بحسب التاريخ اليهودي، لم تُعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة، إذ تعتبر الدولة العبرية الصهيونية الحالية هي الثالثة، وهي على وشك دخولها العقد الثامن، مع ما يتخللها من مشاكل وأزمات.
ووفق المعتقدات اليهودية، فقد قامت مملكتهم الأولى، “مملكة داوود”، بين عامي 586-516 قبل الميلاد، أما حقبة الحشمونائيم فاستغرقت بين عامي 140-37 قبل الميلاد، وبالتالي فإن تجاوز إسرائيل للعقد الثامن يبدو مخالفًا لما درجت عليه سنن التاريخ اليهودي.
وبالتالي، تشكّل لعنة “العقد الثامن”، سببًا لاستشعار اليهود قرب الهزيمة والزوال، خاصة في ظل، الصراعات الداخلية واحتدام الصراع مع “الأعداء” على أكثر من جبهة، إذ يأخذ اليهود بعين الاعتبار أزمة العقد الثامن التي تطاردهم في ظل الأحداث الجارية في تل أبيب، والتي ربما تنذر بنشوب حرب أهلية كبرى بين الإسرائيليين أنفسهم مما يدفع نحو انهيار “الدولة” المزعومة.
وفي هذا الإطار، تعددت التصريحات التي تناولت تفكك الكيان في العقد الثامن خلال السنين القريبة الماضية، وكان أبرزها:
حذّر عدد من كبار المفكرين والسياسيين الإسرائيليين، وعلى رأسهم رئيس وزراء الاحتلال الأسبق إيهود باراك، من خطر العقد الثامن على دولة الاحتلال، في ظل قوة تأثير الرواية التاريخية الصهيونية في الوعي الصهيوني الجمعي.
إيهود باراك (2022): الذي شغل سابقًا منصب وزير الأمن ورئيس الوزراء الإسرائيلي، قال إن “العقد الثامن بشّر في الحالتين ببداية تفكك السيادة. في العقد الثامن من وجودها انقسمت مملكة سلالة داود وسليمان إلى يهودا وإسرائيل. وفي العقد الثامن لمملكة الحشمونائيم، نشأ استقطاب داخلي، وممثلو الأجنحة حجّوا إلى بومبيوس في سوريا، وطلبوا تفكيك مملكة الحشمونائيم وأصبح جناحهم تابعًا لروما حتى خراب الهيكل الثاني”.
ويتابع “المشروع الصهيوني هو المحاولة الثالثة في التاريخ.. ووصلنا إلى العقد الثامن ونحن كمن استحوذ عليهم الهوس، بتجاهل صارخ لتحذيرات التلمود، نعجل النهاية، وننغمس في كراهية مجانية”. أمّا الكاتب الصحفي آري شافيت، فقد أشار إلى ان الإسرائيليين أصبحوا “العدو الأكبر لأنفسهم في العقد الثامن من استقلال الدولة العبرية، ويمكن مواجهة التحديات الأمنية، لكن تفكك الهوية لا يمكن التغلب عليه”.
نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق (2022): أكد “نفتالي بينيت”، أن إسرائيل تقف أمام اختبار حقيقي، وتشهد حالة غير مسبوقة تقترب من الانهيار، وتواجه مفترق طرق تاريخي. وقال: “تفككت إسرائيل مرتين في السابق بسبب الصراعات الداخلية، الأولى عندما كان عمر الدولة 77 عامًا، والثانية بعدها بـ 3 سنوات، ونحن الآن نعيش في حقبتنا الثالثة ونقترب من العقد الثامن ونقف جميعا أمام اختبار حقيقي”.
بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الحالية: قال في تصريحات حينما كان رئيسًا للوزراء في العام 2017، أنه حريص أن تبلغ إسرائيل المئوية الأولى، لكن التاريخ يخبره أنه لم تعمّر لليهـود دولة أكثر من 80 سنة في كل تاريخها إلا مرة واحدة هي دولة الحشمونائيم.
آري شافيط، المحلّل الصهيوني، (2022) في مقال له في صحيفة “هآرتس” قال فيه: “اجتزنا نقطة اللّاعودة، وإسرائيلُ تَلفُظ أنفاسها الأخيرة، ولا طعم للعيش فيها، والإسرائيليّون يُدركون مُنذ أن جاؤوا إلى فلسطين أنهم ضحايا كذبة اختَرعتها الحركة الصهيونيّة، استخدمت خِلالها كُلّ المَكر في الشخصيّة اليهوديّة عندما ضخّمت المحرقة واستغلّتها لإقناع العالم أنّ فلسطين أرض بلا شعب، وأنّ الهيكل المزعوم تحت الأقصى”، واختتم مقاله قائلًا: “حان وقت الرّحيل إلى سان فرانسيسكو أو برلين”.
“إبراهام بورغ”، رئيس الكنيست الأسبق، كان أكثر وضوحًا حينما قال في مقال له نُشر في “واشنطن بوست”، “إنّ إسرائيل على أبواب نهاية الحلم الصهيوني، وتتجه نحو الخراب”، ودعا، الإسرائيليين إلى امتلاك جواز سفر آخر، كما أوضح أنه هو نفسه امتلك جواز سفر فرنسي.
