تُتهم التكنولوجيا بتقليل الذكاء العاطفي والرحمة لدى الأطفال. وبعيداً عن المفهوم المتداول للكلمة، يعرّف عالم نفسي التكنولوجيا بأنها آلية خارجية تعطّل قدرة الأطفال على أن يكونوا حاضرين بأفكارهم ومشاعرهم، ما يجعل حواسَّهم متبلدةً تجاه العالم والناسِ من حولهم.
يؤكد الطبيب النفسي المعالج، والكاتب الأميركي شون غروفر في مقال على صحيفة Psychology Today، أن وسائل التكنولوجيا الحديثة أحدثت فرقاً كبيراً في سلوكيات جيل الأمس واليوم.
تعد القدرة على الانفصال عن بيئة مُجهِدة ذات منافع. فعلى سبيل المثال، يمكن للاستماع إلى الموسيقى أن يخفّف الضغط من خلال إتاحة الفرصة لأخذ قسط من الراحة، ويُمكن لتطبيقات أخرى الحد من التوتر. ولكن تظهر المشكلة عندما يغلب التفاعل مع التكنولوجيا التواصل الهادف.
ومع زيادة الاعتماد على التكنولوجيا، يتحرك الأطفال في العالم المحيط في فقاعة نرجسية، مبتورين من أفكارهم ومشاعرهم، وكذلك من أفكار الآخرين ومشاعرهم. وفي حين تتلاشى مهارات المحادثة والتفاعلات الإيجابية، تبدأ التكنولوجيا في تشويه الشعور بالإنسانية لدى الأطفال؛ فتقِلُّ عندهم الرأفة والرحمة، ويتدنَّى إحساسُهم بالآخرين.
أما الطبيب دانيال غولمان، فيُعرِّف مصطلحَ الذكاء العاطفي في كتابه Emotional Intelligence بأنه قدرة الفرد على تحديد مشاعره ومشاعر الآخرين. ويُلاحظ أن الأشخاص الأذكياء عاطفياً لديهم علاقات صحية، وقدرة أفضل على التكيف مع البيئات المختلفة، وهم أكثر مهارة في العمل نحو تحقيق أهدافهم.
ويحدد الدكتور غولمان 5 صفات رئيسية تعزز الذكاء العاطفي هي: الوعي الذاتي، والتنظيم الذاتي، والمهارات الاجتماعية، والتعاطف، والتحفيز.
وتغيب هذه الصفات بدايةً عند الأطفال الصغار، وهنا يحل دور الأهل والمربين لتعليم الأطفال سبل تعزيز الوعي التام والاهتمام بالآخرين.
كيف تؤثر التكنولوجيا على المهارات الأساسية للحياة؟
1- إضعاف الوعي الذاتي: يعني قضاءَ الوقت على التكنولوجيا قضاءَ وقتٍ أقل مع الأفكار والمشاعر، وهما القلب النابض للذهن. ومع زيادة الاعتماد على التكنولوجيا، يعيش الأطفال في حالة من الاغتراب الذاتي، بعيداً عن ذواتهم العاطفية.
2- إضعاف التنظيم الذاتي: أثبتت البحوث أن الاعتماد على التكنولوجيا يزيد من الاندفاع ويقلل من قدرة تحمل مشاعر الإحباط. وبدون تطوير قدرة الأطفال على تنظيم الذات، يظلون غيرَ ناضجين عاطفياً وغارقين في سلوكيات الطفولة المبكرة، مثل: التنمر، ونوبات الغضب، والعصبية الزائدة.
3- تقليل المهارات الاجتماعية: حتى عندما يلعب الأطفالُ الألعابَ عبر الإنترنت مع الآخرين، فإن هذه العلاقات المجهولة نادراً ما تؤدي إلى صداقات حقيقية. وبهذه الطريقة، فإنَّ الاعتماد على التكنولوجيا يولِّد عوامل العزلة والانطواء. وكلما ازدادت هيمنةُ التكنولوجيا، قلَّ تطورُ المجتمع، وهذا يترك الأطفالَ بدون مهارات التأقلُم ويجعلهم قليلِي الحيلة في الانتقال بين العلاقات.
4- إضعاف العاطفة: عندما تحُل الشاشةُ مَحلَّ العائلة أو الأصدقاء، يتحرك الأطفال عبر العالم في حالة تشبه الغيبوبة، فيستهلكون أنفسهم، وينفصلون عن الآخرين. يتّسمون بسِمات عدم الرحمة والتعاطف، فيفتقرون إلى التناغم والوئام.
5- التحفيز المثير: يتطلب تعزيز الدافع نحو تحقيق الأهداف الشخصية حُسن الإدارة والانتباهَ المستمر ومستوياتٍ عاليةً من تحمُّل الإحباط، ولكن يصبح الأطفال المتعلقين بالتكنولوجيا كأي مدمن، يبدأون في إهمال أنفسهم ومستقبلهم.
راقبوا مثلاً ما يحدث عندما يضطر الأطفال المدمنون للتكنولوجيا فجأةً إلى التفاعل مع العالم، تجدون أنه سرعان ما يشعرون بالسخط وتعكر المِزاج، وذلك لأنهم لا يمكنهم السيطرة على العالم الحقيقي أو الناس الموجودين فيه، على عكس التكنولوجيا التي يتحكمون فيها. ونتيجةً لذلك، فإن الأطفال الذين يعانون من الاعتماد على التكنولوجيا يعانون من أعراض القلق أو الاكتئاب، عندما يواجهون خياراتِ الحياةِ الصعبةَ.
مبادئ أساسية للآباء
مهمة التكنولوجيا تعزيز حياة الأطفال، لا السيطرة عليها. لذا نصح غروفر الأهل بالسعي لوضع هيكل وحدود لاستخدام التكنولوجيا لجميع أفراد الأسرة وليس فقط الأطفال.
ويُمكن لتطبيق UnGlue أن يُساعد الآباء على تنظيم الوقت التي يمضيها أطفالهم على شبكة الإنترنت، ووضع حد أقصى للوقت الذي يقضونه على كل الأجهزة، حسب المدة التي تحددها أنت.
ويُمكن للآباء تتبع المدة التي يقضيها الأطفال على شبكة الإنترنت، وعندما يصلون إلى المدّة المسموحة، يُمكن للآباء منعهم من استخدام تطبيقاتٍ وألعابٍ معينة.
المصدر: هافينغتون بوست