لحزب الله وقائده ضميرٌ لا ينضب – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

لحزب الله وقائده ضميرٌ لا ينضب

السيد حسن نصر الله

هاشم أحمد شرف الدين

بينما أعود بذاكراتي إلى ما قبل ثلاثة عقود، وأفكر في المشهد المضطرب في وطننا العربي حينذاك – حيث كان قد بدأ يعاني من شرَّين خارجيين متلازمين هما: الاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية – أتذكر الوجود المبكر لحزب الله، الحزب اللبناني الذي رفض الاستسلام لأهواء القمع الإسرائيلي الأمريكي، وقاد تحركاً مسؤولاً من أجل العدل والحرية والكرامة وتجسيد روح الشجاعة والأخلاق.

فعندما بدأ كيان إسرائيل المؤقت بابتلاع الأراضي الفلسطينية واللبنانية والسورية، كانت الأمة في حاجةٍ ماسة إلى تفعيل الجهاد وتجسيد روح التحدي. فَبَرَزَ للمواجهة حزب الله. وعندما أصبح مسار التسوية والاستسلام هو الطريق الوحيد الذي تقدمه الأنظمة العربية في الصراع مع العدو الإسرائيلي، كان لا بد من رفض الاستسلام. فرَفضََ حزب الله.

وفي عصر اختُزل فيه مفهومُ الجهاد والمقاومة إلى مجرد خطابٍ خطابي، كان جهاد حزب الله المسلح ضد الاحتلال والعدوان الإسرائيلي بمثابة شهادة على إمكانية ترجمة الأقوال إلى أفعال.

وحينما كان العرب والمسلمون قد أصبحوا مقتنعين بأن هزيمة كيان إسرائيل ضربٌ من المستحيل، كان حزب الله – رغم فارق الإمكانات العسكرية – يثبت العكس. لقد واجه أبطالُه الشجعان قوةَ آلة الحرب الإسرائيلية، وألحقوا بالمحتل هزائم وإذلالاً كبيراً وتمكنوا من تحرير الجزء الأكبر من أراضي بلدهم لبنان.

وعندما احتشد الظلم والطغيان في وطننا العربي، وحاول الكافرون إطفاءَ نور الحق، أحيى اللهُ – سبحانه وتعالى – نورَه. بنجمٍ ساطع في ليل الظلمات، يضيء الطريقَ إلى العدل والحرية والكرامة. كان هو حزب الله.

إن عَظمةَ حزب الله ليست شهادةً على قوتهِ وقدرته على الصمود فحسب، فهي أيضاً تمثّل انعكاساً لروح العربي المسلم التي لا تُقهر، فهو يرفض دائماً الخضوع لأي قوة قمعٍ وطغيان، وفي المقدمة أمريكا وإسرائيل. لذا أظهر الحزب التزاماً كبيرا بإيمانه الذي لا يتزعزع بقضية فلسطين، وبالعدالة والحرية للشعوب العربية والمسلمة التي تتعرض لعدوان من قبلهما.

لقد ساند حزب الله – بكل ما أوتي من قوة – الشعب الفلسطيني على الدوام. وتضامن مع الشعب السوري الذي مزقته التدخلات الخارجية الأمريكية ومن يدور في فلكها. ودعم شعبنا اليمني منذ بدء العدوان الأمريكي السعودي وحلفائهم على اليمن. وعرفنا اليوم – من خطاب أمينه العام – أن الحزب دافع أيضا عن شعب البوسنة المسلم في أوروبا حينما كان هدفاً للإبادة والتطهير العرقي هناك.

إن كل هذا التضامن يُبرز عَظمةَ قيادة وأعضاء حزب الله. لكن عَظمتَهم الأكبر لا يبرزها التضامن فقط، بل يؤكدها أن موقف الحزب من هذه القضايا الحاسمة لم يكن بلا ثمن.

لقد واجه حزب الله – وما يزال – ضغوطاً سياسية وعسكرية واقتصادية لا هوادة فيها، وكلها تهدف إلى كسر إرادته وإسكات صوته ومنع تضامنه. ومع ذلك، ظلت قيادته صامدة، رافضةً الاستسلام لمغريات التسوية والخيانة. إن هذا الالتزام الذي لا يتزعزع بالمبادئ أكسب حزبَ الله احترامَ وإعجاب الأحرار في جميع أنحاء الوطن العربي وخارجه.

وفي قلب عَظمةِ حزب الله تكمن القيادةُ الحكيمة لأمينه العام، سماحة السيد حسن نصر الله. فشجاعته هي التجسيد المعاصر لشجاعةِ الإمام علي بن أبي طالب – عليه السلام – وحكمته. كما أن تصميمه الذي لا يتزعزع على مواجهة المحتل الإسرائيلي، وإسناده الذي لا يتوقف للشعب الفلسطيني، ودعمه الذي لا هوادة فيه للشعب اليمني، جعل منه رمزاً للشجاعة والبطولة والتضحية والمروءة.

