بقلم د. كامل وزنة
كانت كوريا الموحدة قبل الحرب العالمية الثانية ،مستعمرة يابانية، فقد احتلت اليابان كوريا في العام 1910 بعدما خاضت اليابان حروبها ضد دول اسيا وضد روسيا، فقد هزمت اليابان الصين في الحرب اليابانية – الصينية الاولى في العام 1894-1895 كما سيطرت اليابان على مناطق عديدة تابعة للنفوذ الروسي بعد الحرب الروسية اليابانية عام 1904-1905. هذا الاحتلال الياباني لكوريا انتهى في 15 تموز 1945 في يوم تاريخي عندما اعلنت اليابان بأنها مستعدة للاستسلام وهكذا اعلن الرئيس الاميركي ترومن نهاية الحرب في المحيط الهادئ.
وفي هذا الوقت اتفقت روسيا واميركا على تقسيم كوريا الى قسمين جنوبي وشمالي، وكان الاتفاق ايضا ان تقسم اليابان بعد ان استسلمت، الى جزء تابع للولايات المتحدة وجزء تابع لروسيا وهكذا كان الموظفان في وزارة الخارجية الاميركية قد اتفقا على اتخاذ خط العرض 38 ليكون بعد ذلك حدود الدولتين الذي تسبب فيما بعد في حرب بين الكوريتين دامت ثلاثة سنوات ابتداءً من العام 1950 حتى العام 1953 والتي ذهب ضحيتها اكثر من خمسة ملايين شخص، هذه الحرب التي اطلق عليها اسماء عديدة ،منها النزاع الكوري والحرب المنسية وغيرها من الاسماء، لكن التاريخ يكتب أن هذه الحرب كانت أول حرب بين المعسكرين الغربي والشرقي.
وفي 25 حزيران 1950 وفي صباح الاحد تلقى الجنرال الاميركي دوغلاس ماكارثر اتصالا في في السفارة الاميركية في طوكيو يفيد أن خط عرض 38 قد تم تخطيه في الساعة الرابعة من ذاك الصباح من القوات الكورية الشمالية، وإن الالاف من جنود الجيش الاحمر الكوري قد تخطوا الحدود بطريقة لم يستطع ان يستوعبها الكورييون الجنوبيون. هذا الجنرال الاميركي اعتبر ان ما حصل لكوريا الجنوبية هو شيء مشين وسأل نفسه “كيف سمحت الولايات المتحدة لشيءٍ خبيث كهذا أن يحدث”؟
والحقيقة ان ما كان يتحدث عنه الجنرال الاميركي ويتساءل عنه هو هل كان هناك سياسة اميركية واضحة للولايات المتحدة في آسيا ” وأعتبرفي الكتاب الذي نشر فيه مذكراته عام 1964 أنه “ليس للولايات المتحد سياسة اكيدة في آسيا” .هذا الجنرال الذي خدم اكثر من خمسين عاما في الجيش الاميركي، كان نصفها خارج الولايات المتحدة قد ايقن بأن اي طريقة لمواجهة هذا التقدم الشمالي قد يؤدي الى المخاطرة في حرب عالمية ثالثة، وبالاخص اذا دخلت روسيا هذه الحرب، بالاضافة ايضا الى دخول الصين للقتال الى جانب الكوريين الشماليين والتي أثبت بأن الصين فعلا دخلت هذه الحرب بمئات الالاف من جنودها.
والواقع أنه عندما تم تقسيم كوريا الى كوريتين شمالية وجنوبية لم يكن هناك أي قوة امريكية لاستلام السيطرة على الجزء الجنوبي من المنطقة المقتطعة، فقد طلب ماكارثر في العام 1945 ان تبقى القوات اليابانية المستسلمة في اليابان والتي كانت قد احتلت كوريا لاكثر من خمسة وثلاثين عاما حتى تأتي القوات الأمريكية.
وقد كانت حرب الكوريتين بداية المواجهة الحقيقية بالنيابة ما بين الاتحاد السوفياتي واميركا” واعتبر الجنرال ماكارثر في مذكراته “أن قرار دخول الحرب اتخذ في واشنطن من رجال لم يفهموا كثيرا عن منطقة الهادئ وبالتحديد لم يفهموا اي شيء عن كوريا” وأضاف ماكارثر “كان واضحاً بأن هذه الحرب ستكون حربا ضد الامبريالية الشيوعية.
أبدى الرئيس ترومن سرعة مذهلة في اتخاذ القرار الى الحرب وهو الرئيس الذي استخدم القنبلة النووية الاولى التي ألقيت في تاريخ البشرية على اليابان والتي اجبرت فيما بعد اليابان على الاستسلام. لكن دخول المعركة ضد كوريا الشمالية كان بحاجة الى مسودة قانونية أممية دفعت الولايات المتحدة الى الطلب من الامين العام لهيئة الامم المتحدة ” تريغفه لي ” انعقاد مجلس الامن في جلسة خاصة لادانة اعمال القوات الكورية الشمالية والذي صدر عنه قرار رقم 82 والذي نادى بالاتي:
1 – إنهاء كافة العمليات العدائية وانسحاب كوريا الشمالية إلى خط عرض38.
2 – تشكيل لجنة للامم المتحدة في كوريا لمراقبة الوضع وابلاغ مجلس الامن.
3 – على جميع الأعضاء مساندة الأمم المتحدة في تحقيق ذلك والامتناع عن إمداد كوريا الشمالية بالمساعدة.
وقد تمت الموافقة على القرار دون إجماع وذلك يرجع إلى غياب الاتحاد السوفيتي المؤقت عن مجلس الامن وكان الروس قد قاطعوا مجلس الامن محتجين على ان مقعد الصين كان من المفروض ان ينتقل إلى الصين الشيوعية وليس ان يبقى في قبضة الكومنتانج الموجودين بتايوان – وهكذا في غياب الاتحاد السوفيتي وعدم قدرته على التصويت بالفيتو وامتناع دولة وحيدة عن التصويت هي يوغوسلافيا صوتت الأمم المتحدة على مساعدة كوريا الجنوبية في 27 يونيو وتولت الولايات المتحدة تنفيذ القرار واشترك مع قواتها بالجنود والمؤن 15 دولة عضوة بالأمم المتحدة هم: كندا، أستراليا، نيوزيلاندا، بريطانيا، فرنسا، جنوب أفريقيا، تركيا، تايلاند، اليونان، هولندا، إثيوبيا، كولومبيا، الفلبين، بلجيكا، لوكسمبورغ ودول أخرى وبالرغم من كثرة الدول المشاركة فقد تحملت الولايات المتحدة توفير 50% من القوات البرية (تحملت كوريا الجنوبية معظم الباقى) و86% من القوة البحرية و93% من القوات الجوية.
وهكذا خاض الحلف الغربي حربه ضد الشيوعية ورغم القتل والدمار الذي انتهت اليه الحرب بإتفاقية سلام بدون غالب ولا مغلوب بقي الشعب الكوري ينتمي الى دولتين شمالية وجنوبية مع اتفاق لوقف اطلاق النار في تموز من العام 1953وما زال خط العرض 38 الذي يفصل بين الكوريتين يشكل نقطة النزاع الحدودي حتى يومنا هذا.
المصدر: كتاب أميركا والتحديات الكبرى