لجأت الكثير من المجالس المحلية للمدن، من باريس الفرنسية إلى بروكلين الأمريكية، إلى استخدام مصابيح موفرة للطاقة تعرف باسم مصابيح “ليد”، وهي ذات صمام ثنائي باعث للضوء الأزرق، بدلا من أخرى تقليدية عالية الطاقة (التي كانت تشع حرارة أكثر وتعرف بلونها الأصفر).
وبالإضافة إلى مصابيح الشوارع، يتعرض معظمنا للضوء الأزرق الذي تصدره أيضا شاشات الهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر، وشاشات التلفاز، وكذلك مصابيح المنازل. وهناك مخاوف متزايدة من أن تقنيات “ليد” قد تسبب تأثيرا سلبيا على صحة الإنسان.
وفي وقت مبكر من هذا العام، أصدرت “الدورية العالمية للطب النفسي البيولوجي” بحثا لفريق يضم أطباء نفسيين بارزين يحذر من الآثار المحتملة للضوء الأزرق الذي يصدر عن تلك الأجهزة على الصحة النفسية للبشر.
وأثار ذلك البحث مخاوفا بشأن ما قد يحدثه الضوء الأزرق من تأثيرات على صحتنا خلال النوم، وبعض الأعراض الأخرى التي قد نواجهها في حياتنا اليومية، وبشأن استخدام بعض التطبيقات الرقمية للعناية بالصحة، وزيادة حساسية المراهقين تجاه ذلك الضوء الأزرق.
يقول جون غوتليب، الأستاذ المساعد في الطب النفسي والعلوم السلوكية بكلية فينبيرغ للطب في شيكاغو، وأحد المشاركين في كتابة هذا البحث: “قلقي بشأن تأثير الضوء الأزرق لمصابيح الليد ينبع من قلق أكبر ومبكر بشأن العلاقة بين التعرض لذلك الضوء وحدوث أعراض هوس مرضي لدى المصابين بالاضطراب النفسي الذي يُعرف باسم الاضطراب ثنائي القطب”.
كما تضمن ذلك البحث دراسة تأثير الضوء على من يخضعون لعلاج نفسي.
فإذا جرى مثلا وصف تطبيق إلكتروني لشخص ما لمتابعة حالته الصحية، وطُلب منه أن يستخدم هاتفه الذكي لتوثيق أي تغيرات في حالته المزاجية، على سبيل المثال، وكان يفعل ذلك قبل الخلود إلى النوم، فإن ذلك يمكن أن يتسبب في حدوث تأثير عكسي على نوم ذلك الشخص، وعلى إيقاع ساعته البيولوجية، وعلى صحته، كما خلص البحث.
ويقول غوتليب: “ولأن الهواتف الذكية منتشرة بيننا بصورة كبيرة، فإنها تمثل أكبر خطر على الصحة العامة، وأضواء الشوارع ليست آمنة أيضا، فبالإضافة إلى بقية مصادر الإضاءة الأخرى، مثل أماكن الترفيه الليلية، وأضواء المرور، ومصابيح القراءة، وغيرها، فإنها جميعا تسهم في ظاهرة التلوث الضوئي، التي أصبحنا أكثر حساسية تجاهها”.
وتظهر الدراسات التي أجريت حول تأثير الضوء الأزرق على البالغين الأصحاء أن مثل هذه الأضواء تمنع إفراز مادة الميلاتونين في الجسم، وهو ما يؤدي إلى تشوش النوم، وقد يؤثر أيضا على جودة الحياة، وعلى الصحة البدنية والنفسية، وزيادة القابلية للمرض.
وتظهر الدراسات السابقة حول اضطرابات النوم لدى الأطفال والمراهقين وجود علاقة واضحة وثابتة بين اضطرابات النوم وكثرة استخدام الأجهزة الرقمية الحديثة.
وتوصي مؤسسة النوم القومية في بريطانيا بعدم استخدام وسائل التكنولوجيا الرقمية قبل النوم بأقل من 30 دقيقة، وبإبعاد جميع أجهزة التكنولوجيا عن غرفة النوم.
لكن حتى الآن، ليست هناك إرشادات خاصة للأشخاص الذين يعانون من مرض نفسي أو حساسية جراء اضطراب الساعة البيولوجية.
ومع انتشار تقنيات الليد أو “الصمام الثنائي الباعث للضوء” في جميع أنحاء العالم، بات التركيز منصبا على فكرة تحسين العامل البصري، وعامل توفير الطاقة، لكن حاليا يعمل العلماء، وخبراء الصحة، والعاملون في صناعة تقنيات الليد، من أجل الحد من الضوء الأزرق المنبعث من الأجهزة الإلكترونية، ومن أجل ابتكار مصابيح معدلة ومتطورة لا تضر من يعانون من أي اضطرابات نفسية.
المصدر: بي بي سي