هذه المرة في سوريا، وكذا في أفغانستان، اللعبة الأمريكية تمخض عنها قرار الانسحاب المفاجئ. قالت الولايات المتحدة إنها بدأت سحب قوات من سوريا، في حين قال مسؤولون أمريكيون إن واشنطن تبحث سحب كل قواتها منها مع اقترابها من نهاية حملتها المزعومة ضد تنظيم داعش.
وتظهر الولايات الأمريكية نفسها أنها راعية مشروع مكافحة الإرهاب في كل الدول التي تحتلها، وكما احتلتها بذريعة تواجد التنظيمات الإرهابية والمتطرفة من داعش والقاعدة فهي لا ترى مبررا للانسحاب إلا بعد اندحار تلك التنظيمات الإرهابية التي تُرجع أمر دحرها والانتصار عليها لها.
إن السياسة الأمريكية تلعب لعبتها القذرة في مختلف البلدان وعلى شتى الشعوب، سياستها لا تختلف، ودورها المشبوه بل المفضوح ليس بجديد، ففي حين استكمل الحشد الشعبي في العراق تطهير مناطق شاسعة واحتفل بذلك، لم يحلُ الأمر لأمريكا إلا أن تحتفل هي بتصريحات نسبت ذلك الانتصار الذي تحقق على الأرض لها، وتلك اللعبة الآن تلعبها في سوريا وكذلك في أفغانستان تحت مسمى قرار الانسحاب المفاجئ والذي جاء نتيجة فشل متراكم كما هو معلوم لدى الجميع.
أمريكا فشلت في العراق فسحبت قواتها وهذا شيء معروف، والآن تفشل وتكابد الفشل في سوريا وأفغانستان وتتحرج من البقاء أكثر في تلك الدولتين فقررت سحب قواتها، وهذا دليل أن لديها الآن خطة جديدة ولعبة قذرة أخرى لتنفذها في دولة أخرى أو مكان آخر.. أين؟ الأيام القادمة ستكشف ذلك.
تجربة أمريكا في العراق كانت مريرة، وهذه التجربة لم تنجح وفق الإرادة الأمريكية، وما لم ينجح في العراق، لن ينجح في سوريا وأفغانستان، ولدى أمريكا تجربة جديدة تريد تطبيقها في مختلف مناطق سيطرتها وهي الحرب بالوكلاء بدلا من الحرب بجنودها، اليوم أمريكا تعبت وخسرت وتعرت بحربها في بلدان المنطقة وانكشفت حقيقة مشاريعها عندما تدخلت تدخلات مباشرة في تلك البلدان، الآن تريد أن يخوض عنها معاركها غيرها من أدواتها في المنطقة بالوكالة وهي تكون الرأس المدبر والمحرك عن بعد فحسب.
وول استريت جورنال قالت إن إدارة ترامب تبحث سحب عدد كبير يُقدر بـ”14000″ من قواتها في أفغانستان خلال الأسابيع القادمة، ولكن من البديل؟ بلا شك الجماعات المتطرفة أمثال القاعدة وداعش إلى طالبان وجبهة النصرة هي البديل الذي يحل مكان أي انسحاب أمريكي قادم إن تم سواء في سوريا أو أفغانستان، ويتم تمويل الجماعات المتطرفة التي فرختها وصنعتها الإدارة الامريكية عبر وكلائها في المنطقة وعلى رأسها السعودية والإمارات وقطر.
نحن لن نتفاجأ بإعلان الولايات الامريكية عبر الرئيس الأمريكي ترامب أو غيره سحب قواتها من هذه الدولة أو تلك، وفي حال تم أو لم يتم فلن نعتبره إلا هزيمة، لأن مجرد الإعلان بذلك هزيمة في حد ذاته، هزيمة للمشروع الأمريكي وهزيمة للهيمنة الأمريكية وهزيمة للتواجد الأمريكي، وقول سارة ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض في بيان: “بدأنا إعادة القوات الأمريكية إلى الوطن مع انتقالنا إلى المرحلة التالية من هذه الحملة”. وقول ترامب أيضا: “لقد هزمنا تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، وهذا مبرري الوحيد للوجود هناك”، مجرد دعاية إعلامية أمريكية مفضوحة تدل على الفشل، سواء تم سحب القوات أو لم يتم، وسواء هزم داعش كليا أو لم يهزم. والنتيجة الواضحة أن أمريكا تعلن عن فشلها في سوريا بعد سبعة أعوام من الحرب المدمرة.
أمريكا في هذا التوقيت تريد إعادة ترتيب أوراقها، وتريد لفت أنظار العالم إليها، وفي جعبتها ما تخبئه لقادم الأيام.. لسان حالها يقول، خطة أمريكا في الشرق الأوسط قد تتغير، لكن سياستها المتغطرسة والطامعة لن تتغير، ويقظة الشعوب في المنطقة العربية كفيلة بالتغلب على كل التحديات والأخطار التي تصنعها المخابرات الأمريكية والاسرائيلية في المنطقة.
المصدر: موقع المنار