يُعدّ يوم المعلم مناسبة سنوية تحتفل بها العديد من الدول، وفي لبنان يمثل هذا اليوم فرصةً لتكريم المعلمين وتقدير جهودهم العظيمة في إعداد الأجيال القادمة. فالمعلم هو الركيزة الأساسية في بناء مجتمع متقدم، إذ تسهم رسالته في صقل عقول الطلبة وتوجيههم نحو المستقبل.
وتُعدّ مهنة التعليم من أسمى المهن وأصعبها، إذ تقع على عاتق المعلمين مسؤولية كبرى في تشكيل شخصيات الطلاب وتنمية مهاراتهم الحياتية وتعزيز معارفهم. لذا، فإن تأثير المعلم لا يقتصر على سنوات الدراسة فحسب، بل يمتد ليبقى حاضرًا في حياة الطالب طوال مسيرته.
في هذا اليوم، يجب أن نستذكر تضحيات المعلمين، ونعمل جاهدين على تحسين أوضاعهم، لضمان بيئة تعليمية سليمة تُعدّ الأجيال للمستقبل.
في عيد المعلّمين، الدّعوة لإنصافهم ومنحهم حقوقهم كاملة بأسرع وقت ممكن.
حقوق الأساتذة وكرامتهم… مصلحة وطنية.#عيد_المعلم pic.twitter.com/71tuMKiuiC— Tony Frangieh (@TonyFrangieh) March 9, 2025
واقع المعلم في لبنان.. نضال مستمر
وفي السياق، صرّح الأستاذ حيدر خليفة، أمين سر رابطة التعليم الثانوي في لبنان، لموقع المنار قائلاً: “واقع المعلم في لبنان اليوم هو واقع نضالي، فهو يبذل كل جهوده ويحمل مسؤولية رسالته رغم الصعوبات”. وعند الحديث عن وضع المعلم، لا يمكن إغفال دور المديرين، والنظّار، والأساتذة، والعاملين في المدارس، فجميعهم يعملون بأدنى المقومات.
وأضاف خليفة: “ما يدفعنا للاستمرار هو الضمير المهني والمسؤولية الاجتماعية تجاه طلابنا والمجتمع، خاصة في ظل الأزمات التي مرت بها البلاد. يجب أن نعيد طلابنا إلى أجواء تعليمية سليمة بعيداً عن الأزمات التي عاشوها، غير أن ذلك يحدث ضمن واقع معيشي شديد الصعوبة، حيث لم يعد دخل المعلم يكفيه حتى الثلث الأول من الشهر”.
وأشار إلى أنه “من المفترض أن يكون المعلم قادراً على أداء دوره الجاد، لذا يجب على الحكومة أن تنظر إليه كما تنظر إلى بقية موظفي القطاع العام، وأن تؤمّن له حياة كريمة، ليس ترفاً، بل معيشة تضمن له تأمين احتياجاته حتى نهاية الشهر”.
وقال خليفة: “لقد كنا واعين للواقع في البلاد، لذلك لم نضع سقفاً عالياً لمطالبنا. نسعى حالياً لتجاوز العقبات، بدءاً من موضوع الامتحانات الرسمية وصولاً إلى تطوير المناهج والإجراءات الإدارية داخل وزارة التربية”.
لا صوت يعلو فوق الصوت المعيشي
بسبب التضخم وارتفاع سعر الدولار، أصبح المطلب الأساسي اليوم لدى المعلمين هو اعتماد سلسلة جديدة من الرواتب والترتيبات التي تعيد للمعلم مكانته ودوره. وعند تحقيق ذلك، يمكن الانتقال إلى مناقشة سبل تطوير أداء المعلمين والمناهج وسائر الجوانب التربوية. لكن في الوقت الراهن، اعتبر خليفة أنّه “لا صوت يعلو فوق الصوت المعيشي، الذي يُفترض أن يُؤمَّن للمعلم بكرامة”.
وشدد على أن “المطلب الأساسي والمزمن هو اعتماد استراتيجية واضحة تقوم على إعادة هيكلة الرواتب لضمان حقوق المعلمين”.
وتابع خليفة قائلاً: “فيما يخص تعامل الحكومة مع هذا الملف، فإن المعنيين يتابعون معها بشكل مباشر. ومع نهاية العهد الحكومي السابق، أبدى رئيس الحكومة اهتمامه بالموضوع، وطلب من معالي وزير التربية إعداد مرسوم بهذا الشأن”.
