ركزت افتتاحيات الصحف المحلية الصادرة صباح اليوم الخميس 26 تموز 2018 على مواضيع عديدة، كان ابرزها لقاء بعبدا بين رئيس الجمهورية اللبنانية العماد عون والرئيس المكلف سعد الحريري حيث ثمة رغبة رئاسية مشتركة بأن يأتي عيد الجيش في الأول من آب، وتكون الحكومة قد ولدت وتم التقاط صورتها التذكارية الرسمية.
ويمكن القول إن خلاصة الاتفاق بين الرئاسة الاولى والثالثة هو الآتي «واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان».
*الاخبار
عون والحريري: الحكومة قبل 1 آب؟
ثمة رغبة رئاسية مشتركة بأن يأتي عيد الجيش في الأول من آب، وتكون الحكومة قد ولدت وتم التقاط صورتها التذكارية الرسمية، وأن يحتل كل رئيس ووزير مقعده، وفق البروتوكول الخاص باحتفال الكلية الحربية في الفياضية والذي سيتم فيه تقليد التلامذة الضباط المتخرجين سيوفهم
يمكن القول إن خلاصة ما اتفق عليه رئيسا الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري هو الآتي: «واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان».
بعد اثنين وثلاثين يوماً فاصلاً عن اللقاء الأخير بين عون والحريري، عاد الرئيس المكلف إلى بعبدا، أمس، حاملاً بين يديه هذه المرة، ملفاً أبيض اللون وضعه على الطاولة أمامه وتضمن صيغة أول مسودة حكومية ومعها صيغ بديلة ناقشها على مدى تسعين دقيقة مع رئيس الجمهورية الذي سجل ملاحظاته، وعرض وجهة نظره من كل صيغة من الصيغ المطروحة، على أن يبادر الحريري، وعلى وجه السرعة هذه المرة، إلى عقد لقاءات مع الأطراف المعنية، لا سيما من أدرجوا في خانة «العقد الوزارية»، ويعرض عليهم ما سمعه من الرئيس عون ويأخذ أجوبة واضحة منهم، ويعود يوم الجمعة إلى القصر الجمهوري حاملاً هذه الأجوبة مع صيغة شبه نهائية للحكومة بحيث توضع اللمسات الأخيرة عليها أو بالأحرى «يوضع سواد الأسماء على الحقائب»، على حد تعبير مصادر مواكبة.
وما عكسته مصادر الرئاستين الأولى والثالثة هو الآتي: «ثمة حلحلة سياسية في الملف الحكومي ولن يكون وقت عملية تصفير العقد بعيداً، إذ إنه بناءً على الاتصالات التي ستحصل خلال الأربع وعشرين ساعة المقبلة، حول النقاط التي تحتاج إلى معالجة، يفترض أن تكون العقد قد وضعت على طاولة الفكفكة، وتحديداً العقدة المسيحية (القواتية) والعقدة الدرزية (الجنبلاطية)».
وتوضح مصادر الرئاستين أن الأمور «باتت مُسهلة على صعيد العقدة المسيحية، ولكن تبقى العقدة الدرزية التي تحتاج إلى أخذ ورد في ضوء عدم جنوح بيان اللقاء الديموقراطي (أمس) إلى التصعيد واكتفائه بمقاربة عمومية للملف الحكومي».
أما ما يتصل بالعقدة السنية المرتبطة بتمثيل النواب السنة خارج تيار المستقبل، فإن الحريري «أبدى هذه المرة مرونة كبيرة لجهة وضع الأمر في عهدة رئيس الجمهورية الذي من ضمن حصته سيكون هناك وزير سني (مقابل أن يحصل الحريري على مقعد ماروني لمصلحة غطاس خوري) ولا مشكلة في هذه الحالة لدى الرئيس المكلف في من يسمي عون من هؤلاء من ضمن حصته».
مصادر الرئاستين تؤكد
أن الأمور مُسهلة على صعيد
العقدة المسيحية،ولكن العقدة الدرزية
تحتاج إلى أخذ ورد
وأكدت المصادر أن عون والحريري «كانا مرتاحين لنتائج لقائهما»، وأشارت إلى أن كل ما قيل ويقال عن توتر في العلاقة ورسائل مبطنة بينهما «لا يمت بصلة إلى حقيقة التنسيق والتعاون القائم بينهما، بدليل أن الصيغ التي حملها الحريري جرى تناولها في شكل صريح جداً وانتهى اللقاء بينهما إلى جو أكثر من إيجابي»، لذلك لم يرفض عون ما عرض عليه إنما بقي الملف (الأبيض) مودعاً لديه»، وأكدت المصادر أن الجو الذي كان سائداً إلى ما قبل حصول لقاء بعبدا، عصر أمس، «كان سوداوياً نتيجة قفل باب الحلول، ولكنه لم يعد موجوداً بعد الاجتماع الرئاسي».
وأشارت المصادر إلى أن التداول لم يخرج عن صيغة حكومة من ثلاثين وزيراً من دون زيادة إلى 32 أو نقصان إلى 24 وزيراً، وقالت: «إذا تجاوب الأفرقاء المعنيين مع الصيغة أو البدائل، من غير المستبعد أن تتألف الحكومة قبل الأول من آب، عيد الجيش يوم الأربعاء المقبل».
ووزع المكتب الإعلامي في بعبدا موقفاً للرئيس عون أمل فيه أن تشكل الحكومة في وقت قريب «للانطلاق بالمعالجة اللازمة على كل الأصعدة، لا سيما على الصعيد الاقتصادي الذي سيعطى الأولوية في الحكومة العتيدة، إضافة إلى مكافحة الفساد».
بدوره، قال الحريري بعد اللقاء مع عون إن الحديث عن خلاف مع رئيس الجمهورية «غير موجود لا في قاموسي ولا في قاموسه»، مشيراً إلى أنه متفائل «أكثر من أي وقت مضى وهناك أمور في ملف تشكيل الحكومة تحلحلت واتفقنا على الإسراع بالتشكيل والعمل المتواصل وستكون لي زيارات عدة للرئيس عون في الأيام المقبلة»، مؤكداً أن «لا تغيير في موقفي من موضوع النظام السوري ولكن موضوع النازحين له علاقة بالقوى الكبرى الذين اتفقوا على طريق عمل».
وشدد الحريري على أن «موقفنا من الجيش اللبناني موحد ونحن معه ومع أي عمل يقوم به، وأن مناطق البقاع وعكار منسية والحل في هذه الأمور ليس فقط عسكرياً بل يجب أن يكون إنمائياً، وأهالي بريتال هم أهل كرامة وعزة، وما حصل أمر كبير، ولكن الأساس يجب التركيز على الإنماء لأن هذه المناطق وصلت إلى هنا بسبب الحرمان».
220 شهيداً وأكثر من 180 جريحاً: السويداء تفدي الجنوب السوري
خلّف تفجير سوق الخضر وحده 40 شهيداً كان لا بدّ لأحدٍ ما، أن يدفع فاتورة الانتصار الذي حقّقته سوريا في جنوبها. ليس سهلاً على إسرائيل وأخواتها أن يعود الجيش السوري إلى حيث كان قبل سبع سنوات من الحرب، على تماس مع الجولان المحتل. لكنّها كلفة مرتفعة بلا شكّ، تلك التي تحمّلتها محافظة السويداء أمس، بصبرٍ وجلد.
في السياسة، لا تغيب إسرائيل عن العبث بأمن السويداء، لأسباب باتت معروفة، تتعلّق بعودة سيطرة الجيش السوري على الجنوب، والعملية التي يخوضها الآن في حوض اليرموك ضد مسلحي «داعش» الذين أمضوا السنوات الماضية تحت حصار فصائل المعارضة وتنعمّوا بالدعم الإسرائيلي، من علاج جرحاهم إلى تزويدهم بالمؤن. وعلى نطاق أوسع، لا يخرج حدث أمس عن سياق ما تعدّه إسرائيل لطائفة الموحّدين الدروز نفسها، والنشاط الذي يضطلع به وزير الاتصالات أيوب القرا والشيخ موفق طريف اللذين يسعيان لمدّ جسور الاتصال مع غالبية القيادات الدرزية، الدينية والسياسية في سوريا ولبنان والمغترب، تحت عنوان حماية ودور الطائفة، فيما المطلوب الدفع نحو قيام كيانات مذهبية وإثنية منفصلة في محيط الدولة اليهودية، لإضفاء الشرعية على الكيان العنصري.
