راجت في الفترة الأخيرة برامج الترفيه والسخرية وما يسمى بالنقد التلفزيوني على الشاشات اللبنانية، للوهلة الأولى يعتقد المشاهد أن ساعة الحقيقة قد دقّت وعملية الإنتقاد البنّاء قد بدأت، ولكن المؤسف أن ما يحصل فعلا هو تجريح تحت غطاء المزاح وإبتذال وهتك خصوصيات وحرمات وكرامات بغطاء جرأة الطرح وعلى شمّاعة الحرية نعلق”نحن نستطيع أن نقول ما نريد وأن نستهدف من نشاء” حتى بات الكلّ في مرمى هذه البرامج الفطرية التي تعيش على الأخطاء والهفوات والزلاّت .
فهل تلتزم هذه البرامج بمعايير وقواعد الترفيه والنقد التلفزيوني ؟
تعريف الترفيه هو الترويح عن النفس والتخلص من بعض الطاقات السلبية والتنفيس والتهدئة فهل هذه البرامج تؤدي هذه الأغراض ؟
أما بالنسبة للنقد فهناك فارق بين النقد الساخر البنّاء والانتقاد لسخرية أو لتجريح،فالنقد البناء الهدف منه تصحيح الأخطاء الواقعة، بدون تجريح لأشخاص بعينهم .
أما التحدث عن عيوب الناس ونشر الخصوصيات من أجل إضحاك الجمهور فهذا شيء مثير للإشمئزاز .
كما نسأل هنا عن مدى الموضوعية في التقييم من قبل البرامج خاصة انها متنافسة متناحرة متصارعة .
خوف العامة من الظهور التلفزيوني
أما بالنسبة لأسلوب التجريح الشخصي و تجاوز النقد للكادر العامل في التلفزيون من مقدمين و معدّين و مخرجين وصولا إلى نقد الضيوف الذين غالبا لا يتمتعون بالخبرة الكافية في الظهور التلفزيوني( يرتبكون أمام الكاميرا ) وبالتالي فإن إنتقاد الضيوف في هذه الحالة يكون في غير محله نظرا لإفتقارهم للخبرة، واستغلالهم للسخرية و الضحك هو عمل يخرج عن اطار المهنية في العمل،ويخلق عداء بين الجمهور و التلفزيون و خوف العامة من الظهور التلفزيوني.
تعميم السفاهة وكيّ الوعي
إن هروب المشاهد من متابعة الأخبار السياسية بعض الأحيان باتجاه البرامج الترفيهية تجعله فريسة سهلة في أنياب هذا الذئب المتسلل إلى منازلنا دون حسيب أو رقيب فهذا الفساد والبذاءة والابتذال على الشاشة،يؤدي إلى التحلّل من أبسط القيم الأخلاقية، وإفساد سلوك الناس، وتحلّل المجتمعات، واختلال نظام القيم والأخلاق،وهذا بالطبع غير بريء ويأتي في سياق كي الوعي لدى المشاهد .
وكما نعرف أنه غير الأهل والمدرسة الشاشة هي شريك في التربية ، ونلاحظ اليوم أن ما لا يجرؤ الأطفال على قوله في البيت يسمعونه على الشاشة .
فأين الرقابة على هذه البرامج والإرشادات والنصائح؟ .
د. شحيمي : نحن بمأزق نفسي وإجتماعي
الطبيب المتخصص في الأمراض النفسية والعقلية فضل شحيمي اعتبر في حديث لموقعنا “إننا نحتاج إلى الفكاهة والترفيه في حياتنا كما نحتاج إلى الفيتامينات لكن علينا ان تحدد أي كوميديا نريد”.
وأضاف : في الوقت السابق كان الضحك له طعم آخر وكان يوجد قناعة وبساطة اما اليوم فاصبح الجمهور متطلبا وايضا مع وجود الحروب والخراب والدمار والويلات اصبحت الضحكة عزيزة ولا تخرج من اعماق القلب .
واعتبر أن ما يعرض اليوم على القنوات اللبنانية من برامج ترفيهية تحت عناوين : تسلية ، ثقافة ، تربية ، تعليم ، مصطلحات فارغة من مضامينها واذا ما اضفنا إليها انعدام الرقابة والربح السريع يظهر لنا كم حجم الكارثة التي يسوق لها الإعلام بقصد او غير قصد .
وتابع :”هذه الفوضى العارمة الضاربة أطنابها على شاشاتنا شوهت اذهان المشاهدين على اختلاف طبقاتهم فالكبار لا زالوا يقتاتون من تراثهم الراقي الذي اندثر وأهمل وغيّب، اما الصغار فهم مضطرون لمشاهدة وجبات سخيفة سريعة مادتها فقيرة وسطحية”.
واردف قائلا:”هذه الفكاهيات الممجوجة الموشاة بالإباحية والكثير من الإبتذال وان كان اصحابها يعتقدون انهم يروّحون عن نفس المشاهد ويسلونه ويضحكونه فهي في الحقيقة تجلب القرف والحزن ” .
واعتبر شحيمي أن الخروج من هذا المأزق النفسي الإجتماعي يحتاج إلى الكثير من الجهد والدراية والدراسة بل يحتاج الأمر إلى جهد جماعي تتعاون فيه اجهزة الإعلام والدولة والمؤسسات الخاصة .
إن رصد الهفوات والأخطاء من لفظ أو تصرف أو اخطاء في البرامج المباشرة واقتطاعها لتصبح مادة للسخرية والضحك هو شيء سخيف وغير أخلاقي كما ان نشر مواد سفيهة من صور وفيديو الخ وفرضها على الجمهور أمر مسيء وخطر فنوافذ الترفيه مطلوبة ولكن ليس ان تكون مشرّعة على الفساد، وعلى كل من يعمل في هذه البرامج أن يفكر كثيرا أن بناء شهرته لا يأتي على التجريح بالأخرين والضحك عليهم أو بالإنحلال الأخلاقي لكي يبدو ظريفا ومعاصرا .
المصدر: موقع المنار