جدعون ليفي، المحلل الإسرائيلي: “إنّنا نواجه أصعب شعبٍ في التَّاريخ. وعمليّة التدمير الذاتي والمرض السرطاني الإسرائيلي بلغا مراحلهما النهائيّة، ولا سبيل إلى العلاج بالقبب الحديديَّة ولا بالأسوار ولا بالقنابل النوويَّة”.
تامير باردو، الرئيس السَّابق لجهاز “الموساد”: يقول إنه “بينما كثُر الحديث عن التهديدات الكبيرة التي تحوم فوق إسرائيل، فإنَّ التهديد الأكبر يتمثَّل بنا نحن الإسرائيليين، عبر ظهور آليةِ تدميرِ الذَّات التي جرى إتقانها في الأعوام الأخيرة، الأمر الذي يستدعي منّا وقف هذا المسار الكارثي قبل نقطة عدم العودة، لأنّ إسرائيل تنهار ذاتيًا”.
وكتب شاؤول أرئيلي، الجنرال المُتقاعد، في مقال له في صحيفة هآرتس العبرية أن الحركة الصهيونيّة فشلت في تحقيق حُلم إقامة دولة إسرائيلية ديمقراطية بأغلبية يهودية، وإن الوقت ليس في صالح إسرائيل، وإن هذه النظرية سقطت.
رؤوفين ريفلين، رئيس الكيان الأسبق، في مؤتمر هرتسيليا عام 2017، قال إن الانقسام الموجود في المجتمع الإسرائيلي والقائم على مستوى الهوية والتوجهات، قسّم المجتمع الإسرائيلي إلى «قبائل أربع»: 38% يهود علمانيون، 15% يهود صهاينة، 25% عرب و25 يهود أصوليون «حريديم» غير صهاينة. هذا الواقع الإسرائيلي يجبر قادة الكيان على مواجهة أسئلة وصفها ريفلين بالصعبة: «هل نحن معشر الصهيونية نستطيع التسليم بهذا الواقع؟ هل نستطيع أن نسلّم بالحقيقة بأن نصف السكان في إسرائيل (عرب ويهود أصوليون) لا يعرفون أنفسهم كأتباع المعسكر الصهيوني ولا ينشدون النشيد الوطني هتكفاه (الأمل)».
الكاتب ياكوف كاتز، في صحيفة “جيروزالم بوست”، رأى أن ثمّة خطرًا حقيقيًا يهدّد وحدة إسرائيل، الأمر الذي قد يدفع البلاد باتجاه حرب أهلية، وفي فترة زمنية قريبة، كما لفت الكاتب إلى إمكانية انفجار الوضع الداخلي في إسرائيل وفي أي لحظة. وأضاف: “اعتقدنا أن استقراراً كان مرتقباً أن يسود في إسرائيل، عقب نجاح إجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة، لكن حقيقة الواقع أثبتت أن اعتقادنا ليس في مكانه، لأن نفوذ المعارضة والأحزاب الدينية المتطرفة آخذ بالصعود، وظروف الانقسام لا تختفي بين ليلة وضحاها، بل إن ما يحصل في إسرائيل يشير إلى توتر طويل وانقسام عامودي، ستعاني منه إسرائيل، أقله للأعوام الخمسة القادمة، وهو المفترض العمر المتبقي لإسرائيل”.
تحدّث وزير الحرب السابق بيني غانتس، عن زوال إسرائيل، وسيطرة العناصر العربية على دولة الاحتلال. مشيرًا إلى أن «من كتب الرسالة على حق، وأن مستقبل الدولة اليهودية قد ينتهي بين غديرًا وخضيرة»، على حد تعبيره.
ويرى المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس، أن دولة إسرائيل لا مستقبل لها، ويعزي السبب إلى أن العرب أكثر عددًا من اليهود في المنطقة بين الأردن والبحر المتوسط، وأن لهذه الغلبة العددية نتيجة حتمية، ألا وهي أن الدولة ستكون ذات أغلبية عربية، وحينها سيطالب العرب بعودة اللاجئين، ويصبح اليهود أقلية مضطهدة حينئذ. ويرى موريس أن نهاية دولة إسرائيل ستكون خلال 30 إلى 50 عامًا، وهو ما يخالف لعنة العقد الثامن.
كما يرى أفراهام بورج، رئيس الكنيست الإسرائيلي لأربع سنوات، أن الكيان بنبذه للديمقراطية، وإهداره للقيم الإنسانية فإنه يعجل بنهايته. وقد نشر بورج كتابًا عام 2007 بعنوان «الانتصار على هتلر»، وذكر فيه أن الكيان يشبه حال ألمانيا النازية قبل زوالها.
وأشار المؤرخ الفلسطيني، عدنان أبو تبانة، أن عمر الدولة العبرية في نبوءات التوراة 76 عامًا فقط، وفقًا لما ورد في النصوص القديمة لحاخامات اليهود الأرثوذكس، وأن آخر زعيم لها هو «عطاء الله»، والذي يعني بالعبرية نتنياهو.
ملاحظة: هذه الدراسة منشورة في 10 نيسان 2023، ونعيد نشرها لأهميتها في سياق الأحداث الجارية
المصدر: مركز دراسات غرب آسيا