اجتياح الفجر
هجوم همجي لأكثر من مئة انغماسي من بقايا تنظيم «داعش» الإرهابي اندسّوا كالموت قبل طلوع الفجر، بين قرى المقرن الشرقي الشمالي للمحافظة، قادمين من البادية السورية، في محيط محمية قوات الاحتلال الأميركي في التنف، ليخلّف اجتياحهم أكثر من 220 شهيداً وأكثر من 180 جريحاً، ويقتل الجيش والأهالي منهم أكثر من 30، واعتقال انتحاري قبل تمكّنه من تفجير نفسه.
إنها الرابعة والنصف فجراً في قرى عراجي، دوما، تيما، طربا، الغيضة، رامي، الشريحي، اشبكي، الواقعة في شمال شرق المحافظة، حيث التماس بين الحقول السمراء المكسوّة بالخير، والقحط الذي يخلّفه ريح الصحاري البعيدة. يتسلّل الإرهابيون الذين يتخّذون من مناطق تلول الصفا، الكراع، شرقي الهبارية وسطعة النملة، مقرّاتٍ لهم، على شكل مجموعات صغيرة من 20 إلى 15، ويدخلون القرى وأهلها نيام. بشرط، أن 75% من المهاجمين، حملوا أحزمتهم الناسفة على صدورهم، ليقتلوا ثم يُقتلوا حين تنتهي ذخيرتهم أو يُحاصروا. ولكي تزداد رسالة الحقد وضوحاً، لم يميّز الإرهابيون بين مقاتل ومدني، بين شيخ وامرأة، بين بالغ وطفل. سيطروا بالتوازي على الحيّ الشرقي في رامي، وعلى الحيّ الشرقي في قرية الغيضة وبيوتها المنزوية نسبياً نحو البادية. أما في الشريحي، فوصلوا إلى قلب البلدة. وتقدّر مصادر أمنية حصيلة الشهداء، من المدنيين بما يفوق الـ 100 شهيد في الإغارة الأولى، قبل بدء المواجهات مع الأهالي ووصول الجيش و«نسور الزوبعة» واللجان الشعبية من القرى الأخرى.
تحرك سلاحا الجو
والمدفعية سريعاً لقطع
خطوط إمداد المسلحين
الساعة الخامسة والربع في مدينة السويداء، دوّت ثلاثة انفجارات متزامنة: تفجير عبوة بسيارة في سوق الخضر (سوق الحسبة) المكتظّ عند الفجر بالتجار والباعة، وعبوة على الطريق المحوري وثالثة عند دوار المشنقة. وحده تفجير سوق الخضر خلّف 40 شهيداً. بعد التفجيرات بقليل، تعبر سيارة على متنها مسلحون على حاجز الأصلحة، آتية من جهة الغرب هذه المرّة، مستهدفةً حاجز الاستخبارات الجويّة، فيسقط شهيدان من الجهاز، وقبل أن يترك المسلّحون السّيارة، يستهدفون حاجز الأمن العسكري في كناكر، ليسقط شهيد آخر من شعبة الاستخبارات العسكرية. ولم تجزم المصادر الأمنية، إن كان المسلّحون يتبعون لخلايا نائمة داخل المحافظة، أو من بقايا الجماعات الإرهابية التي سلّمت سلاحها للدولة السورية.
لم ينته المسلسل الدموي. انتشر الانغماسيون في المدينة، تطاردهم قوات الأمن والجيش، ففجّر واحدٌ منهم نفسه في حيّ المسلخ، وآخر في ساحة نجمة، وثالث بالقرب من المشفى الوطني. رغم كلّ ما مرّ طوال الأزمة السورية من جرائم منظمة ارتكبتها المجموعات الإرهابية المسلّحة، إلّا أن أكثر من مصدر أمني سوري توقّف مليّاً أمام التنظيم العالي الذي اتّبعه الإرهابيون في تزامن الهجمات، وفي دقّة اختيار الأهداف. وتؤكّد المصادر أن الخبراء العسكريين فككوا أكثر من 14 حزاماً ناسفاً لم تنفجر على جثث المسلحين.
غير أن ضراوة الهجوم، وعامل المباغتة الذي استغله الإرهابيون، لم يمنعا الأهالي من المواجهات البطولية في القرى الشرقية وفي داخل المدينة، التي حمل غالبية شبّانها السّلاح وانتشروا في المحافظة. يقول مصدر أمني إن «الدور الأول في المواجهات والتصدّي البطولي للاجتياح قام به أهالي القرى الشرقية التي تعرّضت للاعتداء»، مؤكّداً أن الطيران الحربي السوري ومدفعية الجيش تحرّكا سريعاً وقطعا خطوط إمداد المسلّحين، لحين وصول القوّات البريّة التي سرعان ما دخلت إلى القرى وأجبرت الإرهابيين على التراجع واستعادت الأحياء المحتلة. ومع أن تلبية القوات الرديفة للجيش واللّجان الشعبية للقتال كانت عالية، إلّا أن هذا الأمر لا يعفي القوى المحلية المكلّفة حماية القرى من جهة الشرق من المساءلة، خصوصاً أن الجيش زوّد هذه المجموعات بكلّ ما يلزمها من أدوات المراقبة والرصد والأسلحة المناسبة للتعامل مع الإرهابيين.
بقايا «داعش» بحماية أميركية
في نهاية تموز من عام 2017، نفّذ الجيش السوري عملية عسكرية واسعة في البادية السورية، وتمكّن بالتزامن مع تحرير مدينة دير الزور وفكّ الحصار عنها من الوصول إلى الحدود العراقية، محرّراً البادية من إرهابيي داعش والجماعات المحسوبة على الأميركيين مثل «قوات أحمد العبدو» و«أسود الشرقية». وطوال الفترة الماضية، بقي السوريون ووزارة الدفاع الروسية، يؤكّدون أن الأميركيين يدرّبون من بقي من مسلحي «داعش» في محيط معبر التنف الذي يسيطر عليه الأميركيون، وسبق لهم أن اعتدوا على قوات الجيش عندما حاولت الاقتراب وضرب المسلحين الذين يقيمون في المحمية. غير أن حاجة الجيش لقوات كبيرة للقتال في أماكن أخرى، دفعت الفرق العسكرية السورية إلى تقليل وجودها وانتشارها في البادية السورية الشاسعة، ما سمح لبعض مسلّحي «داعش» من الاختباء في واحات قليلة في البادية الجنوبية.
وأضيف إلى هؤلاء، مجموعات من «الدواعش» الذين حاصرهم الجيش في آخر أحياء مخيم اليرموك والحجر الأسود، قبل خمسة أشهر، وأخرجهم من المخيّم إلى البادية بعد لجوئهم إلى أحياء تعجّ بالمدنيين، ما يمنع الجيش من استكمال قتالهم. والنقطة الأخيرة، شكّلت مادة لأعداء الدولة السورية، ولا سيّما الذين يسعون إلى بثّ الفتنة بين أهالي السويداء والدولة، متناسين أن الجيش السوري، بعد يومين من إخراج المسلحين إلى البادية، شنّ عملية عسكرية كبيرة خصص لها آلاف الجنود والآليات المدرعة والعربات، ونفّذ هجوماً واسعاً في شرق محافظة السويداء، تمكّن خلاله من قتل العشرات من مسلحي «داعش»، وسقط له عشرات الشهداء في المعركة. ومع بدء معارك درعا، سحب الجيش جزءاً من قواته إلى درعا ليقوم بالعمليات العسكرية في غرب السويداء، وكلّف جيش التحرير الفلسطيني إلى جانب الجيش تغطية المساحات الشاسعة، ومنذ ذلك الحين، تتعرّض مواقع الجيش وجيش التحرير الفلسطيني لهجمات يومية من إرهابيي «داعش»، كان آخرها يوم أول من أمس، حيث سقط شهداء وجرحى. وتقدّر مصادر معنيّة بالبادية السورية عدد إرهابيي «داعش» بنحو ألف مسلّح في هذه البقعة الجغرافية المعقّدة. وتؤكّد المصادر أنه ما إن ينتهي الجيش من عملياته في حوض اليرموك والقنيطرة، سينفّذ عمليّة عسكرية جديدة تحتاج إلى آلاف الجنود، ليقضي نهائياً على هؤلاء.
«الدواعش» والتهريب
لا يغيب المهرّبون وعمليات تهريب الذخيرة والمؤن والوقود من داخل السويداء إلى شرق المحافظة، عن الأسباب المباشرة في حادثة أمس. ففي الوقت الذي يقاتل فيه الجيش وأبناء السويداء الإرهابيين في درعا والقنيطرة غرب السويداء، يقوم آخرون من المحافظة بتوفير كل ما يلزم لمسلحي «داعش» في شرقها. ويعدّ خط القرى التي تعرّضت للاعتداء أمس، خطاً نشطاً للتهريب من عصابات وخارجين عن القانون يستغلّون الإيجابية التي تتعامل عبرها الدولة مع المحافظة منذ بدء الأزمة، وتحويل شرق المحافظة إلى مراكز تخزين للبضائع والمسروقات وتخبئة المطلوبين، والأهم مراكز إمداد لعصابات «داعش» المنتشرة في الشرق. ومع استعادة الدولة السورية عافيتها، بدأت خطوط التهريب بالتقلّص وبدأ المهربون يشعرون بسطوة الدولة في المحافظة، بالتزامن مع وقف خطوط التهريب من درعا وإليها، ما دفع هؤلاء إلى تجفيف الدعم عن مسلّحي «داعش».