لقد تجاوزت كفاءة السيد نصر الله الاقتدار العسكري والحنكة السياسية، فهو مرشد روحي، ومنارة أمل في عالم مزقه الظلام واليأس.
ومثلما غرسَ رسولُ الله محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – الإيمانَ في قلوب الذين آمنوا معه واستجابوا له، غرسَ السيدُ نصرُ الله في قلوب كوادر حزبِ الله إيماناً عميقا بالجهاد وغايته، والتزاماً ثابتاً بقيم الشجاعة والتضحية ونكران الذات.

لذا فإن إرثَ حزب الله – تحت القيادة الحكيمة لسماحة السيد – هو شهادةٌ على قوة الإيمان والشجاعة والمثابرة. ففي عالمٍ حيث الضعفاء فريسة للأقوياء، وحيث يسعى الظالمون إلى سحق أرواح المظلومين، يقف حزبُ الله سيفاً له بأسٌ شديد ضد الطغيان، مدافعاً عن المهمشين، ونصيراً للمضطهدين.

فيا لهذا المسعى النبيل الذي يقف خلفَه هذا القائدُ الذي ينبض قلبُه بالحق، وتزخر كلماتُه بالحكمةِ الإلهية، وتسترشد أعمالُه بمبادئ العدل والرحمة، ويجسد روحَ الخير، ويكرّس حياتَه لخدمة الإسلام والمسلمين والإنسانية عموماً.

لذا، لم يكن مستغربَاً – قبل اثنين وعشرين عاماً – أن يَصِفَ الشهيدُ القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي – رصوان الله عليه – قادةَ ومجاهدي حزب الله بأنهم “سادةُ المجاهدين في هذا العالم، الذين قدّموا الشهداء، وحفظوا ماءَ وجهِ الأمة”.
وبفضل الله سبحانه تعالى، لا زالوا كذلك، يجسدون بتضحياتهم معنى الجهاد في سبيل الله، ويُطبّقون في حياتهم مبادئَ الإسلام العظيمة: الإيمان والإخلاص والتضحية.

إنّهم يحاربون الظلمَ بكل أشكالِه، ويدافعون عن الحق بكل قوتهم، ويساعدون المحتاجين بكل ما أوتوا من قوة. إنهم يُشبهون الذين استجابوا لرسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – في شجاعتهم، وفي صبرِهم، وفي إخلاصِهم لِدينهم، وفي حُبهم لوطنهم. يحاربون الاحتلال، ويقاومون الظلم، ويساعدون المُستضعفين، ويحافظون على كرامة الإنسان.

وكل مؤمن في أمتنا العربية الإسلامية، يرجو أن يستمر نورُهم في السطوع، ليرشد إلى طريق العدالة والحرية والكرامة. وليذكّر بِعِظمِ الواجب، وأهمية التضحية في سبيل الله والوطن والأمة.

ولا غرابة أن يصفَ السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أخاه السيد حسن نصر الله بأنه “سيد المقاومة والجهاد، صادق الوعد ورجل الوفاء والشهامة، عظيم القدر ورفيع المنزلة، رجل القول والفعل والكلمة والموقف. وهو في مقامه العالي مدرسة ملهمة لكل أحرار العالم في إخلاصه وصدقه وصبره وتواضعه، ورائد وقائد ومعلّم لكل معاني العزة والإباء والوفاء. وغير غريب منه هذا التميّز في تضامنه مع شعب اليمن، فهو – حفظه الله – تجسيد حي للمبادئ والقيم الإنسانية والإسلامية، ونجم مضيء في سماء مكارم الأخلاق. وموقفه وموقف حزب الله تحت قيادته منطلق من تلك المبادئ والقيم النبيلة في الوقوف إلى جانب المستضعفين. ولن ينسى شعبنا العزيز هذه الوقفة الصادقة”.

لذا، فلا غرابةَ أيضا، أن كان حزب الله، إلهاماً لنا في اليمن، في سعينا إلى حرية شعبنا وكرامته وسيادة وطننا واستقلاله، وفي دفاعنا عن شعب فلسطين المظلوم.

فالحزب يقدّم – لنا ولكل أحرار العالم – تذكيراً بأنه بغض النظر عن مدى ظلام الليل، فإن فجر التحرير سوف يبزغ قريباً، إيذاناً بعالمٍ تسوده العدالة والحرية، وتندحر فيه قوى الظلم والاستبداد بقوة الإيمان والشجاعة والعزيمة.

يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} صدق الله العظيم

المصدر: بريد الموقع