أمين أبوراشد
لم تكن خطيبة جمال الخاشقجي “خديجة جنكير” تدري، أن انتظارها له خارج مبنى القنصلية السعودية في اسطنبول قد وثَّق وكَشَف وعدَّل من خُطط تصفية وإخفاء الرجل، ولا كان ضابط المخابرات السعودي “ماهر مطرب” يدري، أن وجوده ضمن فريق تصفية الخاشقجي، جعل من صُوَرِه التي تداولتها وسائل الإعلام، الإثبات الأهم على تورُّط “البطل”، كون “مطرب”، هو أحد المرافقين الأمنيين اللَّصِيقين بولي العهد السعودي محمد بن سلمان في زياراته الأميركية والأوروبية.
أبلغ تعبير عن الإخراج الذي يتمّ إعداده لمسرحية إخفاء المسؤول الأول عن الجريمة، وَرَد على لسان مُعارض سعودي أطلَّ على احدى الفضائيات وقال: ” إسم المسؤول عن قتل الخاشقجي هو سرّ تحتفظ به كلٌّ من واشنطن وأنقرة، إستناداّ الى الوثائق والتسجيلات والفحوصات المخبرية، وبما أن ترامب لا يُضحِّي بعلاقته مع السعودية، وهو أعلن أمام الشعب الأميركي أنه لن يجعل بلاده تخسر صفقة بيع أسلحة للسعودية بمئة مليار دولار، فإن الكرة هي في ملعب رجب طيب أردوغان، وهو، إما أن يتعاطى مع القضية بأخلاقية، ويترك للقضاء التركي الحُكم على تقارير الخبراء، أو أن يكون براغماتياً كما ترامب، ويُساهِم في التعتيم على التسجيلات، وبالتالي تبرئة محمد بن سلمان من المسؤولية المباشرة عن الجريمة، إذا كان أردوغان راغباً أن تبقى العلاقة مقبولة ولو فاترة مع المملكة السعودية.
يقول الإعلامي الأردني المُقيم في أميركا الدكتور أسامة فوزي، أنه لدى تركيا كامل التسجيلات التي تُظهر محمد بن سلمان مشرِفاً على عملية التصفية عبر دائرة تلفزيونية مُغلقة، – ونحن لا نتبنَّى كل ما يُقال-، لكن أهل السياسة والإعلام عبر العالم يتساءلون: إذا كانت الجريمة قد ارتكبها “مارقون” دون الرجوع الى السلطة الحاكمة في الرياض، كما يفترض ترامب، فكيف لمرافق خاص لبن سلمان مثل “ماهر مطلب” أن يكون ضمن فريق التصفية دون علم ولي العهد؟
منذ اغتيال ناصر السعيد عام 1979، كأول معارض سعودي لقيام حُكم آل سعود عام 1932، ومروراً بكافة الإغتيالات السياسية لمُعارضين سعوديين، سواء عبر استدعائهم الى المملكة وإختفائهم بظروفٍ غامضة، أو عبر تصفيتهم خارج المملكة، فإن قضية جمال الخاشقجي ترتدي طابعاً خاصاً، ليس لأن الرجل أهمّ من الذي سبقوه ولكن، لأن مقتله جاء في التوقيت القاتل لمستقبل محمد بن سلمان، الذي ينتظر تتويجه على العرش، وتأخير التتويج ليس من والده المريض الراغب بتوريث نجله، بقدر ما أن مجموعة من أمراء آل سعود سواء كانوا داخل “هيئة البيعة” أو خارجها يرفضون تسليم مقدرات المملكة لمن يعتبرونه طائشاً ومتهوراً، وجاءت قضية الخاشقجي كما “القشة التي قصمَت ظهر البعير”!
أزمة محمد بن سلمان بقضية الخاشقجي ليست مع أميركا التي يشتريها بصفقة وإثنتين وثلاث، ولا هي مع أوروبا التي تُنادي بحقوق الإنسان وتُنَدِّد بانتهاكها كلامياً دون التضحية بمصالحها ومواردها المالية السيادية، بل الأزمة هي في كيفية امتلاك “الأخواني رجب طيب أردوغان” تسجيلات عن “الوهابي محمد بن سلمان”، لو وُضعت حالياً في الأدراج، فهي ستبقى الطوق الذي يجعل تاج بن سلمان – لو اعتمره – رهينة بيد تركيا لأمدٍ طويل، تشدٌّه حول العُنق الملكي وتُرخِيه وفق مصالحها، ربما من الآن وحتى عهد آخر ملك من آل سعود.
وأزمة محمد بن سلمان بقضية الخاشقجي، سواء ثبُت تورُّطه فيها، أم أن مجموعة مارقين ارتكبوها كما قرر مُخرج المسرحية دونالد ترامب، فإن هذه القضية قد قَضَت على ما تبقى من هالة للمملكة السعودية، سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي أو العربي، وعلى السلطات السعودية التي اشترت سابقاً مقعداً في لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة أن تُدرك، بأن الأمم التي كانت تُرحِّب بالسعوديين كمصدر دخل تجاري أو سياحي قد جهزَّت مطاراتها لمراقبة أي وفد سعودي من المطار واليه بعد ظاهرة وفد الموت المؤلف من 15 سعودياً الى اسطمبول.
أما على المستويين الإقليمي والعربي، فإن الفرملة المجنونة في العدوان على اليمن باتت حتمية، وقطر قد انتصرت على المملكة قبل حادثة الخاشقجي وبعدها، ومجلس التعاون الخليجي الذي انتهى الى الأبد، باتت دُوله أكثر حذراً في أي تعاون حتى “من بعيد لبعيد” مع المملكة، وما على العرش السعودي سوى أن يبقى واقفاً على رجليه ضمن الحد الأدنى، عبر كسب رضا كل من شاهدوا مسرحية طمس مقتل الخاشقجي، ولو أن السيناريو تافه والإخراج هزيل، ودافع الثمن الأكبر هو “البطل” …
المصدر: موقع المنار