جنبلاط يورّث الخيارات الخاسرة لابنه
من أصل نصف مليون مواطن سوري في السويداء، يهمّ وليد جنبلاط «مشايخ الكرامة» وحدهم، أولئك الخارجون عن القانون الذين تعبت السويداء منهم، فتشرذموا بين الانزواء أو الارتهان عند الاستخبارات الأردنية ومن خلفها.
والآخرون، أي النصف مليون، «حلال دمهم اللي مع النظام» كما قال جنبلاط يوماً على الهواء مباشرةً. ربّما لأن غرفة «الموك»، وزّعت أنموذجاً واحداً عن تصنيف المواطنين السوريين، «الأشرار» منهم و«الأخيار».
الأنكى من ذلك، أن جنبلاط لا يكتفي بنظريات المؤامرة وحده، وتسويقه أن الدولة السورية والجيش الذي قدّم الشهداء أمس وهو يتصدى إلى جانب مواطنيه لإرهابيي «داعش»، يعاقبان «رجال الكرامة»، بل أورثها لابنه.
كان يمكن النائب الشاب تيمور جنبلاط أن يرمي أحقاد والده خلفه ويفتح نافذةً للعقلانية ولا يحمّل طائفة الموحدين الدروز تركة خيارات والده الخاسرة منذ 2005 وحتى اليوم بالعداء المجاني لسوريا.
لكنّ تيمور يصرّ على حمل الرهانات الخاسرة معه، بتشجيع من مستشاري البلاط الذين روّجوا سابقاً لإنسانية «جبهة النصرة» وبنوا العلاقات معها، فانتهى الحال بمجزرة قلب لوزة، واستيطان قرى جبل السّماق من التركستان وتهجير أهلها الأصليين أو إكراههم بدين الوهابية.
أما دعوة جنبلاط روسيا لحماية السويداء من الجيش السوري، فالجواب في بيان وزارة الخارجية الروسية، الذي حمّل المسؤولية بوضوح لعصابات «داعش»، وبيان وزارة الدفاع الروسية اللاحق، الذي أكّد أن حلفاء جنبلاط في «النصرة» يخططون لهجمات جديدة ضد الجيش والمدنيين السوريين.
*اللواء
الوفد الروسي يُعيد فتح طريق بعبدا – بيت الوسط
الحريري يتّفق مع عون على تكثيف اللقاءات.. والحاج حسن يبدأ تطبيع العلاقات مع سوريا
صحّ ما اشارت إليه «اللواء» أمس من ان الرئيس المكلف سيزور القصر الجمهوري، ويبحث مع الرئيس ميشال عون جملة من النقاط، ذات الصلة بالعقد التي قال الرئيس الحريري غداة خروجه من الاجتماع ان بعضها «تحلحل»، والبعض الآخر قيد المعالجة، وهي تتعلق بتأليف الحكومة، أو نقاط أخرى، تتعلق بالتفاهم على تأليف الجانب اللبناني من اللجنة اللبنانية – الروسية المتعلقة بعودة النازحين السوريين، حيث يصل الوفد الروسي إلى مطار رفيق الحريري الدولي، آتياً من عمان، عند الواحدة بعد الظهر، ويستقبله مستشار الرئيس الحريري للشؤون الروسية جورج شعبان، مع مسؤولين آخرين، على ان يعقد اجتماع لبناني – روسي عند الواحدة والنصف برئاسة الحريري وحضور وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، ومستشار الرئيس الحريري لشؤون النازحين السوريين وشعبان.
ولم يستبعد مصدر ان يُشارك في الاجتماع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ويقيم الرئيس الحريري مأدبة غداء على شرف الوفد الرئاسي الروسي بعد الاجتماع في بيت الوسط.
وعلمت «اللواء» ان البحث تناول توزيع الحقائب على الكتل، في ضوء تُصوّر اولي اقترحه الرئيس المكلف، لكن المصادر تحفظت على الخوض في التفاصيل، مكتفية بالتأكيد أن «تقدماً طفيفاً قد تحقق»..
الا ان هذه المصادر لم تنفِ ما إذا كان الرئيس الحريري قد وضع في عهدة الرئيس عون مسودة لتوزيع الحقائب تحاكي ما هو قائم في حكومة تصريف الأعمال.
على أن المتفق عيه، لدى الأوساط السياسية أن زيارة الموفد الرئاسي الروسي شرّعت زيارة الحريري إلى بعبدا، وفتحت الطريق مجدداً بين القصر الرئاسي وبيت الوسط.
لقاء عون – الحريري
اما زيارة الرئيس الحريري لقصر بعبدا، بعد انقطاع استمر 27 يوماً، فلم تحمل جديداً على صعيد حسم مسألة تأليف الحكومة، مثلما كان تردّد سابقاً، باستثناء ايجابيتين:
الاولى: نفي وجود خلاف بين الرئيسين عون والحريري في قاموس الرجلين وإنما هو موجود في الإعلام فقط، على حدّ تعبير الرئيس المكلف.
والثانية: الاتفاق على عودة التواصل، من خلال زيارات شبه يومية أو أسبوعية سيقوم بها الحريري، بما يعني ضمناً بأنه كانت هناك أجواء ملبدة بين الرئيسين، ونجحت الزيارة المستأخرة في تبديدها.
وفي تقدير مصادر مطلعة، انه على الرغم من أجواء التفاؤل التي دأب الرئيس المكلف على اشاعتها، وجاراه في ذلك قصر بعبدا (أمس) حول احتمال ولادة الحكومة قبل عيد الجيش في الأوّل من آب، فإن المعلومات التي تملكها هذه المصادر تؤكد صعوبة الاتفاق على تأليف الحكومة، قبل فترة ليست قصيرة، ويمكن لاتصالات حلحلة العقد المستعصية على الصعيدين المسيحي والدرزي ان تأخذ وقتاً إلى ما بعد أو قبل عيد الأضحى الذي يصادف في الثلث الأخير من شهر آب.
وكان الرئيس الحريري أوضح بعد اللقاء مع الرئيس عون الذي استغرق قرابة الساعة ونصف الساعة، ان هناك بعض العقد في مسار تشكيل الحكومة بدأت تشهد حلولاً، وانه اتفق مع الرئيس عون على الإسراع للوصول إلى حل، وانه سيبقى على تواصل معه، وسيزور قصر بعبدا بشكل متواصل كي نجد الحلول في أسرع وقت ممكن، مشيراً إلى انه اليوم أكثر تفاولاً، لكنه حمّل الإعلام مسؤولية المحافظة على الجو الإيجابي الموجود والا يمارس دورا سلبياً في هذا الإطار، مثل محاولة الايقاع بين الرئاستين الأولى والثالثة، على حدّ تعبير الحريري، وكأن الإعلام بات مسؤولاً عن تعقيد الأمور عندما ينقل مواقف السياسيين وليس السياسيون أنفسهم.
ولم يشأ الحريري، تأكيد أو نفي ان يكون حمل معه إلى بعبدا مسودة تشكيلة حكومية جديدة، علماً انه كان يحمل معه مغلفاً أبيض لدى دخوله إلى مكتب عون، إلا انه أكّد ان الأمور إيجابية وأصبحت أكثر وضوحاً، وان الساحة السياسية تشهد هدوءاً، متسائلاً عن أسباب الوقوف فقط عند ما صدر عن الوزير جبران باسيل من انه «نفذ صبره»، لافتاً إلى ان هناك من تحدث عنه بشكل أقسى وأساء أيضاً لرئاسة الحكومة، مثل الكلام الذي قاله اللواء جميل السيّد «الذي يريد ان يعلمني الأخلاق، ولست مضطراً للرد على شخص مثله».
الى ذلك، علمت «اللواء» من مصادر مطلعة على لقاء بعبدا ان الرئيس الحريري حمل معه الى الرئيس عون صيغة حكومية جديدة وصفتها المصادر «بالمقبولة والمعقولة» حول حل عقدتي التمثيل المسيحي والدرزي، لكنها لا تتضمن توزيعا للحقائب والاسماء، بل توزيعا لحصص القوى السياسية، وجرى نقاش واخذ ورد حولها بين الرئيسين واستعراض بعض البدائل المحدودة الممكن ادخالها على التشكيلة والتي سيُجري الحريري التفاوض حولها اليوم مع القوى السياسية لنيل موافقتها على البدائل المقترحة.
