“.. هذا النوع من الإخوة الشهداء… طبيعة المهمة الملقاة على عاتقهم لا تتيح لهم ولا لنا في حياتهم وقبل الشهادة أن نُعرّفهم للناس.. لذلك هم مجهولون وغير معروفين قبل شهادتهم، عند الشهادة يرى الناس صورهم، يعرفون أسماءهم، وقد يُفاجأون أحيانا بمكانة هذا الشهيد أو ذاك، وموقعه في هذه المقاومة…”.
“.. لكن أيضا بعد شهادتهم لا نستطيع أن نتحدث عنهم ولا نستطيع أن نُعرفهم للناس إلا باختصار شديد، والسبب في ذلك، أن حياتهم وأن إنجازاتهم وأن تفاصيل سلوكهم وشخصياتهم ممزوج وذائب وفان في هذه المقاومة وفي هذه المسيرة.. لأن ليلهم ونهارهم وسهرهم ودأبهم وجهدهم كله في خدمة هذا المسار وخدمة هذه المقاومة”.
هذا ما سبق للامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ان قاله واصفا القادة الشهداء في المقاومة الاسلامية وذلك في كلمته التي ألقاها في اسبوع الشهيد القائد حسان اللقيس، وكلام السيد نصر الله هذا ينطبق بشكل او بآخر على سيرة القائد الجهادي الكبير الشهيد مصطفى بدر الدين(السيد ذوالفقار) الذي عاش سنين حياته يلاحق الموت بمطاردته للاعداء، من خلدة وجسر المطار متصديا للعدو الصهيوني كنقطة انطلاق لمقارعتهم على امتداد الاراضي اللبنانية وفي مواجهة المشاريع الاميركية في المنطقة وصولا لقتال الأدوات التكفيرية.
مصطفى بدر الدين الرجل الذي أدخل الإحباط الى نفوس كل من أراد تصفيته معنويا كمقدمة لتصفية المقاومة وفلسطين، فهو لم يرتعد ولم يهتز فهو الثابت ثبوت الجبال منذ الطلقة الاولى في العام 1982 وكل ما بعدها من صموده في معتقله الكويتي بقرار أميركي وعودته الى قيادة المقاومة برتبة “ذوالفقار” حيث أغمد سيف الحق في قلوب الصهاينة مرات ومرات ولم يمل ولم يتعب، من تموز 93 الى نيسان 96 وصولا لانتصار العام 2000 ومن ثم النصر الالهي في 2006، رفض “البدر” التمهل وأكمل العمل ووجهته هذه المرة دمشق كي يجاور “الحاج رضوان” رفيق دربه في الحياة والشهادة، مصطفى بدر الدين رجل أدهش كل من عمل معه وعرفه حتى وصفه أحدهم ممن عايشوه “الشحم لم يكن لينبت على جسده لكثرة عمله وتعبه وقلة نومه وإتمام كل واجباته بدون أي إحساس بضرورة الراحة.. لانه كان يعتبر ان عدوه لا ينام فلماذا ينام هو..”.
هكذا قاد الشهيد بدر الدين الحرب النفسية…
ومن دون الدخول في تفاصيل العمل العسكري او الامني باعتبار ان المقاومة لا تكشف أسرار عملها ولو بعد سنوات طويلة، اكد أحد كوادر المقاومة الحاج “أبو علام”(الذي عمل لفترات طويلة مع الشهيد بدر الدين) ان “السيد ذوالفقار ساهم بتطوير عمل المقاومة العسكري لكن بالاضافة الى ذلك اهتمّ بجوانب اخرى غاية في الاهمية مما يرفد عمل وانجازات ونشاط المقاومة ومن هذه المجالات هو المجال الاعلامي على اختلافه لا سيما بما يخدم في الحرب النفسية مع العدو الاسرائيلي”.
وأشار “الحاج أبو علام” الى ان “الشهيد كان يركز بشكل دائم وكبير على اهمية الاعلام لا سيما الصورة والكاميرا في تظهير صورة المقاومة ودورها وعملياتها وانجازاتها للرأي العام وإيصال أخبارها للناس كي يضعهم في كافة التطورات لرفع المعنويات”، وتابع ان “الشهيد كان يتقن كيفية الاستفادة من الصورة والخبر في الحرب النفسية ضد العدو، وهو في سبيل ذلك كان دائم البحث عن احدث الطرق والتكنولوجيا التي تساعد في هذا الامر”.
