نص الخطبة
في الخامس والعشرين من شهر شوال مرت علينا ذكرى وفاة الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع) .
والإمام جعفر الصادق(ع) هو الإمام السادس من أئمة اهل البيت (ع) الذين أذهب الله عنهم الرجس وتطهرهم تطهيرا، وفرض علينا جميعا موالاتهم واتباعهم وطاعتهم.
أبوه هو الإمام محمد الباقر(ع) وجده هو الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) وأمه هي فاطمة بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر.
ولد (ع) في المدينة المنورة يوم الجمعة أو الإثنين عند طلوع الفجر في 17 ربيع الأول سنة 80 هجرية. أي في نفس اليوم الذي يصادف فيه ذكرى ولادة رسول الله محمد بن عبدالله(ص).
كنيته: ابو عبد الله، ولقبه: الصادق، وإنما لقب بالصادق لشدة صدقه.
اشهر زوجاته: هي حميدة بنت صاعد المغربي، وأولاده هم إسماعيل وعبد الله والإمام موسى الكاظم (ع) وإسحاق ومحمد الديباج والعباس وعلي، وأما بناته فهن: أم فروة وأسماء وفاطمة.
عاش الإمام الصادق (ع) ثمانية وستين سنة وهو أكبر الأئمة سنا وكانت مرحلته في أواخر الحكم الأموي وبداية الحكم العباسي ومدة إمامته: أربع وثلاثون سنة.
استشهد (ع) في الخامس والعشرين من شهر شوال سنة 148 هـ متأثراً بسم دسه إليه المنصور العباسي على يد عامله على المدينة محمد بن سليمان، ودفن (ع) في مقبرة البقيع في المدينة المنورة إلى جنب أبيه الإمام الباقر وجده الإمام زين العابدين وعمه الإمام الحسن (عليهم السلام).
ومن المعروف أن الشيعة من أتباع أئمة أهل البيت(ع) ينتسبون الى هذا الإمام العظيم، فيقال لكل من يتولى أئمة أهل البيت(ع) ويتبع منهجهم بأنه جعفري، نسبة الى الإمام جعفرالصادق(ع)
باعتبار أن الإمام جعفر (ع) تسنى له أن يوضح المعالم التفصيلية لمنهج أهل البيت(ع) الذي هو منهج الإسلام الأصيل، وأُتيحت له فرصة لنشر علومه ومعارفه لم تتح لغيره من الأئمة(ع)، حيث إن الصراع الذي كان قائماً بين الأمويين والعباسيين في مرحلة الإمام جعل الحكام الظالمين الذين كان شغلهم الشاغل التضييق على ائمة أهل البيت(ع) واضطهادهم ومنعهم من ممارسة دورهم في العالم الإسلامي، جعلهم ينشغلون عن الإمام وينصرفون عن متابعته وملاحقته والتضييق عليه، فاستفاد الإمام(ع) من هذه الفرصة التاريخية ليقوم بدوره وليبث معارفه الدينية والإنسانية في المجالات المختلفة، واجتمع حوله العلماء والمفكرون من كل العالم الإسلامي ينهلون من علومه التي هي مستمدة من علم جده رسول الله(ص) حتى أن احد المؤرخين يقول: دخلت مسجد الكوفة، فإذا فيه /900/ شيخ واستاذ كل يقول حدثني جعفر بن محمد الصادق.
قد حدد الإمام الصادق مواصفات شيعته وأتباعه ووضع معايير للتشيع وللولاء الحقيقي لأهل البيت(ع)، لأن البعض قد تلتبس عليه الأمور فيعتبر أن التشيّع لأهل البيت(ع) يعني أن يعتقد الشخص بإمامتهم وبمقامهم ومكانتهم المتميزة التي وضعهم الله تعالى فيها، أو أنّ التشيّع لأهل البيت يعني إظهار المحبة والمودة لهم أو إظهار الفرح أو الحزن في مناسباتهم ، وهذه الأبعاد والمعاني من مصاديق التشيّع والولاء، لكنها ليست هي كل شيء ، التشيع ليس مجرد اعتقاد بمقام أهل البيت(ع) أو مجرد حب ومودة وعاطفة وفرح وبكاء، فلا يظنّ من يبكي على الإمام(ع) في يوم وفاته، أو يفرح بمناسبة مولده أنه قد فعل ما عليه وانتهى الأمر، لّا، التشيّع الحقيقي وفقًا لأئمة أهل البيت(ع) يتمثل في التقوى والطاعة لله سبحانه وتعالى.
وقد ورد عن جابر بن يزيد الجعفي أنه قال، قالي لي أبو جعفر الباقر(ع) : يَا جَابِرُ، أَيَكْتَفِي مَنِ انْتَحَلَ التَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَوَاللَّهِ، مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَأَطَاعَهُ، وَمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ، وَالتَّخَشُّعِ، وَالْأَمَانَةِ، وَكَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ، وَالصَّوْمِ، وَالصَّلاةِ، وَالْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ، وَالتَّعَاهُدِ لِلْجِيرَانِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَأَهْلِ الْمَسْكَنَةِ، وَالْغَارِمِينَ، وَالأَيْتَامِ، وَصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَتِلاوَةِ الْقُرْآنِ، وَكَفِّ الأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلا مِنْ خَيْرٍ، وَكَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي الْأَشْيَاءِ .
واللافت في الرواية أنّ الإمام الباقر(ع) يقسم قسمًا بأن مجرّد إضمار المحبة لأهل البيت، أو إعلان الولاء لهم باللسان، لا يعدو سوى انتحال للتشيّع، أي انتماء كاذب وادعاء كاذب، أمّا التشيّع الحقّ فهو المتمثل في تقوى الله وطاعته سبحانه وتعالى.