واوضحت المصادر انه حصل تقدم واضح في الامور، وان الرئيس عون كان هذه المرة اكثر ارتياحا من المرات السابقة لما عرضه الحريري، ومن المفروض ان تتبلور الامور يوم غد الجمعة في ضوء اتصالات الحريري مع الاطراف المعنية، وقد يحصل تقدم سريع اذا وافقت الاطراف السياسية المعنية على البدائل التي عرضها عون.
وأشارت المصادر السياسية لـ«اللواء» إلى ان جو اللقاء اتسم بالارتياح، علماً أنه جاء بعد أقل من شهر الا 3 أيام من لقائهما الأخير، وهذا الارتياح قطع، وفق المصادر، أي تأويل عن علاقة متشنجة، كاشفة عن حلحلة في الملف الحكومي، وان اتصالات سيستكملها الحريري لبعض النقاط والامر ينطبق على العقدتين المسيحية والدرزية اقله.
وكشفت ان الرئيس الحريري قدم للرئيس عون اكثر من صيغة مع البدائل لافتة الى ان الجو الذي كان مقفلا لم يعد موجودا وأن الرئيسين مرتاحان. واوضحت ان هناك تكتما على ما تم عرضه من صيغ تخوفا من اي خربطة. وهنا اكدت المصادر ان العدد لا يزال ثلاتينيا. وتحدثت عن حلحلة في العقدة المسيحية من دون معرفة ما يمكن ان تشهده العقدة الدرزية التي ما تزال الاكبر.
وعلم ان الرئيس الحريري سيعرض ملاحظات الرئيس عون على الأطراف المعنية، واشارت الى انه اذا سارت الامور كما يجب فإن الحريري قد يحضر الجمعة ويقدم صيغة شبه نهائية كما انه اذا حصلت الحلحلة المطلوبة فان الحكومة قد تبصر النور قبل الاول من اب المقبل اي قبل عيد الجيش اللبناني الذي يحضر احتفاله الرؤساء الثلاثة.
ملف النازحين
وفي المعلومات، انه جرى أيضاً في لقاء الرئيسين عون والحريري، بحث مستفيض في موضوع الاتفاق الروسي – الأميركي لمعالجة موضوع النازحين السوريين، والموقف اللبناني الموحد الذي سيتم ابلاغه الى الوفد الروسي الرفيع المستوى الذي يزور لبنان اليوم، ويضم 13 شخصا، برئاسة الموفد الخاص للرئيس الروسي بوتين الكسندر لافراتييف ويضم ايضا نائب وزير الخارجية سيرغاي بيرشيمين وعددا من الجنرالات والدبلوماسيين المساعدين. والذي سيلتقي الرئيس الحريري بشكل اساسي للبحث معه في تفاصيل تشكيل اللجنة المشتركة وطبيعة عملها وآلية تنفيذ ما يتم التوصل اليه لنقل النازحين الى سوريا تباعا.
الا ان مصادر بعبدا، أكدت ان الوفد الروسي سيزور قصر بعبدا عصر اليوم، حيث سيعقد اجتماع روسي – لبناني، لبحث ملف النازحين، وسيترأسه عن الجانب اللبناني الرئيس عون ويضم الرئيس الحريري ووزير الدفاع يعقوب الصرّاف، ويخصص لمعرفة الطرح الروسي من الملف، والآلية التي سيتم الاتفاق عليها لمواكبة الخطة الروسية، بعدما اتفق الرئيسان عون والحريري على موقف واحد من هذا الموضوع.
وأوضح الحريري انه سيتم اليوم الاطلاع من الوفد الروسي على صيغة المخرج التي وضعها الروس والاميركيون لهذا الملف، مشيراً إلى ان وجود الموفد الروسي هو بهدف استيضاح ما تمّ اقتراحه من قبلهم.
وقال: نحن نعلم ما تمّ اقتراحه للاردن، ونأمل ان تكون عودة النازحين إلى سوريا عودة آمنة ومضمونة، من قبل الروس والاميركيين والأمم المتحدة. وهذا ما سنبحثه اليوم، ونتمكن بعد ذلك من تحديد ما اذا كانت اللجنة ستكون سياسية أو أمنية.
ولفت الانتباه في السياق، زيارة للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إلى قصر بعبدا، بعيداً عن الإعلام، الا ان مصادر القصر اشارت إلى ان الزيارة لا علاقة لها بملف تشكيل الحكومة، ولا بملف النازحين، وإنما بمهمة كلف بها، تتعلق باستعادة أموال لتجار لبنانيين في العراق، بعد الاتفاق الذي اجراه في هذا الشأن وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني مع المسؤولين العراقيين.
وقال اللواء إبراهيم للصحافيين رداً على سؤال عن زيارته إلى العراق: «بعد أسبوعين نأكل المن والسلوى».
إلى ذلك وصف وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي المبادرة الروسية بشأن إنشاء مركز لتنسيق عودة اللاجئين السوريين «بالجيدة جدا»، معتبراً انها تضمن أمن وأمان الأخوة السوريين، ولفت في حديث لـ«اللواء»، إلى ان «المهم مما سمعناه من الجانب الروسي هو عودة السوريين إلى أماكن سكنهم، مما يعني ان التغيير الديموغرافي الذي كان يحاول بشار الأسد القيام به مع النظام الإيراني قد فشل».
برّي
وعلى ضفة المجلس النيابي، شهد لقاء الأربعاء النيابي، أمس تدفقاً لنواب تكتل «لبنان القوي» على غير عادتهم ونواب لتكتل «الجمهورية القوية»، فيما جدد الرئيس نبيه برّي تأكيده امامهم على ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة «نظرا الى أهمية وجودها في ظل الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية الصعبة التي تمر بها البلاد، ولتمكين لبنان من القيام بالتزاماته الدولية مثل ما يتعلق بمؤتمر (سيدر-1)»، إلا ان النواب نقلوا عنه انه ليس لديه معطيات جديدة عن عملية تأليف الحكومة، «عسى ان يحمل لقاء اليوم (امس بين الرئيسين عون والحريري) بشائر الخير».
وقال رئيس المجلس ان «ما يواجهه اللبنانيون اليوم من ازمات إجتماعية وخدماتية ناتج من أسباب عديدة أبرزها عدم تطبيق القوانين، لأن تطبيقها يشكل المدخل الاساسي لمكافحة الفساد».
كما وضع النواب في اجواء اقتراحات القوانين التي ستكون على جدول اعمال المجلس في المرحلة المقبلة، والمتعلقة بإنشاء مجالس إنمائية في عكار والبقاع.
وعن تشريع زراعة الحشيشة لاستعمالات طبية، نقل النواب عن بري انه تسلم عددا من الدراسات واطروحات الدكتوراه تتعلق بهذا الموضوع، على ان يتابع درسه وربطه ايضا بإنشاء ادارة على غرار ادارة حصر التبغ والتنباك.
الحاج حسن في دمشق
وحضر ملف النازحين أيضاً، في الزيارة التي بدأها وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال حسين الحاج حسن إلى العاصمة السورية دمشق، تلبية لدعوة من نظيره السوري محمد مازن علي يوسف للمشاركة في معرض لإعادة اعمار سوريا سيفتتح اليوم بالتزامن مع مؤتمر لرجال الأعمال.
وأوضح الحاج حسن، الذي استقبله رئيس الحكومة السورية، ووزير النقل السوري ايضاً «ان الزيارة للبحث في الامور الاقتصادية ولتطوير العلاقات على مختلف الصعد التجارية والتبادل وحركة النقل والبحث في مسألة اعادة اعمار سوريا ومشاركة اللبنانيين فيها، خصوصا ان سوريا استعادت معظم الاراضي وانتصرت على الارهاب». وقال: «انها فرصة لا بد ان يغتنمها اللبنانيون ايضا لتهنئة سوريا على هذا الانتصار والبحث في مجالات اعادة الاعمار ومشاركة لبنان فيها والبحث ايضا في مسائل تخص الاقتصاد ومسائل وقضايا مشتركة، منها التجارة والعلاقات على صعيد فتح الحدود البرية بين سوريا والاردن، الامر الذي يتيح الفرصة امام تشجيع وتفعيل التصدير اللبناني عبر سوريا الى الاردن ومنها الى دول الخليج».
