مقاربة بسيطة تُغني اللبنانيين عن مجلَّدات الإحاطة بعدوان تموز 2006، لتبيان المفارقة التي حاول البعض الإضاءة عليها، وأفرزت اللبنانيين الى فريقين، مع عدم جواز المقارنة بين مليونيات هادرة نابضة بالكرامة، وشراذم راهنت وتُراهن على الوهم حتى اليوم وتقطف هواناً ثمار مواقفها.
في كتاب “إميل لحود يتذكَّر”، ينقل الكاتب أحمد زين الدين عن الرئيس المقاوم إميل لحود قوله عن إنتصار تموز 2006: “حين بدأ العدو بضرب الضاحية، كان طيرانه يقصف فوج الهندسة في الجيش اللبناني القريب من القصر الجمهوري، طلبت انعقاد مجلس الوزراء وتوجّهت الى الضاحية، وقلت للناس لا تخافوا سنربح، وأنا لا أقول هذا لرفع المعنويات، بل لأننا نملك الرجال الأشداء المستعدين لتقديم أغلى التضحيات من أجل وطنهم وأرضهم، ونحن يداً بيد وإرادة بإرادة مع سماحة السيِّد في المواجهة مع العدو، وسننتصر عليه”.
يُتابع الرئيس لحود، توجهت الى مقر مجلس الوزراء فقال لي أحد وزراء 14 آذار: “ليك أصحابك شو عملوا (حزب الله)، هلأ الإسرائيليين رح يوصلوا عا بيروت متل الـ 82، فأجبته: وصلوا عا بيروت إيام الرئيس سركيس بالـ 82 لأنه لم تكن هناك مقاومة، هذه المرَّة حتماً سننتصر”.
أوردنا هذه الجزئية من مواقف الرئيس لحود لنقول، منذ التحرير عام 2000 الى تحقيق النصر على العدوان عام 2006، وخلال العقد الماضي 2006 /2016، ما زال هناك فريقٌ من اللبنانين يتنوَّع في مواقفه المهينة، بين الذليل والعميل، لنكتشف أن معاناة الرئيس المقاوم سياسياً، لم تكن أسهل من جهود وتضحيات سيِّد المقاومة وصانع الإنتصارات، لأن ردع خنجر الغدر عن طعن المقاومة عبر كل المواقف المشينة، كان قاسياً ومُجهِداً مع من راهنوا على هزيمة المقاومة أمام العدوان، وما زالوا يراهنون ويبنون أحلاماً من كرتون، عند كل استحقاق داهم يهدد الوطن والشعب سواء مع العنصري الصهيوني أو الشيطان التكفيري.
إننا في الذكرى العاشرة لنصر تموز، نجزم أن الخط السيادي المقاوِم قد انتصر على المستوى السياسي والشعبي، بعد المعجزات الميدانية التي حققها ويحققها رجال الميدان، واللبنانيون بغالبيتهم الساحقة ومن خارج البيئة الحاضنة مباشرة للمقاومة يُجمعون، على أن المقاومة ضمن المعادلة مع الجيش والشعب هي واجبة الوجود، وإذا كان ارتباط اللبنانيين على اختلاف طوائفهم بهذه المقاومة مبنياً على واقع مصيري وقلق وجودي، فإن الشارع الجماهيري في لبنان قد حسم سياسياً خياراته في مواجهة الخطرين الداهمَين الدائمَين:
1) العنصر الصهيوني: بصرف النظر عن ملف النفط والمياه والنزاعات التي لا تُحصى مع العدو، فأنه حريٌّ بنا، متابعة ما خلصت اليه مراكز القرار السياسي والعسكري والبحثي الإسرائيلية، التي تؤكد وتكرر أن حزب الله يشكل الخطر الأول اليوم على الدولة العبرية، وأن المقاومة تعمل منذ اليوم الأول لإنهاء عدوان تموز، على عناصر المناعة والقوة بوجه الإسرائيلي في إطار معادلة الردع والتوازن الاستراتيجية، التي لا تقتصر على مسألة الاشتباك العسكري معه، بل تسعى لتحصين لبنان وحمايته لردعه عن ارتكاب حماقات مستقبلية.