وأشار إلى أن “المرسوم موجود حالياً لدى مجلس الوزراء، ومن المفترض أن تتخذ الحكومة الحالية قرارها بشأنه. إضافة إلى ذلك، تم الاتفاق على الاستمرار في دفع بدل الإنتاجية بالدولار، الذي تم تأمينه كسلفة من الخزينة. ومن الضروري أن تستمر هذه السلفة في ميزانية عام 2025 حتى نهاية العام”.
وأكد خليفة أن “المطلب الأساسي هو التعامل مع الحكومة بصفتهم جزءاً من القطاع العام ككل، والعمل على إعداد سلسلة جديدة من الرواتب”. كما اعتبر أنه “من الضروري أن يكون لمعالي وزير التربية والتعليم العالي دور أساسي داخل مجلس الوزراء، وأن يتم استكمال ما تم الاتفاق عليه مع الحكومة السابقة، نظراً لاستمرارية عمل الحكومة”.
وأضاف: “يجب أن تكون الحكومة الصوت المدافع عن تحسين الواقع المعيشي للمعلمين، خاصة أن ما تم التوافق عليه لهذا العام الدراسي تأثر بالظروف الاقتصادية الصعبة وبأوضاع الحرب”.
واقع المدارس الرسمية
أما بالنسبة إلى واقع المدارس الرسمية، فمن الناحية التربوية، يمكن القول إنه واقع جيد، حيث تضم المدارس الرسمية كادراً تعليمياً متميزاً، وتُبذل جهود كبيرة من قبل الهيئات الإدارية والتدريسية. لم تعد المدارس الرسمية مقتصرة على الفئات الفقيرة، بل باتت خياراً لمختلف شرائح المجتمع.
بفضل تضحيات المعلمين في السنوات الماضية، أصبحت المدرسة الرسمية بمستوى تعليمي جيد ومقبول، وتسير نحو مزيد من التحسن. ومع ذلك، فإن الاستمرارية والتطوير يتطلبان توفير عدة مقومات، أبرزها:
1. ضمان استقرار المعلمين مادياً ومعيشياً لضمان استمرار عطائهم.
2. تحسين الوضع المالي للمدارس الرسمية، وخاصة صناديق التعليم الأساسي التي تعاني من نقص في الموارد.
3. دعم صناديق التعليم السنوي وتأمين الموارد المالية اللازمة.
4. تحديث البنية التحتية للمدارس الرسمية عبر توفير التكنولوجيا الحديثة وتطوير المختبرات، لمواكبة التطورات الرقمية.
وختم خليفة قائلاً: “هذه الجهود ضرورية للوصول إلى مستوى التعليم الرسمي الذي نطمح إليه، وضمان بيئة تعليمية متقدمة تلبي احتياجات الطلاب وتواكب متطلبات العصر”.
مناقشات مجلس الوزراء حول أوضاع المعلمين
في الجلسات الأخيرة لمجلس الوزراء اللبناني، تم مناقشة مجموعة من البنود المتعلقة بتحسين واقع المعلمين والأساتذة في لبنان، بهدف ضمان حقوقهم وتحسين أوضاعهم. ومن أبرز هذه البنود:
– زيادة بدل الإنتاجية: تم اقتراح زيادة بدل الإنتاجية للمعلمين ليوازي بدل إنتاجية أساتذة الجامعة اللبنانية.
– رفع أجر الساعة للمتعاقدين*: شمل النقاش رفع أجر الساعة لجميع المتعاقدين، بما في ذلك المستعان بهم والإجرائيين.
– تمويل صناديق المدارس: تم التطرق إلى ضرورة تأمين تمويل لصناديق المدارس على المستوى الوطني.
بالإضافة إلى ذلك، أعربت رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الرسمي الأساسي، نسرين شاهين، عن أن بعض البنود المدرجة في جلسة الحكومة كانت مبهمة، مشيرةً إلى أن بند بدل النقل تم إقراره بمرسوم في فبراير 2022، لكنه لم يُنفَّذ بعد. وأكدت أن التنفيذ الفعلي للإجراءات يتطلب تحويل الأموال المتاحة.
إلا أنه لم يتم الإعلان عن إقرار نهائي لهذه البنود أو بدء العمل بها بشكل رسمي حتى اليوم.
إن المعلم هو الركيزة الأساسية للنظام التعليمي، وبالتالي فإن الاهتمام به وتلبية احتياجاته ليس مجرد حق له، بل استثمار في مستقبل لبنان التعليمي. النظر في واقع المعلم في لبنان يعد خطوة أساسية نحو تحسين وضعه وضمان حقوقه، وعلى المعنيين تبنّي سياسات فعالة تدعم المعلم وتحسّن من وضعه الاجتماعي والمادي.
المصدر: موقع المنار