إضراب النقل
تزامناً، نفذت اتحادات ونقابات النقل البري الإضراب السلمي الذي دعت إليه. وأعلن رئيس اتحاد النقل البري بسام طليس أن «الإضراب تحذيري»، ودعا المسؤولين «إلى الاستماع الى مطالب الناس والتزام تنفيذ الاتفاقات التي وُعدوا بها في إطار النقل البري». وذكّر بأن أبرز مطالبهم يتمثل بـإلغاء المعاينة الميكانيكية – قمع المخالفات تطبيقاً للقانون – المزاحمة غير المشروعة (اللوحات المزوّرة، خصوصاً في العاصمة بيروت) – وقف تسجيل الآليات والصهاريج خلافاً للقانون.
وستعود الاتحادات إلى الاجتماع اليوم لتقرير الخطوة التصعيدية المقبلة التي هددوا باتخاذها يوم الأربعاء المقبل، على الرغم من دعوة وزير الاشغال والنقل يوسف فنيانوس لهم بتأجيل الإضراب إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة.
تشييع قتلى الحمودية
أمنياً، وفيما شيّعت بلدة الحمودية قبل ظهر أمس القتلى الخمسة من أبنائها الذين قضوا في الاشتباكات أثناء تنفيذ الجيش مداهمات في البلدة، بعيداً عن الإعلام، أوضحت قيادة الجيش في بيان جديد ان القتلى الثمانية الذين قضوا أثناء تنفيذ العملية كان بسبب رفضهم الاستسلام للقوة المداهمة، واطلاقهم النار بواسطة أسلحة فردية ومتوسطة باتجاه عناصرها رغم انذارهم مرات عدّة.
وأورد البيان لائحة بالافعال الجرمية للقتلى الثمانية وهم: علي زيد إسماعيل المطلوب بما يزيد عن 3000 ملاحقة قضائية ومذكرات توقيف، وشقيقه محمّد المطلوب للقضاء بموجب 416 ملاحقة قضائية، وأحمد علي إسماعيل، ويحيى احمد إسماعيل وبول جان نعمان، المقرب من علي والسوري حسين علي المطر المرافق الشخصي له وسائقه، والسوري ركان حسن الشمالي، وجميعهم مطلوبون للقضاء بأعمال جرمية وتخريبية. اما والدة القتيل علي زينب محمّد إسماعيل فقد كانت موجودة مع المجموعة المسلحة.
يذكر ان التشييع شمل خمسة من القتلى، باستثناء نعمان والسوريين المطر والشمالي، بمشاركة حشد من الأهالي، وام الصلاة على الجثامين امام البلدة الشيخ حنظل المظلوم، قبل ان يواروا الثرى في جبانة البلدة.
*الجمهورية
المبادرة الروسيّة تمتحِن لبنان… والحريري يُلقي جُرعة تفاؤل في بحر العقد
دخل تعطيل الحكومة شهره الثالث، وتزامنت استهلاليته مع وعد جديد أطلقه الرئيس المكلّف سعد الحريري بأنّ حكومته ستبصر النور في وقت قريب.
هذا في وقت تبدو المبادرة الروسية حول النازحين وكأنها تمتحن لبنان وتختبر جديته وإجماعه على إنهاء هذا الملف الضاغط عليه، علماً انها أشاعت حيوية على كل الخطوط الداخلية، وحرّكت نقاشاً على كل المستويات حول كيفية تلقّفها والتفاعل معها بما يخدم تسريع عودة النازحين وإزاحة ثقلهم الكبير عن الجسم اللبناني.
المبادرة الروسية حول النازحين، فرضَت نفسها على المشهد اللبناني بنداً اولاً في أجندة الاهتمامات. خصوصا انّ الجانب الروسي يتبنّاها من موقع الواثق بسلوكها المسار المحدد وهو إنهاء هذا الملف بإعادة النازحين الى ديارهم، وهو ما تجلّى بخطوات ممهدة عبر وزارة الدفاع الروسية التي أعلنت عن فتح معبرَين للاجئين السوريين من الأردن ولبنان. على أن يلي ذلك فتح ثلاثة معابر أخرى لهذه الغاية.
وقالت مصادر ديبلوماسية روسية لـ«الجمهورية» انّ موسكو تعتقد انّ ملف النازحين قد حان وقت إقفاله، وهي تَتفهّم حجم المعاناة التي يكابدها النازحون، وكذلك حجم العبء الذي يشكّله هؤلاء النازحون على الدول التي تستضيفهم، ومن ضمنها لبنان الذي يعتبر اكثر الدول استضافة للنازحين، موسكو عَبّرت عن استعدادها الدائم لمساعدة لبنان في هذا المجال.
وأشارت المصادر الى انها تتوقع بروز خطوات ايجابية وممتازة في المدى المنظور، وقد وضعت موسكو الدول المعنية في صورة المبادرة التي هي بصددها، خصوصاً في الاردن وكذلك الأمر تجاه لبنان الذي نلمس إيجابيّات في مقاربته للمبادرة الروسية. مشيرة الى دور اساس للسفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبكين.
والواضح انّ لبنان رفع من مستوى اهتمامه بالمبادرة الروسية، التي شكّلت امس، نقطة بحث اساسية بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري. وعلمت «الجمهورية» انّ الرئيسين تبادلا المعلومات حول ما تَسرّب من المبادرة الروسية، وانّ الحريري أطلع عون على نتائج لقائه والوفد الروسي الذي زاره امس الاول قبل ان يوسّع من لقاءاته امس لتشمل المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.
وبحسب المعلومات، فإنّ المحادثات بين عون والحريري خلصت الى موقف لبناني موحّد من المبادرة الروسية، واقترح رئيس الجمهورية على الرئيس المكلّف ان يكون الوفد اللبناني موسّعاً في اللقاء المرتقب عقده اليوم في قصر بعبدا مع الوفد الروسي الدبلوماسي – العسكري الذي يترأسه الموفد الخاص للرئيس فلاديمير بوتين الى سوريا، والذي سيضمّ الى الموفد ألكسندر لافراتييف نائب وزير الخارجية سيرغي فرشينين وعدداً من كبار الضباط من وزارة الدفاع وكبار مسؤولي وزارة الخارجية الروسية، وامّا عن الجانب اللبناني فسيحضر الى عون والحريري وزير الدفاع وقائد الجيش والمدير العام للأمن العام ومدير المخابرات في الجيش اللبناني وكبار المسؤولين في وزارة الخارجية اللبنانية.
اللواء ابراهيم
وفي السياق ذاته، إلتقى رئيس الجمهورية بعيداً من الأضواء اللواء ابراهيم، الذي نقل اليه حصيلة الإجتماع الذي عقده والوفد الروسي الذي زاره أمس برئاسة الملحق العسكري الروسي بالوكالة العقيد Denis Khitryy، وبحث معه في الآليّات المقترحة لشكل ومهمة لجنة التنسيق اللبنانية – الروسية التي يقترحها الروس لإدارة ملف إعادة النازحين السوريين في ضوء المبادرة الروسية الأخيرة وكيفية مقاربة الموضوع، كما تمّ التفاهم بشأنه بين الرئيسين الأميركي والروسي دونالد ترامب وفلاديمير بوتين.
وعلمت «الجمهورية» انّ من بين المقترحات المتداولة ان يكون اللواء ابراهيم باعتباره من يدير هذا الملف بالتنسيق مع السلطات السورية رئيس الفريق اللبناني في اللجنة المشتركة، والتي سيترأس الجانب الروسي منها السفير الروسي في بيروت الكسندر زاسبكين.
ولفتت مصادر دبلوماسية وسياسية لـ«الجمهورية» انّ زيارة الوفد الدبلوماسي العسكري الى لبنان تتزامن ووجود وفود روسية اخرى في تل ابيب برئاسة وزير الخارجية سيرغي لافروف، كما في فرنسا والمانيا سعياً الى أوسع توافق دولي على خطط إعادة النزوح وكلفته المقدرة على الأراضي السورية.
تفاؤل… ولكن!
حكومياً، وبينما كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يعلن امام نواب لقاء الاربعاء في عين التينة، انه لا يملك معطيات جديدة حول تأليف الحكومة، ويُعرب عن أمله في ان يحمل لقاء الرئيسين عون والحريري ما وصفه بري «بشائر خير»، كان الرئيس المكلّف يُطلق من القصر الجمهوري جرعة تفاؤلية جديدة ويسقطها على مسار التأليف. بالتوازي مع رسالة ثانية في اتجاهات مختلفة، يؤكد من خلالها التناغم الكامل بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون، وينفي وجود خلاف بينهما، «فهذا غير موجود لا في قاموسه ولا في قاموس عون».
عون والحريري
وعلمت «الجمهورية» انّ الحريري حمل الى عون صيغة مُنقّحة للحصص الوزارية بعيدة عن السقوف العالية التي رفعهتا الأطراف، والتي تشكّل في أساسها العقدتان الدرزية وحصة القوات اللبنانية، ومن دون أن تطال الصيَغ السابقة التي قدّمها الحريري عن التمثيل السني.