“السيد ذوالفقار ساهم بشكل كبير بتطوير عمل الاعلام الحربي في المقاومة الاسلامية وجعله على الصورة التي هو عليها اليوم”، لفت رفيق الشهيد “الحاج أبو علام”، واضاف “في نفس الاطار كان الشهيد ينسج العلاقات الوطيدة مع الكثير من الاعلاميين والصحافيين ووسائل الاعلام على اختلافها سواء كانوا من مؤيدي المقاومة ام لا، بل كان يحرص على الانفتاح على الجميع دون استثناء لايصال الصورة الحقيقية للمقاومة ودروها ورسالتها بوجه العدو”.
وربما هذا الدور الاعلامي للشهيد بدر الدين هو ما جعل الاعداء يحاولون الخوض في هذه المعركة الاعلامية لتشويه صورته قبل وبعد الاستشهاد لانهم يعرفون ايضا ان الاعلام جزء من المعركة التي تساهم في تحشيد الرأي العام مع او ضد أي قضية.
وأوضح “الحاج أبو علام” ان “الشهيد السيد ذوالفقار كما كان شديد الاطلاع على كل التفاصيل المتعلقة بالعمل المقاوم كان يطلع ويدقق بكل التقارير التي يعدها الاعلام الحربي كي لا يكون فيها أي ثغرة فنية قبل ان تخرج للاعلام او اي ثغرة أمنية قد تسمح للعدو بتحقيق خرق ما في حربه ضد المقاومة”، ولفت الى ان “الشهيد كان يركز كثيرا على متابعة كافة اخبار العدو الاسرائيلي لا سيما في وسائل الاعلام العبرية لمعرفة كيفية الاستفادة منها في الحرب مع العدو”.
ومن الامور المميزة التي صنعها الشهيد ذوالفقار، كان كمين “أنصارية” الشهير في صيف العام 1997، حيث كان للشهيد الدور الاساس فيه تخطيطا وقيادة بالاضافة للاشراف على التنفيذ، وروى “الحاج أبو علام” او “الشايب” كما كان يحب ان يسميه الشهيد القائد “كيف اختار السيد ذوالفقار بدقة عالية المجاهدين الذين شاركوا في العملية وكيف أعدهم نفسيا وفكريا وحضرهم للقيام بالعملية عبر شرح مستفيض عن كل تفاصيل العملية الامنية والعسكرية واللوجستية والهندسية”، واكد “الحاج أبو علام” ان “السيد ذوالفقار بخبرته العسكرية والامنية العالية وذكائه الحاد استطاع ربط المعلومات المتوفرة ببعضها وقرأ كيف يفكر الاسرائيلي وكيفية تنفيذه للعملية والطرق التي ستسلكها القوة الصهيونية التي حضرت الى المكان، وانطلاقا من ذلك زرع العبوات ورسم خريطة انتشار المقاومين في المكان ما اثمر عملية انصارية الناجحة مئة بالمئة وباعتراف الصهاينة انفسهم”.
ولفت “الشايب” الى ان “القائد الشهيد أحاط عملية أنصارية بسرية عالية وحصرها بدائرة ضيقة جدا من الاشخاص حتى انه أخفى كل تفاصيل العملية عن الاعلام الحربي الذي كان يشرف عليه شخصيا”، واشار الى ان “اعلاميا يعمل لصالح وكالة اجنبية هو من صور اللحظات الاولى بعد وقوع عملية انصارية مباشرة من أرض المعركة ما جعل للعملية الصدى الواسع في كل أنحاء العالم وخصوصا في اسرائيل ما أدى الى حريك الرأي العام الاسرائيلي ضد قيادته العسكرية وحكومته وهذا ما كان فعلا”.
“غير معروف حتى الآن ما اذا كان للشهيد بدر الدين اي دور في وصول المصور الى ارض العملية وعن كيفية وصوله، فحتى العاملون في الاعلام الحربي لم يطلعوا حتى الآن على كيفية حضور الاعلامي الى ارض المعركة”، بحسب ما أكد “الحاج أبو علام”، واضاف “كان السيد ذوالفقار يوجه الاعلام الحربي لمخاطبة الجمهور الاسرائيلي واظهار ضعف جيش العدو امام انجازات المقاومين”.
وعن شخصية الشهيد بدر الدين وعلاقته بغيره، قال الحاج “أبو علام” إن “الشهيد كان رغم محبته العالية وقربه ممن يعملون معه كان صارما جدا خاصة في تفاصيل العمل ولا يقبل أي تقصير بأي شكل من الاشكال”، وتابع “كان قريبا من الجميع ويحترم كل من يعمل معه وكان يسبق غيره على القيام بالعمل بأعلى درجات الدقة”، واضاف “كما كان السيد ذوالفقار من الاخوة في العمل كان على مقربة من الناس والاهل، وانطلاقا من ذلك فهو كان دائم التفلت من الاجراءات الامنية التي تلزمه بها قيادة المقاومة فهو كان يعشق التواجد مع اهل المقاومة ومع نبض الناس”.
المصدر: موقع المنار