لم يكن أكثر المتشائمين ليتوقع حدوث أعمال الشغب التي اندلعت منذ اليوم الأول لبدء مباريات اليورو في مختلف المدن الفرنسيّة. تخوّف الجميع بداية من حدوث هجمات إرهابيّة بالقرب من الملاعب أو مراكز تجمّع المشجعين في المدن، أو حتى تفاقم الأزمة الإجتماعية التي تعصف بفرنسا والتي تمظهرت عبر تظاهرات متنقلة بين المناطق تطالب بتحسينات إقتصاديّة وتعديل قانون العمل الذي تمّ إقراره قبل مدّة قصيرة.
وسط كلّ الأجواء الأمنية والإنتشار المكثّف للجيش في المدن تحسباً للإرهاب، فوجئ الجميع بتحوّل ساحة المرفأ القديم في مدينة مارسيليا الساحليّة الجنوبيّة إلى ساحة حرب حقيقيّة جراء المواجهات بين مشجيعن روس وآخرين إنجليز “هوليغانز” والتي أدت الى وقوع عشرات الجرحى من الطرفين. أحداث الشغب التي غالباً ما يكون أساسها أحقاد تاريخيّة بين البلدان والأعراق، إمتدّت إلى مدينة نيس في الجنوب أيضاً بين مشجعين إيرلنديين شماليين وآخرين بولنديين تطور إلى تدخّل سكان المدينة الفرنسية وهو ما أدى إلى جرح أكثر من 15 شخصاً بعضهم بحال الخطر. وعلى وقع هذه الأحداث كثّفت القوات الامنية الفرنسية من انتشارها، فيما تدخّل الإتحاد الاوروبي ومن خلفه الفيفا للضغط على السلطات الفرنسية من أجل ضبط الأمن بصورة أفضل في المدن التي تشهد اضطرابات. وعمد الإتحاد الفرنسي الى تصنيف المباريات بين خطيرة وعاديّة وذلك بالنظر إلى نوعيّة المشجعين، فصنّفت مباريات “إنجلترا – ويلز” “سلوفاكيا – انجلترا” “روسيا – ويلز” “تشيكيا – تركيا” كمباريات خطيرة نتيجة الحساسية بين المشجعين جراء الأحداث التاريخية بين البلدان ومنها الحربين العالميتين، ويجب التعامل معها بطريقة أكثر حزماً من غيرها من المباريات.
وتعتبر روابط المشجعين الانجليز والروس الاكثر شراسة على اعتبار أنهم دائما ما يتسببون بأعمال شغب، كما أنّ التاريخ القريب والبعيد حافل بالمواجهات بين هؤلاء المشجعين والتي أدت عبر السنوات إلى مقتل وجرح العشرات. كما أنّ هؤلاء المشجعين هم من الأكثر تعصباً وقد منعت السلطات الفرنسية حوالي 3000 مشجع إنجليزي و80 مشجع روسي من الدخول إلى فرنسا لمشاهدة المباريات، بسبب سوابق لهم في أعمال الشغب.
ومن أجل الحد من هذه الأحداث أعلن وزير الداخلية الفرنسية عن منع بيع الكحول في “أماكن تواجد المشجعين والقريبة من الملاعب عشيّة المباريات وطيلة يوم المباراة”، وأعلن الوزير في بيان له أن المنع يشمل الملاعب ومناطق تواجد المشجعين وقد يشمل كذلك المحلّات التجارية والحانات.
الإعلام الفرنسي يرفع الصوت
ونددت الصحف الفرنسية بأعمال العنف بين المشجعين الإنكليز والروس، وعنونت يومية “ليكيب” واسعة الانتشار “العار” معتبرة أن “وسط مرسيليا تحول إلى مسرح للاقتتال. الهوليغانز الإنكليز والروس تواجهوا متسببين بوقوع أكثر من 30 جريحاً.” وأضافت ليكيب “تواصلت المواجهات في استاد فيلودروم بعد المباراة. الخوف سيطر على اليورو.”
من جهتها عنونت صحيفة “لا بروفانس” الخاصة بمدينة مرسيليا “حالة طوارئ” ووصفت ما حصل بالكابوس. أما صحيفة “لو باريزيان” فخرجت بعنوان: “فرنسا في مواجهة الهوليغانز”.
وعقب الأحداث قال متحدث باسم الداخلية الفرنسية “إن الفشل هو فشل كرة القدم، فعالم كرة القدم لا يزال يعاني من مرض التعصب والتعصب” في إشارة منه للهوليغانز. واعتبر المتحدث أن كرة القدم باتت بحاجة ماسة إلى قوانين رادعة موحدة وإلى مزيد من التنسيق الأمني والاستخباراتي بين الدول لمحاربة هذه الظاهرة.
إرباك رسمي فرنسي
إتساع رقعة الشغب وانتشاره عبر المدن الفرنسية، دفع بالإتحاد الدولي والأوروبي إضافة إلى اتحادات بعض الدول لمطالبة فرنسا بتحمل مسؤولياتها وحماية المباريات، الى حد وصل الامر للمطالبة بإيقاف منتخبي بريطانيا وروسيا من المشاركة في اليورو إذا استمرت أعمال العنف على ما هي عليه. وترى مصادر رياضيّة متابعة لليورو أن الفشل في ضبط المشجعين بمدينة مرسيليا سيعطي حافزاً لمشجعين آخرين على غرار الأتراك والتشيك والكرواتيين والأوكران لإثارة الشغب في مناطق ومدن أخرى، وهو ما تمظهر في مباراة مدينة ليل الشمالية والتي شهدت مواجهات بين مشجعين ألمان وأوكران، أدت الى جرح البعض.
وعلى وقع هذه التطورات يزداد الخوف في فرنسا، وتزداد معه الضغوط على القوى الأمنية والسلطات التي باتت مطالبة بفرض سلطتها بشكل أقوى، خاصة أنها البلد الوحيد في اوروبا الذي يستضيف بطولة اليورو للمرة الثالثة في التاريخ، وهو الأمر الذي يضع مزيداً من الضغوط عليها لإنجاح هذا العرس الكروي الذي يتابعه الملايين حول العالم. وترى مصادر أنه في حال تواصلت المواجهات بين المشجعين ستصل الأمور الى حدّ عرقلة اليورو وبالتالي إمكانية توقيف بعض الجماهير وترحيل آخرين، فتقع فرنسا في خسائر إقتصاديّة كبيرة تضاف إلى الفشل الأمني الحاصل في بعض المناطق.
المصدر: موقع المنار