يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾7.
الوسيلة هي كل ما يتقرب به إلى الغير، والتوسل هو أن يقدم الإنسان أمام طلبته وسيلةً أقرب منه إلى ربه كي يحصل بدعائها أو بكرامتها على مطلوبه.
ولا شك أن هناك العديد من الطرق والوسائل التي جعلها الله تعالى واسطة بين العبد وربه تساعده على الارتباط به كالصلاة والصوم والحج وسائر العبادات وكاقرآن الكريم، ومن الوسائل أيضا التوسل بالأنبياء والرسل ولا سيما بنبينا محمد(ص) و بالأئمة الأطهار(ع)، نقرأ في آخر دعاء التوسل: (فإنكم وسيلتي إلى الله) فالأئمة وسيلتنا الى الله تعالى، نتوسل بهم لنكون في ساحات القرب الإلهي .
فعندما نعود الى القرآن الكريم والروايات الشريفة سنجد الكثير من الآيات والروايات الدالة على جواز ومشروعية التوسل بالأنبياء والأولياء، بذواتهم وأشخاصهم الطاهرة وبدعواتهم، وسواء كانوا أحياءا او أمواتا، باعتبار أن الرسول (ص) وأهل البيت (عليهم السلام) وبما لهم من مكانة ومقام ومنزلة عند الله سبحانه هم أقرب إلى الله من سائر الناس، ودعاؤهم أقرب إلى الإجابة من الله .
– فقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ لا يدل على مجرد جواز التوسل، بل يعتبر التوسل أمراً مطلوباً وراجحاً. ولا فرق في الوسيلة هنا بين ان تكون عبادة او قرآنا او نبيا او أو إماما أو وليّا او مؤمنا صالحا .
– وقوله تعالى:﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيما﴾. فهذه الآية الشريفة تؤكد التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله) لمن ظلم نفسه وأساء اليها وابتلى بالمعاصي فعلى هؤلاء أن يأتوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ليستغفر الله لهم ا ، وحينئذٍ سيجدون الله تواباً رحيماً. وهذا واضح في كون التوسل باب من أبواب رحمة الله وغفران الله تعالى.
هذا في القرآن ، وعندما نعود الى الروايات سنجد:
– أن آدم (عليه السلام) توسل بنبينا محمد(ص) كما تقول الرواية:”… قال: ربّي أسألك بحقّ محمّد لما غفرتَ لي، فقال الله (عز وجل): يا آدم، كيف عرفت محمّداً ولم أخلقه؟ قال: لأنك يا ربّ لمّا خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فعلمت أنّك لم تُضِفْ إلى اسمك إلاّ أحبّ الخلق إليك…”.
– وسنجد أيضاً أن هناك الكثير من الأدعية الدالة على التوسل بدعاء الائمة(عليهم السلام) والتوسل بذواتهم واشخاصهم الطاهرة والمقدسة والزكية، كدعاء التوسل الذي نقرؤه كل ليلة اربعاء، وهو من الأدعية التي رواهه صاحب البحاررحمه الله عن محمد بن بابويه القمي رحمه الله والذي أوله: (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبِيِّ الرحمة محمد صلى الله عليه وآله يا أبا القاسم يا رسول الله..) وفي آخره: (فإنكم وسيلتي إلى الله).
– ومما يدل على مشروعية التوسل ايضا ما روي من أن رجلا ضريرا جاء الى رسول الله (ص) فأمره الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يتوسل به إلى الله ليرد اليه بصره، حيث يروى أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء : “اللهم إني أسألك وأدعوك وأرغب إليك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة(صلى الله عليه وآله) يا مُحَمَّدْ إنِّي أتوجه بِكَ إلى الله رِّبكَ وَرَبِيْ ليَرُدَّ بِكَ عَليَّ نُوْرَ بَصَرِي”.فما قام الأعمى حتى رد الله عليه بصره .
فهذا الحـديث يـدل بوضـوح علـى أن الأعمـى توسـل بـذات النبـي(ص) وان النبي(ص) علّمه دعاءا تضمن التوسل بذاته ، الأمر الذي يدل على جواز التوسل بالذات.
والخلاصة ان التوسل من الأمور المهمة في عقيدة الإنسان المؤمن، وهو طريق له لقضاء الحاجات وغفران الذنوب، لأن المتوسل بهم إلى الله وهم الأنبياء والأولياء أقرب الى الله ، والله يستجيب لهم للمكناة والكرامة والدرجة الرفيعة التي لهم عنده سبحانه..
ويمكننا ان نتوسل نقول: اللهم بحق النبي او بحق الأئمة ان تفعل كذا وكذا، فنتوسل بحقهم ، والتوسل بحق الانبياء والائمة والصالحين وحرمتهم ومنزلتهم هي من التوسلات الرائجة بين المسلمين ، وكذلك التوسل بمنازل الـصالحين وحقـوقهم علـى االله.
وفـي أدعيـة أئمـة أهل البيت نماذج من أدعية التوسل التي يتوسل بها بحق محمد ، وهي كثيـرة وموزعـة فـي الـصحيفة العلويــة ودعــاء عرفــة والــصحيفة الــسجادية وغيرهــا مــن كتــب الدعاء.
