على الرغم من ثبات سعر صرف الدولار بالنسبة لليرة اللبنانية في السوق الموازية على ما يقارب الـ89000 منذ عدة أشهر وبشكل كبير منذ وصول وسيم منصوري الى سدة المسؤولية بالوكالة في حاكمية مصرف لبنان، إلا ان سعر صرف الدولار مقابل الليرة بالمصارف يبلغ 15000، ومع قرب إقرار مشروع قانون موازنة العام 2024 بدأ الحديث عن توحيده سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، فهل نشهد ذلك مع إقرار مجلس النواب لقانون الموازنة العامة؟
وما هي الفوائد والمخاطر حول ذلك؟ وهل هذا الامر تتطلبه الاوضاع الاقتصادية في لبنان ام ان له دوافعه السياسية؟ وهل الامر محضّ تصرف داخلي ام ان له علاقة بمتطلبات صندوق النقد الدولي؟
والواقع ان توحيد سعر صرف الدولار على سعر واحد هو على الارجح 89000 ليرة لبنانية للدولار، له فوائد حيث سيوحد التعامل بالدولار مقابل الليرة بدل ان يكون هناك في بلد واحد اكثر من سعر للصرف، كما انه سيعطي مصرف لبنان إمكانية تقييم المصارف وقدراتها المالية ومدى ملاءتها والسيولة التي تملكها ومدى قدرتها على دفع أموال المودعين لديها من عدمه، إلا ان هناك العديد من المخاطر لهذا التوحيد، من ابرزها انه سيشكل ضربة قاسمة لرواتب موظفي القطاع القطاع العام وكل من يقبض راتبه بالليرة اللبنانية خاصة اذا بقيت هذه الرواتب على حالها ولم تحصل عملية تصحيح حقيقية لها، مع سيكون من تبعات سلبية على حياة هذه الشريحة الواسعة من اللبنانيين.
وحول تقييم توحيد سعر الصرف، قال مدير المؤسسة الوطنية للدراسات والاحصاء الدكتور زكريا حمودان في حديث لموقع قناة المنار “طالما لا توجد خطة متكاملة وطالما انه لا يوجد في البلد انتظام على المستوى المالي وعلى مستوى عمل السلطة التنفذية والحكومة، فهذه كلها سياسات غير مجدية وتندرج ضمن خطة سياسة الترقيع”. ورأى انه “لا بد من العودة الى الخطة الشاملة التي تلحظ مسائل عديدة من بينها: البحث في أموال المودعين والكابيتال كونترول وغيرها من التفاصيل المهمة التي تدور حول انتشال البلد من الازمة التي يمر بها”. وأوضح “مهما كانت خطوة توحيد سعر صرف الدولار إيجابية إلا ان تأثيرها لن يكون كبيرا على المستوى المالي”. وتابع “قد تكون خطوة جيدة كخيار مرحلي ولكن ليست مؤثرة على المدى المتوسط والبعيد”.
وقال حمودان “حتى صندوق النقد الدولي يتحدث عن خطة شاملة ولا يتحدث عن خطوات بالقطعة”. واضاف “لكن بالتأكيد فإن أداء الحاكم بالوكالة وسيم منصور جيد ويحسب له ما يقدمه من طروحات ولو كانت بالمجمل هي طروحات بالقطعة وليست شاملة”. ولفت الى ان “الخطة الشاملة لم تقدم حتى الساعة لانه بشق منها تتعلق بوضع البلد بشكل عام لا سيما بخصوص الحصار الاقتصادي واعادة هيكلة المصارف وايضا الخطط التي قد توضع لاحقا للاقتصاد ككل والقطاعات المختلفة ولا سيما البحث بأموال المودعين ومصيرها”.
هذا وقد دعا رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الى جلسة عامة في تمام الساعة 11:00 من قبل ظهر يومي الأربعاء والخميس الواقعين في 24 و25 كانون الثاني/يناير الجاري، وكذلك مساء اليومين المذكورين لدرس وإقرار مشروع الموازنة العامة عن العام 2024.
هذا وتنشط الاتصالات تمهيدا لجلسة الموازنة، بهدف تأمين النصاب القانوني المطلوب لها أي حضور 65 نائبا، بعد تسليم رئيس “لجنة المال والموازنة” النائب ابراهيم كنعان تقريره الى رئيس المجلس النواب، علما ان معظم الكتل النيابية شاركت في مناقشة المشروع داخل جلسات لجنة المال والموازنة، ولا شك ان مشروع قانون الموازنة أخذ الوقت الكافي لبحثه في اللجان ومن قبله خلال إعداد الحكومة له، ما يرجح ان عملية إصداره ستتم في المجلس على الرغم من وجود بعض الكتل النيابية التابعة لبعض القوى السياسية، لديها ملاحظات على التشريع بغياب رئيس الجمهورية، إلا ان البعض يؤكد على ضرورة إقرار قانون الموازنة لأهميته في تسيير عمل ومرافق الدولة.
إلا ان على الكتل النيابية ومن خلفها القوى السياسية التي تتحدث عن أسباب قانونية واخرى سياسية حول صوابية التشريع في غياب رئيس الجمهورية من عدمه، لا بد لها ان تلتفت أيضا بأن الشعب اللبناني ما عاد قادرا على تحمل المزيد من فرض الضرائب في ظل الاوضاع المالية والاقتصادية والحياتية الضاغطة التي يعيشها، وبالتالي على من يسعى لاقرار الموازنة معالجة عدم فرض ضرائب إضافية على الطبقات الفقيرة واعتماد مبدأ العدالة الضريبية وعدم اعتماد معيار واحد بالنسبة لجميع المواطنين بغض النظر عن أوضاعهم المالية والاجتماعية.
كما انه يجب على المشرع ان ينظر ان مسألة الضريبة والرسوم التي تفرض على المواطنين، تستوجب حصولهم على الخدمات الكافية والوافية مقابل دفعهم للضرائب، لا ان يدفع المواطن اللبناني الضرائب بدون حصوله على حقوق كاملة في الخدمات والتقديمات المتوجبة له قانونا، والتي تشمل مختلف جوانب الحياة اليومية للانسان ولا تقتصر على جانب دون آخر.
المصدر: موقع المنار