إعتبار الإسرائيلي أن ما تمارسه المقاومة هو نوع من الحرب الباردة، أشعل الجليل سخونة، وبات مستوطنو شمال فلسطين المحتلة يعيشون الكوابيس ويتبادلون هواجسهم اليومية، فيقول أحدهم: “نشعر أن حزب الله سيطلع إلينا من تحت السرير، لأنه يحفر الأنفاق تحت غرف نومنا”، فيُجيب آخر: ” لدي محفظة سفر من الحجم الكبير، باتت كما الخزانة لكل ما خفّ حمله من المقتنيات الثمينة مع بعض الملابس تحسباً للمغادرة الطارئة”، وأتت المناورة التي أجرتها إسرائيل منذ أقل من أسبوعين لأول مرَّة منذ تأسيس كيانها، والقاضية بإجلاء سكان الجليل، لتزيد من كوابيس الرعب التي يعيشها المستوطنون، إضافة الى التصريحات العسكرية والإستخبارية عن تطور قدرات وخبرات حزب الله خلال العقد الأخير، وتنامي ترسانته الصاروخية، لتجعل من حياة الإسرائيليين قلقاً ينعكس مؤخراً على ازدياد مؤشرات الهجرة، وبالتالي فإن الداخل اللبناني يعتبر أن مقاومته نجحت وستنجح في استمرار التوازن الردعي مع العدو، دون المسّ بالأمان الداخلي اللبناني المستقر بفضل المعادلة الثلاثية المنسجمة مع نفسها ومع مواطنيها.
2) العنصر التكفيري:
لا حاجة لإستعراض دقائق المخاطر التي تصدَّت لها المقاومة، بتنسيقٍ رفيع مع الجيش اللبناني، وتعاونٍ ملفتٍ من شرائح الشعب اللبناني، منذ بدأت مؤشرات ما يُسمَّى “الربيع العربي” من لبنان، وتحديداً من نهر البارد عام 2007، بل وكأنه أُريد لهذا الإنتحار العربي أن يبدأ من لبنان، كردَّة فعل دولية وإقليمية على إنتصارات المقاومة في تموز على العدو الإسرائيلي، ومن يستعرض الأحداث التي تلت جريمة نهر البارد، في طرابلس وعكار وبيروت وصيدا وعرسال ومسلسل التفجيرات والعمليات الإنتحارية، يُدرك للأسف أن لبنان كان مقرراً له أن يكون فتيل التفجير الإقليمي للقتل والتفجير والتهجير، وما زال لبنان مستهدفاً بهذا الإطار، مما يوجِب على اللبنانيين أن ينتقلوا من ذهنية وطن المقاومة الى الدولة المقاوِمة.
على اللبنانيين الذين يُعتبرون خارج البيئة الحاضنة المباشِرة لحزب الله والمقاومة، أن يحرصوا أكثر من سواهم على فكرة بناء الدولة المقاوِمة، وها هي مؤخراً مأساة القاع، تكشِف استمرار الخطر اليومي من الإرهابيين على أية منطقة لبنانية حدودية، وبمباركة وتعاون من خلايا شيطانية في الداخل اللبناني، للوصول الى مرحلة “شوكة التمكين” التي تسعى إليها داعش، عبر إثارة الفوضى المدمِّرة التي تمهِّد لقدومها كتنظيم ضابط لهذه الفوضى، ولعل المناطق التي ليست تحت رعاية المقاومة وفي حضنها، هي الأكثر عرضة للإجتياح وللتدمير والتهجير والقتل الجماعي، ومدينة نيس الفرنسية التي ذهب العشرات فيها ضحايا الإرهاب ليلة أمس الخميس، ليست عُرضة لأهداف الإرهابيين أكثر من أية منطقة لبنانية لولا عناية الله والمعادلة الثلاثية المقدسة.
“صراع بقاء” نحن نخوض في لبنان، وقبل الدولة العادلة والمحاصصات الفئوية، والدوران حول “الطائف” لتطبيقه أو تعديله، علينا أن نضمن بقاء الوطن لبناء دولة، وأن نغدو دولة مقاوِمة خالية من شوائب الإرتهان والزحفطة والعمالة، ونتمسَّك بعناصر قوَّتنا المتمثِّلة بالجيش والمقاومة وخلفهما الشعب، كي نبقى في هذا الوطن أعزاء كرام، ونستحق أن يبقى لنا مجد تموز …
المصدر: موقع المنار