على الدوام ووضعها فوق أي اعتبار آخر في العصر الافتراضي، وهي أن الحياة الواقعية هي الأهم، وإلا فإن دفة الأمور ستتحول إلى منحى خطير”. ومن الصعب أن يتم استبدال التقدير من الأصدقاء وأفراد الأسرة، ليحل بدلاً منه علامات الإعجاب والمتابعين على المواقع الإلكترونية الذين لم تلتق بهم على الإطلاق بشكل شخصي، ولتتجنب الانجذاب الخطير للمقارنات والتقييم على مواقع التواصل الاجتماعي فمن المهم أن يكون لديك كيان اجتماعي مستقر. كما أن مسألة القيمة الذاتية للشخص تقف على نفس الدرجة من الأهمية، وتؤكد الخبيرة على ضرورة تحديد القيم الحقيقية بالنسبة لنا، وهي الأمانة والصدق والصراحة التي يندر تواجدها على مواقع التواصل.
وتقدم كاترينا كاتسر المتخصصة في السلوك الرقمي بعض النصائح للتأكد من أنك لا تستخدم المواقع الإلكترونية طوال الوقت، ومن بينها استخدام تطبيقات تخبرك عن المدة الزمنية التي أمضيتها في تصفح المواقع على هاتفك المحمول، إلى جانب إخفاء هاتفك عن نظرك حتى لا يغريك تواجده أمامك بفحص صندوق الرسائل كل بضع دقائق. وبالإضافة إلى ذلك فعند التجمع مع أفراد العائلة أو الأصدقاء فكر في تجميع هواتفهم المحمولة، واجعل أول شخص يفحص الرسائل على هاتفه يسدد ثمن الدفعة الثانية من المشروبات أو ينظف أطباق الطعام. وتقول كاتسر إن مغادرة منزلك دون أن تحمل معك هاتفك من آن لآخر تعد أيضاً عادة حميدة، ويدرك كثيرا من الناس أنهم لا يفتقدون أشياء كثيرة أثناء جولة شرائية بمتجر للبقالة أو موعد لتناول طعام الغداء عند ترك الهاتف المحمول.
المصدر: dw.com