وبحسب المعلومات فإنّ الجو بين الرئيسين كان ايجابياً، وانّ عون اقترح تعديلات محدودة على الصيغة المقترحة من الحريري طالت التمثيل الدرزي، فيما أشارت مصادر المعلومات الى انّ مسألة تمثيل «القوات» ليس صعباً توفير مخرج لها. علماً انّ المخرج المقترح يقوم على إعطائها 4 حقائب وزارية. وفي خلاصة النقاش اتفق على تكثيف الاتصالات، على ان يعود الحريري في زيارة قريبة الى القصر الجمهوري ربما قبل نهاية الأسبوع الجاري، إذا ما انتهت اتصالاته التي تعهّد بها الى أجواء إيجابية.
ماذا في المطبخ؟
الى ذلك، قالت مصادر مطّلعة على ما يجري داخل هذا المطبخ، لـ«الجمهورية»: «حتى الآن لا يمكن القول إنه تمّ بناء الارضية الصالحة لإشادة المبنى الحكومي عليها، فالتأليف ما زال في مرحلة البدايات، ولم يغادر بعد مربّع الفشل الذي يراوح فيه منذ ان شغّل الحريري محركاته قبل أسابيع.
وبحسب المصادر، فإنّ هذه الجرعة التفاؤلية الحريرية استندت الى رغبة الرئيس المكلّف المُعلنة بتفعيل حركة مشاوراته، وأراد من خلالها الحريري ان يوجّه رسالة الى من يتهمون بالمماطلة وتضييع الوقت يؤكد فيها انّ حجر الاساس قد تمّ وضعه لبناء حكومته، وذلك لدحض الكلام الذي يتسرّب من مصادر مختلفة من انّ حركته لم تؤدّ الى تقدم يذكر. وهنا بيت القصيد، الّا انها لم تستند الى وقائع ملموسة وايجابيات جدية تؤشّر الى رَدم تلال التعقيدات التي ما زالت ماثلة في طريق حكومته.
«شويّة وقت»
والبارز، في موازاة ما قيل عن انّ الحريري قدّم لرئيس الجمهورية امس، مسودة حكومية معدّلة عن سابقاتها لم يحسم التوافق عليها بعد، هو ما أشار اليه الحريري بوضوح حول استمرار هذه التعقيدات، وإن كان وَصَفها بالطفيفة، الّا انها تحتاج الى «شوَيّة وقت» على حد تعبيره.
واذا كان الحريري قد تَجنّب تحديد سقف زمني للـ«شويّة وقت» التي تحدّث عنها، الا انه يتحدث عن فترة، سواء أكانت طويلة او قصيرة، تبقى مفتوحة على احتمالات شتى، في ظل الوضع المعقّد على خط التأليف، والذي ازداد صعوبة في الآونة الاخيرة جرّاء ما وصفه مُطّلعون على ما يجري في مطبخ التأليف «اختلاط البُعد السياسي للتأليف بالبُعد الشخصي، وانّ كل طرف عَلّق نفسه في سقف شروطه ولم يعد في مقدوره النزول تحته، حيث باتَ الأمر يحتاج الى صديق حيادي، يتمتع بالمواصفات والقدرات التي تمكّنه من لعب دور الوسيط النزيه القادر على إقناع الاطراف بتخفيض أسقفهم والخروج من ساحة المعركة على الحصص والحقائب».
وسيط نزيه!
ويعكس هؤلاء المطلعون أجواء صعبة حتى ولو تأمّن الوسيط النزيه، تتمركز في اربع نقاط: الأولى، عقدة الثلث المعطّل الذي ما زال التيار الوطني الحر يصرّ عليه مدعوماً بموقف رئيس الجمهورية. الثانية، العقدة المسيحية التي صارت أقل صعوبة مع ليونة القوات اللبنانية في ما خَصّ حجمها التمثيلي والحقائب التي ستسند اليها، الّا انّ هذه الليونة لم يجرِ تلقّفها بعد من قبل التيار الوطني الحر. والنقطة الثالثة، العقدة السنية التي هي العقدة الأسهل، التي يمكن ان يجري حلّها بحوار ومقايضة ما، في ظل عدم استعداد ايّ طرف على الدخول في معركة حول هذا الأمر.
امّا العقدة الاصعب في طريق التأليف، فهي العقدة الدرزية. وسط إصرار شديد من قبل وليد جنبلاط على حصر التمثيل الدرزي بحزبه الاشتراكي، واستبعاد طلال ارسلان على اعتبار انّ الأخير يعبر الى التمثيل الدرزي على جسر الآخرين. ومن وحي هذا الاصرار جاء بيان اللقاء الديموقراطي أمس، حيث جدّد فيه الدعوة «للإسراع في عملية تأليف الحكومة، وعدم إضاعة الوقت خلف حجج ومبررات واهية»، مطالباً «بالترَفّع عن الخطاب الغرائزي واعتماد لغة العقل والمنطق والواقعية في مقاربة المطالب الوزارية وفق معيار واضح من أجل إنجاز عملية التأليف بعيداً عن منطق أو معادلات التعطيل وعن منطق الأكثرية والأقلية، وذلك من أجل التفرّغ لمواجهة القضايا الإقتصادية
والإجتماعية التي تهمّ المواطن اللبناني».
لبنان القوي
علمت «الجمهورية» انّ تكتل «لبنان القوي» عقد اجتماعاً داخلياً تنظيمياً بهدف التنسيق لجلسة اللجان المشتركة التي ستنعقد اليوم الخميس، وعلى جدول أعمالها مشاريع واقتراحات قوانين أحيل البعض منها من الحكومة، منها ما هو جديد ومنها مشاريع قوانين قديمة بحثت في اللجان مراراً بغية إقرارها. ومن أبرز المشاريع والاقتراحات التي يهمّ «التكتل» أن تقرّ سريعاً وهو يعمل على ذلك، إقتراح قانون يرمي الى مكافحة الفساد في عقود النفط والغاز، إقتراح قانون يرمي الى حماية كاشفي الفساد، مشروع القانون الذي يهدف الى تعديل الكتاب الخامس من قانون التجارة البرية، مشروع القانون المتعلّق بالمعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي والإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة، إضافة الى كل ما له علاقة بتنشيط الاقتصاد من خلال دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتسهيل تمويلها، وسواها من المشاريع التي تهدف الى المساهمة في تحسين الوضع الاقتصادي وتعزيزه عبر ارتباطها بمؤتمر «سيدر».
وأكدت مصادر التكتل مشاركته في هذه الجلسة بفاعلية لتزخيم العمل التشريعي، خصوصاً الهادف الى تحقيق هذه المسائل من مكافحة الفساد الى تعزيز الشفافية والنمو الاقتصادي.
وقال امين سر «التكتل» النائب ابراهيم كنعان لـ«الجمهورية»: «ننظر بإيجابية الى تفعيل العمل التشريعي بعد الانتخابات النيابية، خصوصاً اننا مقبلون على تحديات مالية واقتصادية كبيرة تحتاج الى إصلاحات جدية مدخلها الرئيسي تطوير التشريعات المالية والتجارية اللبنانية إنسجاماً مع الواقع الاقتصادي المحلي والعالمي، ووفقاً لإصلاحات موازنات ٢٠١٧ و٢٠١٨ ومؤتمر «سيدر» الدولي، ما يؤهّل لبنان لتعزيز ثقة المستثمرين باقتصاده».
* البناء
حرب الناقلات بدأت في باب المندب… والسعودية تعلّق شحناتها… وترامب يؤجّل القمة مع بوتين
تحت رعاية «التنف» وعلى إيقاع إسقاط السوخوي… مجرزة لداعش في السويداء
عون والحريري لتكليف اللواء إبراهيم بملف النازحين والتنسيق مع موسكو ودمشق
كتب المحرّر السياسيّ
بدت شحنة التفاؤل التي ضختها قمة هلسنكي التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول الملفات الدولية والإقليمية، بحاجة لإجازة مع الحملة التي شنّها الديمقراطيون ومتطرّفو الحزب الجمهوري على الرئيس ترامب، على خلفية نتائج القمة، والتي تجسّدها جلسات الاستجواب المتتابعة على منصات الكونغرس لرموز إدارة ترامب، تحت شعار التحقق من أنّ الرئيس لم يقدّم تنازلات جوهرية عن المصالح الحيوية الأميركية، وأنّ الرئيس لم يفرّط بمهابة الرئاسة الأميركية، وبدا أنّ ترامب الذي استند في تفاهمات هلسنكي لدعم اللوبي الاقتصادي المستفيد من الحصة التي عاد بها في سوق النفط الصخري والغاز الصخري في الأسواق الأوروبية من جهة، ودعم اللوبي المؤيد لـ «إسرائيل» التي تبحث عن مخرج من الخيارات الصعبة أمام انتصارات الجيش السوري في الجنوب، لم يلقَ الدعم المطلوب على الأقلّ من الجانب «الإسرائيلي»، الذي كشف عن نيته خوض جولة تصعيد لتحسين شروط التفاوض حول مفهوم فك الاشتباك الذي عرضه الروس في هلسنكي، وحمله وزير الخارجية الروسي ورئيس أركان الجيش الروسي إلى رئيس حكومة الاحتلال في تل ابيب أول أمس.
