ثمانون من الأحوال قارب عمر الكيان الصهيوني منذ التأسيس وحتى أيامنا، خاض فيها مراحل متعددة، من بداية إعلان ذلك الكيان والتوسع الذي امتد في أرجاء مترامية، لدرجة عدم الاعلان عن الخارطة الكاملة لذلك الكيان، طمعاً في قضم أراضٍ من جهات متعددة ومن بلدان عدة، يقوم بعدها بتثبيت نهائي لخارطته التوسعية قولاً وفعلاً وتفكيراً.
وقد استمر التمدد والتوسع يوماً بعد يوم حتى بدايات النكسات التي لحقت به عندما قرر بعض العرب، دولاً كانو، أفراداً أو جماعات، بمحاولة التخلص من قيود فرضتها عدة عوامل لعلّ أبرزها فيما مضى كانت الامبراطورية البريطانية، لتتلوها لاحقاً غدة سرطانية نشرت الفساد في أنحاء شتى من نواحي الأرض تدعى الولايات المتحدة الأميركية، ولا تزال داعمة بكل ما أوتيت من سبل لذلك الكيان المصطنع.
لم يشهد الكيان ما حلّ به اليوم من نكسات وهزائم تتابعت في غير جبهة، مطلقة انذار الخطورة الكبرى لوجوده واستمراره الحفاظ على مكتسبات حققها في سنين خلت، من توسع في حدوده وارساء أمن واستقرار منقطع النظير في كافة نواحيه المترامية، الا الأمن الاجتماعي والاحساس ضمنياً بالعيش داخل بوتقة الكيان الواحد، ضمن مجتمع متماسك بين معظم أطياف وأطراف فئاته، الى أن تحولت النظرة وتغيرت المفاهيم، ليصل الى مرحلة التهديد الوجودي المنذر بتآكل هذا الكيان، منذراً بأن عقدة الثمانين قد أطلت، معلنة قرب الزوال وبداية الفناء.
حالة الانقسام التي يعيشها الصهاينة اليوم، لم تشهدها ساحات أحداثه منذ قيامه، حتى اليوم. صحيح أن ظاهر التباين يتمثل في موضوع الأسرى وعملية التبادل ومتعلقاتها، الا أن الواقع والحقيقة أعم من ذلك كله، فبعد أن كان الكيان بكله وكلكله، يتعايش مع فكرة الوجود والبقاء الأزلي لكامل قاطني هذا الكيان، يميناً متطرفاً كان، أو غيره، ضمن حديقة المجتمع الواحد الذي تجمعه المواطنة الداخلية رغم أي اختلافات قد تحصل، ضمن ثابت لا يمكن أن يتبدل عبارة عن القرار الأزلي بالتعايش بين الجميع فيما بينهم، رغم وجود أي تباينات، جاءت الأحداث التي توالت، مبرزة تباينات صهيونية داخلية، سهلة الوصول الى قتال دامٍ بين تلك الأطراف، ناسفة نظرية العيش الداخلي الهادىء.
بركات طوفان الأقصى وما بعده، لم تظهر هشاشة الكيان وضعفه فحسب، بل أضاءت على التشرذم الذي وصل اليه هذا الكيان، معلناً دق ناقوس خطر التعايش الداخلي الذي لن يعرف طريقه بعد اليوم، لتتضح للعوام حقيقة بدأت بالظهور بعدما حاولوا اخفاءها، أن الشارع الصهيوني اليوم يغلي من أقصاه الى أقصاه، وما كان يبدو من ظواهر ديقراطية متناهية يعيشها بني صهيون، صار اليوم يتجلى غلياناً وتحركات تقرب نار الحرب الداخلية من الاشتعال في أي لحظة.
التركيبة الصهيونية الداخلية الهجينة، التي اقتطعت قليلاً من كل بيئة لينشأ هذا المجتمع، حملت في زواريبها كثيراً من تناقضات بين مجتمعات ما انصهرت يوماً داخل بيت واحد، من تنوعات جغرافية بين الغرب والشرق واختلاف المفاهيم والعقول الى تعدد في طرائق التفكير والعيش والاستمرار، حتى التباين الطبقي الحاصل بين أطراف الكيان، وصولاً الى تباعد بين مواطنين عاديين وحريديم، أو يمين متطرف مع اعتدال، وما يتلوها ما تبيانات واختلافات، احتاجت الى الشعلة التي تلهب هذه الفروقات وتبرزها، وهي شعلة كبيرة اليوم، بل مجموعة نيران ممتدة من فلسطين الى ايران، مروراً بكافة دول محور المقاومة وما يوجبه من أساليب مواجهة متعددة الوجوه اليوم حصلت وتحصل وستحصل، ردود صارت من بعض دول هذا المحور، وأخرى ستحصل في أي فرصة، تاركة ظلال غيوم قاتمة سوداء على كيان ما اعتاد أن يعيش ما يعيشه اليوم، ليسير عداد توقيت النهاية بسرعة كبيرة، مؤكداً أن وعد السماء قد اقترب، وأن نهاية النهاية باتت قاب قوسين أو أدنى، لعل حرباً أهلية تلوح بوادرها مع كل تظاهرة وتحرك، قد اقتربت، بل اقتربت كثيراً ستكون دامية بين الجميع، مستذكرين كلاماً قاله قبلاً سيد الكلام ” أننا قد لا نحتاج حرباً لرؤية نهاية هذا الكيان وقد يقوم هو بإنهاء نفسه من الداخل”.
حقيقة باتت بحكم اليقين القريب القادم، لن يبدلها أو يغيرها تكالب دول قريبة أو بعيدة، لاهثة لحماية بقاء هذا الكيان واستمرار وجوده. إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً.
المصدر: موقع المنار