أدى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان صلاة عيد الفطر المبارك لهذا العام في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، بعد أن ألقى خطبة العيد، وقال فيها :”نعم ما يجري في مناطقنا ودولنا ليدمي القلب، ويدعونا إلى أن نرفع الصوت باتجاه كل من يسمع ويعي، محذرين من مخاطر ما يجري، وإلى ما قد يستجره على أمتنا وشعوبنا من ويلات وخراب ودمار. فأي إسلام هذا! وأي دين ندين حتى نتنازع ونتخاصم ونسقط في شباك الفتن! ألم يحذرنا رسول الله(ص) من الفتنة! ألم ينهانا عن قتل بعضنا بعضا! ألم يدعونا إلى الوحدة والتآخي! ألم يأمرنا الله سبحانه وتعالى بأن نكون في سبيله صفا كالبنيان المرصوص؟ أين هي هذه الوحدة؟ وأين هو هذا البنيان المرصوص؟ ونحن على هذا النحو من التشرذم والفوضى والحروب التي تدمر دولنا، وتقتل شعوبنا، وتهجر أبناءنا، وتتيح لمن يريد الكيد لنا بأن يفعل ما يشاء، وينهب ما يشاء، ويقسم ما يشاء، ويبني مصالحه على حساب خرابنا ودمارنا وفقرنا وجوعنا. أين أصحاب العقل؟ أين أصحاب الرأي والحكمة؟ ألا يوجد في هذه الأمة من ينادي بالحوار ويقول: تعالوا إلى الصلح، تعالوا إلى شبك الأيدي ووقف الخصام، تعالوا إلى قوله تعالى (إنَ هَذه أمَتكم أمَة وَاحدَة وَأَنَا رَبكم فَاعبدون). ما هذه المدارس التي صنعتموها، وهذا الإرهاب الذي دفعتم الأموال طائلة لصناعته! فها هو ينقلب عليكم، ويهدد عروشكم، ويستهدف دوركم، فهل من يقظة وانتفاضة على كل ما دبرتم وخططتم؟ هل من توبة نصوحة ولو بعد خراب العراق وسوريا واليمن، تنطلقون بعدها إلى وحدة تجمعكم، وشراكة تضمكم، ومودة تؤاخي بينكم، ومسيرة تظهر حقيقة الإسلام الذي شوهتموه بأموالكم، وحولتموه إلى خلايا إرهابية لا ترى الله إلا محبا للقتل وسفك الدماء، فخدمتم إسرائيل، وحرضتم على كل من يقول لا إله إلا الله”.
وأضاف :”اتقوا الله أيها القادة والزعماء في هذا اليوم المبارك، اتقوا الله أيها الملوك والأمراء والرؤساء، وانزعوا من قلوبكم كل غل، ومن عقولكم كل رهان وارتهان، وتصافحوا وتناصحوا وتكاتفوا، فأنتم وشعوبكم وخيراتكم وثرواتكم في خانة الاستهداف والابتزاز، فلا تنخدعوا، ولا تتواكلوا، ولا تظنوا يوما بأن المال يحميكم ويدفع عنكم، بل محبة الناس تبقى هي المعتمد وهي الأساس، فاستيقظوا وكونوا في مستوى هذه المرحلة العصيبة، واعملوا على تجاوزها بإقفال مدارس الإرهاب، والقضاء على بؤره، بالتعاون والتعاضد في ما بينكم، وبإظهار الإسلام الحقيقي الذي هو دين السماح والانفتاح، والكلمة الطيبة، وتعانقوا مع طهران التي كانت وستبقى عضدا لكم، وسندا إلى جانبكم في مواجهة أعداء هذه الأمة. فأوبوا إلى الله واذكروا ميثاقه فيكم، بألا تسفكوا دماءكم، ولا تخرجوا أنفسكم من دياركم، فأنتم أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما المزيد من الحرب والتهجير والتكفير، وهذا يعني أن المنطقة باتت قاب قوسين أو أدنى من الانتحار العام، وإما الدخول في تسوية تحفظ ما تبقى، وتؤسس لشراكة إقليمية تحول دون الانهيار التام”.
واردف سماحته: “أما في لبنان، فدعوتنا كانت ولا تزال وستبقى، دعوة إلى الحوار والمصالحة والتوافق والمشاركة، واعتماد المنهجية السياسية التي تخرجنا من دويلات الطوائف ومصالح القوى السياسية، إلى دولة الوطن الجامع والحاضن لأبنائه، دولة المواطنة والتنوع والكفاءة والانتماء إلى بلد لا نريده إلا منارة ونموذجا يحتذى، ورسالة تقتدى، يكون فيها المسلم والمسيحي، جنبا إلى جنب، تجمعهما أخوة الإنسانية، ولا تفرقهما مصلحة من هنا أو ارتهان من هناك، فمصلحتهما واحدة هي لبنان الواحد. فكما أن شراكة الجيش والشعب والمقاومة أكبر ضامن للبنان، فإن الشراكة السياسية والعدالة الاجتماعية، وتزخيم دور المؤسسات الخدمية والأمنية أكبر ضامن لمصالح شعب لبنان وشراكته الوطنية.
وأضاف :”هكذا نريد لبنان أيها الإخوة، ولهذا سنستمر في مطالباتنا ومناشداتنا للجميع، بأن ينصرفوا بعد إقرار قانون الانتخاب إلى إدارة شؤون الدولة، وبناء مؤسساتها، وتطبيق ما تم الاتفاق عليه في اللقاء التشاوري الذي عقد في القصر الجمهوري، واعتماد الشفافية في التنفيذ، ومتابعة القضايا التي تهم الناس، وتعالج مشاكلهم الحياتية والاجتماعية، وفق برامج تنموية، ورؤى اقتصادية، تؤمن فرص العمل، وتزيد الناتج القومي، وتخفف من الدين العام، وتشعر الناس بشيء من الاستقرار المجتمعي، والاطمئنان النفسي الذي يلجم الجريمة، ويضع حدا لهذا التفلت، ولهذه الفوضى التي باتت تشكل خطرا على السلم الأهلي في ظل هذا الضيق المعيشي، وهذا الازدحام السكاني، الذي سببه النزوح السوري، حيث باتت معالجته أمرا ملحا، بما يؤمن عودة الإخوة السوريين إلى بلدهم آمنين، وذلك بالتواصل والتنسيق مع الحكومة السورية، التي ينبغي أن تكون جاهزة ومتجاوبة في هذا الشأن”.
وختم: “نعم نريد وطنا ودولة، نريد مؤسسات، نريد قضاء مستقلا، نريد محاسبة ومراقبة وهيئات تفتيش، نريد محاربة للفساد، وملاحقة للمفسدين، نريد إدارة نظيفة، نريد كفاءات لا محسوبيات، نريد مناقصات لا صفقات، نريد جيشا قويا وقوى أمنية محسوبة على الوطن لا على السياسيين، تطبق القانون، وتلاحق المخلين والمجرمين، دون استئذان من أحد، أو غطاء من أحد، فقط القانون وحده هو الذي يغطي الجميع ويحمي الجميع، لأن معنى أن نكون ربانيين يفترض أننا لا نقبل ظلما سياسيا، ولا بؤسا اجتماعيا، ولا انتشارا للجريمة، ولا فسادا أخلاقيا، ولا تضييعا للأولويات، لأن الوطن وطن بالعدل والشراكة، وخدمة الناس، وتأمين حاجاتهم، وضمان مصالحهم، فإذا لم يكن كذلك، لم يعد وطنا”.