المواجهة تدور بين مفهوم لفك الاشتباك يقوم على العودة لعام 2011 كما تريد «إسرائيل». يعني انسحاباً كاملاً لإيران وحزب الله من سورية وإعادة نشر وحدات المراقبين الأمميين، ومفهوم آخر عرضه الرئيس الروسي وحمله وزير خارجيته ورئيس أركانه يتضمّن تطبيق بنود الاتفاق الموقع عام 1974 سواء لجهة مناطق منع التهديد العسكري التي ينصّ عليها، والتي يحصر فيها عدم وجود قوات عسكرية تهدّد أمن «إسرائيل». وفي هذا السياق يمكن الحديث عن تراجع تموضع حزب الله وإيران، من جهة، ووقف الغارات الإسرائيلية والانتهاكات للأجواء السورية من جهة ثانية، وربط فك الاشتباك بتطبيق القرارين 338 و242 الصادرين عن مجلس الأمن وما يعنيانه من وقف إجراءات ضمّ الجولان من الجانب «الإسرائيلي» وفتح ملف الانسحاب من الجولان.
من جهة قرّرت «إسرائيل» خوض جولة تصعيد تُعيق تقدّم الجيش السوري في الجولان، فكان إسقاط طائرة السوخوي التي كانت تقصف داعش، وكان إطلاق جماعات داعش المتمركزة قرب قاعدة التنف الأميركية في البادية الشرقية لارتكاب مجزرة مروّعة في السويداء جنوب شرق سورية، وإطلاق حملة سعودية «إسرائيلية» أميركية إعلامية لإيصال رسائل لأبناء السويداء بعروض الحماية «الإسرائيلية»، والدعوات للابتعاد عن دولتهم الوطنية وجيشها والتحريض على حلفائها، بحيث بدا الموقف الأميركي متطابقاً مع الرغبات «الإسرائيلية»، فتمّ الإعلان من البيت الأبيض عن نية تأجيل القمة المقبلة مع الرئيس الروسي إلى العام المقبل بدلاً من خريف العام الحالي.
وبينما كانت مياه البحر الأحمر تشتعل بإصابة ناقلة نفط سعودية وبارجة عسكرية من نوع «لافاييت» الفرنسية تابعة للبحرية السعودية وتدمير زورق حربي سعودي بصواريخ يمنية، أعلن إثرها وزير الطاقة السعودي تعليق شحنات النفط التي تعبر في باب المندب وتتوجّه إلى أوروبا، بدا أنّ حرب ناقلات النفط بدأت في باب المندب قبل أن تبلغ مضيق هرمز، وأنّ جولة تصعيد ستشهدها ملفات المواجهة في المنطقة، قبل أن يرسو التفاوض على صيغ للتفاهمات.
لبنانياً، لم يبدُ التعقيد الحكومي غريباً عن المناخ الإقليمي العائد للتصعيد، رغم التفاهم على مساعي إعادة النازحين بفصل العودة عن الحلّ السياسي وفقاً للرؤية الروسية، من دون أن تبرز اعتراضات جدية تعطل هذا المفهوم بعد، رغم وجود مواقف تنتمي لزمن ما قبل انتصارات الجيش السوري وتسليم العالم بالانتصار السوري وباعتبار عودة النازحين إطاراً مناسباً لتطبيع تدريجي مع الدولة السورية ولرفع تدريجي للعقوبات المالية من هذا الباب، لكن بعض المواقف اللبنانية بدت من زمن آخر، وكأنها لم تتلقّ الرسائل المتضمّنة في تفاهمات ملف النازحين، ولا تزال تراهن على تغييرات اللحظة الأخيرة، ولم تغيّر زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري إلى قصر بعبدا ولقاؤه برئيس الجمهورية العماد ميشال عون هذا الانطباع، سواء بطريقة التخاطب التي استعملها في الحديث عن سورية أسوة بحليفيه في القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، أو لجهة الملف الحكومي الذي رافقت الحديث عنه موجة تفاؤل لم يرشح أيّ جديد يفسّرها، وكان التطوّر الإيجابي الذي خرجت به زيارة الحريري لبعبدا استباق زيارة الوفد الروسي الخاص بملف النازحين، والتنسيق مع حكومات دول المنطقة المعنية والتنسيق مع الحكومة السورية، بتأكيد التوافق على تولي المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم مسؤولية التنسيق في كلّ ما يتعلق بهذا الملف مع روسيا وسورية.
الحريري قدّم لعون اقتراحات للعقد الثلاث
بعد أسابيع من الانتظار المملّ الذي عاشه اللبنانيون والغموض الذي اعترى المشهد الحكومي وموجات التفاؤل «الحريرية» المتعمّدة، وبعد زيارات متلاحقة لرئيس الحكومة المكلف قادته الى أكثر من عاصمة أوروبية وسط انفراجات دولية أميركية روسية، زار الرئيس سعد الحريري بعبدا أمس، وقدّم للرئيس ميشال عون صيغاً بديلة عدة للعقد الثلاث الدرزية والمسيحية والسنية، بحسب ما علمت «البناء»، من دون الدخول في تفاصيل الحقائب والأسماء، وناقش الحريري مع رئيس الجمهورية خلال اللقاء الذي دام ساعة ونصف الساعة هذه الصيغ، الذي تخلله أيضاً نقاش في ملف المبادرة الروسية بملف النازحين.
وطلب الحريري، بحسب معلومات «البناء» من رئيس الجمهورية جواباً على مقترحاته إلا أن عون طلب من الحريري التشاور بهذه المقترحات مع الأطراف المعنية في العقد الثلاث، والعودة إليه عندما تتوافر أجوبة لديه للبناء على الشيء مقتضاه، ووعد الحريري عون بأن يبدأ فوراً مروحة مشاورات مع القوى السياسية على أن يعود إلى بعبدا خلال الأسبوع الجاري.
وقالت مصادر متابعة لمسار التأليف لـ«البناء» إن «مقترحات الحريري الذي أطلع عون عليها عبارة عن حلول وسطية يمكن أن تشكل مخرجاً لجميع الأطراف، لكنّها تنتظر موافقه نهائية، وتحدثت المصادر عن أجواء إيجابية وجدية أكثر من أي وقت، وفي حال وافقت الأطراف على مقترحات الحريري حينها يمكن الحديث عن تقدّم جدي في مسار التأليف ربما يؤدي إلى ولادة حكومية قريبة»، وتمّ الاتفاق بين الرئيسين على أنه في حال تمكّن الحريري خلال مشاوراته من انتزاع موافقة حول مقترحات العقد الثلاث سيتم الانتقال الى المرحلة الثانية والأخيرة أي توزيع الحقائب على القوى والكتل النيابية وإسقاط الأسماء عليها، علماً أن عملية توزيع الحقائب السيادية باتت معروفة أي على الكتل والطوائف الأساسية. وأوضحت مصادر بعبدا لـ«البناء» أن الأجواء إيجابية حتى الآن لكن إخراج الحكومة من عنق الزجاجة يحتاج الى تعاون جميع الأطراف. ولمست المصادر «تفاؤلاً لدى الرئيسين عون والحريري حيال تجاوب الاطراف». لكن مصادر سياسية قللت من أهمية حملة التفاؤل، ودعت الى التريّث وترقب سلوك الحريري ومضمون الصيغ التي عرضها، مشيرة لـ«البناء» الى أن أي صيغة لن تراعي الأصول ونتائج الانتخابات لن يُكتب لها النجاح.
وكان لافتاً توقيت الحريري زيارته الى بعبدا بعد سفر وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل الى الولايات المتحدة وذلك للإيحاء بأن الحريري هو مَن يؤلف الحكومة بالتعاون مع رئيس الجمهورية في محاولة لاستبعاد باسيل عن مشهد التأليف ولو ظاهرياً وإعلامياً، لا سيما أن أي لقاء لم يجمع الحريري بباسيل منذ وقت طويل، رغم أن عون نصح الحريري بعقد هذا اللقاء.