يقول الإمام علي أمير المؤمنين في دعاء له: “… بحـق محمـد وآل محمــد عليـك، وبحقّــك العظـيم علــيهم أن تصلّي عليهم كما أنت أهله، وأن تعطيني أفضل ما أعطيت السائلين منه .
والسـؤال الذي يطرح نفسه وهو أنّه: كيف يمكن أن يكون لإنسان حقّاً على الله؟ فالحقــوق كلّهـا لله علــى العبـاد ، ولكــن الجواب بسيط وهو أنه ليس معنى ذلك أن للعبـاد أو لبعـضهم علـى االله سـبحانه حقّـاً ذاتياً لا يمكنه الخروج منه، بل لله الحـق كلّـه، فلـه علـى الناس حق العبادة والطاعة ، بل المقصود هنا المقـام والمنزلـة والدرجة التـي منحها الله لعباده تكريماً لهم، فعندما تقول بحق محمد او علي يعني بحق هذا المقام وما لهم من مكانة عندك ان تقضي حاجتي، وليس لأحد على الله حـق إلاّ مـا جعلـه االله سبحانه حقّاً على ذمته لهم تفضّلا وتكريماً، فقد جعل حقا للمؤمنين المجاهدين الصادقين المخلصين المضحين الذين لم يبخلوا في سبيل الله بمال أو نفس او روح او دم جعل لهم حق النصر قال سبحانه : { وكان حقّاً علينا نصر المؤمنين } (الروم/٤٧ .(
وروي عن معاذ بن جبل قال : قـال لـي رسـول االله ” : هل تدري ما حق االله على العباد؟ قال : قلت: االله ورسوله أعلـم، قـال : فـإن حق االله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم سـار سـاعة قـال : يـا معاذ قلت : لبيك رسول االله وسعديك : هل تدري ما حق العباد على االله إذا فعلوا ذلك؟ قال: قلت: االله ورسوله أعلم، قال: أن لا يعذبهم “.
التوسل بنبينا وبالأئمة صلوات الله عليهم أجمعين من قبل المؤمنين في كل المراحل السابقة بأن ينصر الله المجاهدين ويرد كيد الأعداء والمتربصين والمحتلين والإرهابيين كان من أسباب التوفيق والتسديد وصنع الإنجازات والإنتصارات، واليوم نحتاج الى التوسل لنقوى في مواجهة التحديات الجديدة حيث يعمل العدو على إضعافنا هذه المرة من بوابة الإنتخابات النيابية وهذا يرتب علينا مسؤوليات ووواجبات.
الاستحقاق الانتخابي هو استحقاق وطني، والمشاركة فيه هو مسؤولية وطنية، وعلى الجميع أن يشارك في هذا الاستحقاق بفاعلية، خصوصاً وأنه يأتي في ظل معركة سياسية معادية يراد من خلالها إضعاف المقاومة وابعاد الناس عن خيارها ، ولذلك فإنّ الاستهتار بالمشاركة أو الانكفاء عنها تحت أية ذريعة يحقق اليوم رغبة المتربصين والأعداء الذين يعملون ليل نهار على أن لا تكون هناك مشاركة قوية وعلى أن يصل مرشحونا ضعفاء إلى البرلمان القادم.
المشاركة الفاعلة والقوية في الانتخابات مطلوبة لتحقيق انتصار سياسي جديد في وجه أميركا وإسرائيل والسعودية والارهاب التكفيري الذين يعملون ليل نهار على أن لا يكون لحزب الله حضور قوي في المعادلة
الداخلية.. لكن أهلنا بوعيهم سيردون على ذلك ويثبتون أن حضورهم ومشاركتهم في هذه الانتخابات إلى جانب لوائح الأمل والوفاء ولوائح الحلفاء ستكون أقوى من أي استحقاق آخر.
نحن اليوم نخوض الانتخابات النيابية على أساس برنامج واضح وشامل لكل المشكلات والأزمات التي يعاني منها لبنان، المشكلات الادارية والسياسية، والأزمات المالية والاقتصادية، والمشاكل الاجتماعية والتنموية إلا أن ما سيعزز حزب الله الاهتمام به بشكل أكبر في المرحلة المقبلة هو موضوع حاجات الناس ومكافحة الفساد.
نحن سندخل على الموضوع الاقتصادي والمعيشي وقضايا الهدر والفساد بشكل أكبر خلال المرحلة المقبلة؛ لأنّ الوضع الاقتصادي والمالي في البلد وحجم المديونية العامة ومستوى الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة أصبح لا يطاق وينذر بخطر حقيقي ويعرض بنية الدولة إلى انهيار كامل… ويهدد الامن الاجتماعي والاستقرار ويمكن ان يتسبب بضياع جزء كبير من الانجازات الوطنية والانتصارات التي حققتها المقاومة منذ التحرير عام 2000 وحتى اليوم.
وكما قدم حزب الله تجربة جادة على مستوى حماية البلد من الارهابين الاسرائيلي والتكفيري، سيسعى لتقديم تجربة صادقة على صعيد معالجة قضايا الناس ومكافحة الفساد إن شاء الله.
والحمد لله رب العالمين
المصدر: موقع قناة المنار