فالحب والعاطفة والمظاهر الولائية لوحدها ليست جوهر التشيّع، إنما جوهر التشيّع هو طاعة الله واتباع الإمام والعمل بتعاليمه وسنته، وبدون ذلك لا فائدة من كلّ الاعتقادات والمظاهر .
ولعلّ أبلغ ما يدل على هذه الحقيقة هو قول الإمام الصادق(ع): «إنّما إنا إمام من أطاعني» فالمقياس بحسب الإمام هو الاتّباع الحقّيقي له ولسيرته وتوجيهاته وتعاليمه، وأكثر ما يحبّه أئمة أهل البيت(ع) ويفرحون به في مناسباتهم هو أن يروا شيعتهم مطيعين لربهم وملتزمين تعاليم أئمتهم.
وعن الإمام الصادق(ع): «ليس من شيعتنا مَن قال بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا» .
وجاء في رواية عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «إنّما شيعة عليّ من عفّ بطنه وفرجه واشتدّ جهاده وعمل لخالقه ورجا ثوابه وخاف عقابه فإذا رأيت أولئك، فأولئك شيعة جعفر»، وبذلك ينزع الإمام صفة التشيّع عمّن لم تكن فيه هذه الصفات، وإن ادّعى وتظاهر بكلّ مظاهر التشيّع.
ويقول(ع): شيعتنا أهل الهدى, وأهل التقى ,وأهل الخير, وأهل الإيمان, وأهل الفتح والظفر.
ويقول (ع) لأحد أصحابه (عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد, وصدق الحديث, وأداء الأمانة, وحسن الخلق, وحسن الجوار, وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم, وكونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا.
اليوم نحن بحاجة إلى هذا السلوك والى تقديم هذه الصورة الناصعة والمشرقة عن ديننا وقيمنا وأخلاقنا، خصوصاً في هذه المرحلة وفي هذا الوقت الذي يقدم فيه بعض أدعياء الإسلام التكفيريين الارهابيين صورة مشوهة عن ديننا وأخلاقنا.
اليوم داعش وجبهة النصرة وكل الفصائل التكفيرية المتوحشة بمسمياتها المختلفة تقدم مثل هذه الصورة المشوهة عن الاسلام وهي لا تتورع حتى عن تكفير بعضها البعض وعن قتال بعضها البعض وارتكاب مجازر بحق بعضها وما يحصل في ادلب وريفها بين حركة أحرار الشام وجبهة النصرة او ما يسمى بهيئة تحرير الشام عن طبيعة هذه الوحوش المتعطشة لسفك الدماء. جبهة النصرة وداعش يحتلان أراض لبنانية في جرود عرسال ورأس بعلبك واستمرار هذا الاحتلال يشكل تحدياً وخطراً وتهديداً حقيقياً لكل اللبنانيين ولكل المناطق اللبنانية.
التكفيريون في جرود عرسال ورأس بعلبك لا يهددون حزبا او تيارا او طائفة او منطقة معينة وانما يهددون جميع اللبنانيين بكل طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم وانتماءاتهم
ولذلك معركة تطهير جرود عرسال من التكفيريين يجب أن تكون معركة كل لبنان واللبنانين مع من يحتل ارضهم ويهدد أمن بلدهم وليس معركة المقاومة وحدها، يجب أن تكون معركة الجيش والشعب والمقاومة، ولبنان بالتعاون والتكامل بين الجيش والشعب والمقاومة قادر على استئصال هذه الجماعات وانجاز هذه المهمة الوطنية لحماية أرضه وشعبه من الارهاب التكفيري.
وفي الوقت الذي نعمل على مواجهة الارهاب التكفيري فان أعيننا مشدودة الى القدس والمسجد الأقصى الذي يتعرض اليوم لأبشع هجمة صهيونية، حيث يقوم جنود الاحتلال بانتهاك حرمة المسجد المقدس، ومنع الصلاة فيه، موقعين عشرات الجرحى في صفوف أبناء القدس الذين يقفون وحدهم مدافعين عن حرمة هذه البقعة المقدسة، ومقدمين دماءهم حفاظا عليها من إجرام المحتلين”.
العالم العربي الصامت والساكت يجب أن يتعلم من أبناء الشعب الفلسطيني ومن آل الجبارين الذين ضحوا بارواحهم من اجل حرمة المسجد كيف يكون الدفاع عن المسجدالأقصى وكيف يقدمالمقاومون أرواحهم رخيصة من أجل تحرير الأرض والعرض واستعادة الكرامة والاستقلال والحرية.
إن ما يقوم به الشعب الفلسطيني في الدفاع عن الأقصى يجب أن يقتدي به كل أصحاب الروح الأبية الرافضة للذل والاحتلال، وهو درس ينبغي أن يتعلمه كل الأحرار في أمتنا لمواجهة كل المستكبرين والمحتلين والظالمين.
ان استفحال الاعتداءات بهذا الشكل وتكرارها بشكل يومي، يؤكد أن الصهاينة يتحركون دون خوف أو قلق، مرتاحين للصمت العربي والتواطؤ الدولي وتخلي الشعوب عن مسؤولياتها.
على أمتنا العربية والإسلامية أن تأخذ المبادرة للدفاع عن مقدساتها ولحماية تراثها وتاريخها، ومن الأجدى بل من الواجب اليوم أمام ما يحصل في فلسطين أن تتوجه كل الطاقات والإمكانات لحماية المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، بدل توجيه البعض من الأنظمة العربية والمتحكمين بمصير شعوبنا، إمكانات الأمة وثرواتها وأموالها لتمزيق وحدتها وتدمير بلدانها وزرع الفتن بين أهلها وازكاء الحروب بينها وفي صفوفها.
المصدر: موقع قناة المنار