ومن بعبدا انتقد الحريري باسيل، ملمحاً الى أنه أساء في تصريحاته لرئيس الحكومة ولدوره في عملية التأليف. وكان لافتاً أيضاً أن زيارة الحريري جاءت بعد أيام على انعقاد القمة الأميركية الروسية في هلسنكي وبدء انعكاساتها على المنطقة لا سيما في ملف النازحين السوريين. فهل حركة الحريري المستجدة بالملف الحكومي هي أيضاً من «بركات» القمة؟
وجدّد الحريري تفاؤله بولادة الحكومة في وقت قريب، وأكد من بعبدا العلاقة الجيدة مع رئيس الجمهورية، مشيراً الى أن «أي كلام حول خلاف بيني وبين فخامة الرئيس غير موجود لا في قاموسي ولا في قاموس فخامة الرئيس. فنحن نعمل ونتعاون لمصلحة البلد وسنكمل في هذا الطريق».
بري يُحذّر
وجدد رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بحسب ما نقل زواره عنه لـ«البناء» تحذيره من «الانعكاسات السلبية على الوضع الاقتصادي جراء التأخير بتأليف الحكومة، لا سيما أن الوضع المالي يحتاج الى مواكبة حكومية لا سيما الاستحقاقات المالية الداخلية والخارجية مؤتمر سيدر وإقرار الموازنة العامة الذي حذّر وزير المال علي حسن خليل من أن تأخير الحكومة سيُعيدنا الى العمل بالقاعدة الاثنتي عشرية حيث قدم خليل أمام النواب شرحاً للواقع الاقتصادي والمالي في البلد».
وقال رئيس المجلس خلال لقاء الأربعاء في عين التينة: «إن ما يواجهه اللبنانيون اليوم من ازمات اجتماعية وخدمية ناتج من أسباب عديدة أبرزها عدم تطبيق القوانين، لأن تطبيقها يشكل المدخل الاساسي لمكافحة الفساد». كما وضع النواب في اجواء اقتراحات القوانين التي ستكون على جدول اعمال المجلس في المرحلة المقبلة، والمتعلقة بإنشاء مجالس إنمائية في عكار والبقاع. وعن تشريع زراعة الحشيشة لاستعمالات طبية، نقل النواب عن بري انه تسلم عدداً من الدراسات واطروحات الدكتوراه تتعلق بهذا الموضوع، على أن يتابع درسه وربطه ايضاً بإنشاء ادارة على غرار ادارة حصر التبغ والتنباك».
وكان لافتاً حضور وفد تكتل الجمهورية القوية لقاء الأربعاء للمرة الأولى وضم الوفد النواب ألان عون وسليم عون وسيمون أبي رميا ما يُعدّ إشارة ايجابية للعلاقة بين التيار الوطني الحر والرئيس بري.
وأبدت مصادر نيابية استغرابها الشديد للمسار الذي يسلكه التأليف منذ التكليف وتساءلت عن الأهداف الكامنة خلف إصرار رئيس الحكومة المكلف على إشاعة أجواء تفاؤلية غير واقعية ولا تترجم في الواقع الحكومي، ولفتت لـ«البناء» الى أن «العقد لازالت مكانها ولم تحل لا سيما العقدة المسيحية، حيث لم يتم التوصل الى حل وسط يرضي الطرفين الى جانب صعوبة حل العقدة الدرزية، حيث إن موافقة الحريري على توزير النائب طلال أرسلان من الحصة الدرزية سيضعه في موقع الإحراج إذ سيكون مجبراً حينها على تمثيل أكثر من ثلث النواب السنة الخارجين عن تيار المستقبل». ولفتت الى أن «الحريري يراهن على لعبة الوقت لدفع رئيس الجمهورية للموافقة على مطالب القوات واستبعاد تمثيل النواب السنة من خارج المستقبل والاكتفاء بمبادلة وزير سني محسوب على رئيس الجمهورية مقابل وزير مسيحي للحريري».
وإذ اعتبرت المصادر أن العقد الداخلية وتمسك الأطراف بمطالبها أحد عوامل تأخير التأليف لم تستبعد التأثير الخارجي، إذ لا يزال بعض الداخل يراهن على تطورات إقليمية ودولية تنعكس على الساحة الداخلية»، موضحة أن «كما رفض البعض خطة رئيس الجمهورية ووزير الخارجية لحل أزمة النزوح، وعاد ورضخ للحل بعدما توفر القرار الدولي الأميركي الروسي، سيسارع هذا البعض الى الرضوخ في مسألة الحكومة عندما يأتي الضوء الأخضر الخارجي».
وأعرب رئيس الجمهورية عن أمله في أن يتم تشكيل الحكومة في وقت قريب «للانطلاق بالمعالجات اللازمة على الأصعدة كافة، لا سيما على الصعيد الاقتصادي الذي سيُعطى الأولوية في الحكومة العتيدة مع مكافحة الفساد وملف النازحين السوريين في لبنان».
موفد بوتين في بيروت اليوم
في غضون ذلك، يصل إلى بيروت اليوم الوفد الروسي الدبلوماسي – العسكري الذي يضمّ الموفد الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ألكسندر لافراتييف ونائب وزير الخارجية سيرغي فرشينين وعدداً من ضباط الأركان في القيادة المركزية للجيش الروسي، ويلتقي رئيس الجمهورية ويسلّمه رسالة من الرئيس الروسي تتناول المبادرة الخاصة بالنازحين، والرئيس الحريري، ويتألف الوفد من 14 دبلوماسياً وعسكرياً.
وأكدت مصادر «البناء» على تطابق الرؤية بين رئيسَيْ الجمهورية والحكومة إزاء المبادرة الروسية واتفقا خلال لقائهما أمس، على توحيد الموقف من هذه المبادرة أمام الوفد الروسي، ويُعقد اليوم في بعبدا اجتماع موسّع بين رئيس الجمهورية والوفد الروسي بحضور الحريري ووزير الدفاع وقائد الجيش ومدير عام الأمن العام وقادة الأجهزة الأمنية وممثل عن وزارة الخارجية بسبب غياب باسيل. وكما علمت بأن هناك اتجاهاً رئاسياً الى تكليف اللواء عباس ابراهيم كموفد من لبنان للتنسيق مع اللجنة الروسية والسلطات المعنية في سورية.
وانتقدت أوساط نيابية مكابرة رئيس الحكومة إزاء ملف النازحين ورفضه التواصل مع الحكومة السورية مشيرة لـ«البناء» الى أن «الرئيس المكلف وحكومته ملزمون بالتواصل مع الحكومة السورية، لأن المصلحة الوطنية ومصالح المواطين تفرض ذلك وليس مصالحه السياسية والشخصية وخوفه من ردة الفعل السعودية»، وقالت: «إن كان الحريري لا يريد التواصل المباشر مع سورية، فعلى الحكومة المقبلة أن ترسل موفدين من وزراء محسوبين على رئيس الجمهورية للتفاوض مع سورية بشأن النازحين والمصالح الاقتصادية المشتركة، فلماذا يحرم الرئيس المكلف استفادة لبنان من فتح معبر نصيب والعمل على إعادة تفعيل حركة الترانزيت بين لبنان وسورية والأردن ما يمكن لبنان من التخفيف من حجم أزمته الاقتصادية». وأشارت المصادر الى أن المبادرة الروسية تحاكي المضمون نفسه للخطة التي قدمها الرئيس عون ووزير الخارجية.
وفي زيارة تحمل دلالات هامة على ما ستكون عليه العلاقة بين لبنان وسورية عقب تشكيل الحكومة الجديدة، وصل وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال حسين الحاج حسن الى دمشق، تلبية لدعوة من نظيره السوري محمد مازن علي يوسف، للمشاركة في معرض لإعادة إعمار سورية وفي مؤتمر لرجال الأعمال. وأوضح الحاج حسن «ان الزيارة للبحث في الامور الاقتصادية ولتطوير العلاقات على مختلف الصعد التجارية والتبادل وحركة النقل والبحث في مسألة إعادة إعمار سورية ومشاركة اللبنانيين فيها، خصوصاً ان سورية استعادت معظم الأراضي وانتصرت على الارهاب». وقال: «إنها فرصة لا بد ان يغتنمها اللبنانيون ايضا لتهنئة سورية بهذا الانتصار والبحث في مجالات إعادة الاعمار ومشاركة لبنان فيها، والبحث أيضاً في مسائل تخص الاقتصاد ومسائل وقضايا مشتركة، منها التجارة والعلاقات على صعيد فتح الحدود البرية بين سورية والأردن، الأمر الذي يتيح الفرصة أمام تشجيع وتفعيل التصدير اللبناني عبر سورية إلى الأردن ومنها الى دول الخليج».
المصدر: صحف