سعى العدو منذ قيام فكرة “احتلاله” الى بناء تركيب بنيوي للاقتصاد آخذاً بعين الإعتبار الإبقاء على عامل الأزمات الملازم للإقتصاد، عقدة ملازمة له ترافقت مع سنوات حروبه وصراعاته في منطقة الشرق الاوسط، حتى اضطراباته الداخلية. فهو يحاول جاهداً التفتيش عن منافذ جديدة له تشعره بالاستقرار وتضمن وجوده.
في مراجعة سريعة لآخر الاضطرابات التي شهدها الكيان داخل شارعه حول مسألة التعديلات القضائية, كان الاقتصاد سريع التأثر تمثل بردات فعل من قبل المؤسسات والشركات التي قامت بنقل أعمالها، وغادرت الأموال البنوك بمعدل أسرع 10 مرات من المعتاد بحسب وزير مالية العدو. بالاضافة الى لجوء بعض صناديق الاستثمار في high tech الى سحب أموالها من البنوك. لا تتعدى ردات الفعل هذه مستويات أكثر, علماً أنها قد تعزز لأرضية في المستقبل القريب تتمثل بالرحيل الكلي وعدم العمل داخل أراضي يشوبها الخطر.
ماذا حصل بالاقتصاد بعد 7 أكتوبر!
يُعدَ هذا التاريخ مفصلياً على صعيد القضية الفلسطينية، ويبدو أن هذا التاريخ سيكون محطة إنتقالية مهمة للاقتصاد الصهويني فبعد دخول الحرب على قطاع غزة أسبوعها الثاني لم يقف عداد الخسائر التي أشارت اليها التقارير ووسائل اعلام العدو.
على صعيد حقول الغاز
تعتبر حقول الواقعة تحت سيطرة الاحتلال مصدراً رئيسياً للغاز سواء في تلبية السوق الداخلي أو ما ستوفره لاوروبا عبر مصر وفق الاتفاق الثلاثي الذي عقد في حزيران/يونيو الماضي. وكل سياسات الحماية التي تجهد “اسرائيل” لتوفيرها هي لاجل هذه الحقول وما توفره من مستقبل لها.
بعد عملية “طوفان الاقصى” وما تبعه، من شن حربا دامية وحشية على قطاع غزة، أغلقت “إسرائيل” عدة مواقع رئيسية لها علاقة بالطاقة، وهي:
حقل غاز تمار
يدير الحقل شركة شيفرون وتقع منصته على بعد 25 كيلومترًا قبالة مدينة أسدود على ساحل البحر المتوسط جنوب فلسطين المحتلة. وأنتج حقل تمار 10.25 مليار متر مكعب من الغاز في عام 2022، وتم استخدام 85% من هذا الإنتاج في السوق الداخلي وتصدير نسبة 15% المتبقية إلى مصر والأردن. وتمتلك شيفرون حصة 25% في تمار، في حين تمتلك إسرامكو 28.75%، وشركة مبادلة للطاقة الإماراتية 11%، ويونيون إنرجي 11%، وتمار بتروليوم 16.75% ودور غاز 4%، وإيفرست 3.5%.
خط أنابيب غاز شرق المتوسط
تم توقيف تصدير الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط (إي.إم.جي) بين الكيان ومصر، هذا الخط يمتد من مدينة عسقلان بجنوب فلسطين، على بعد نحو عشرة كيلومترات شمالي غزة، إلى العريش في مصر حيث يتصل هناك بخط أنابيب بري. ويعد خط الأنابيب البالغ طوله 90 كيلومترًا الرابط الرئيسي بين مصر وحقل الغاز البحري العملاق ليفياثان الذي تديره شركة شيفرون.
ميناء عسقلان
أغلق الميناء ومرفأ النفط التابع له أيضاً ويقع الميناء على بعد ما يزيد قليلاً عن عشرة كيلومترات من قطاع غزة. تغطي هذه الحقول نحو 70 بالمئة من إنتاج الكهرباء وإحتياجات الطاقة في البلاد. وتحدثت الصحف عن مخاطر استمرار إغلاق هذ الحقول. وقدّرت صحيفة “دمار كر” الاقتصادية أن الحرب على غزة تُعرّض استثمارات الغاز الطبيعي التي يسيطر عليها العدو للخطر.
وتوقعت أن توجه الحرب ضربة قوية لطموحات العدو في أن تصبح مركزا لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا وأماكن أخرى. ما يهدد الاتفاق الثلاثي المعقود بين الاتحاد الاوروبي واسرئيل ومصر التي ستكون وسيطاً لوجستياً وفتياً لنقل الغاز عبر محطات الاسالة لديها الموجودة في إدكو ودمياط على البحر المتوسط. وأشارت تقارير أخرى أن من شأن هذه الاغلاقات أن تكبد قطاع الطاقة مئات ملايين من الدولارات بشكل أسبوعي.
على صعيد الكنولوجيا
يقوم اقتصاد العدو على التكنولوجيا المتطورة ويعتبر في المراحل المتقدمة على صعيد العالم، من حيث المسيرات والطائرات، وتعمل داخل الكيان 500 شركة متعددة الجنسيات مثل Intel,Apple,Facebook,Microsoft,Google,Ibm، ويمثل هذا القطاع خمس الناتج المحلي و14 بالمئة من التشغيل الوظائفي. والالافت أيضا أن اسرائيل تعتبر ثاني أكبر مركز للشركات التكنولوجية على صعيد العالم بعد سيلكون فالي.
يشهد هذا القطاع المهم والرائد داخل الكيان تراجعاً مهماً، الذي يعتبر محركا أساسيا للنمو الاقتصادي للعدو فلقد تراجعت بما نسبته 70 بالمئة مقارنة بالعام 2022، وكانت قد وصفت الوزارات المعنية داخل الكيان هذا التراجع بالمؤشر المقلق، وكانت قد لجأت ما يفوق 60 بالمئة من هذه الشركات الى إتخاذ اجراءات مالية وقانوينة تمثلت بسحب فائضها النقدي ونقل موظفين وتسريح بعضهم ونقل بعض الفروع الى خارج البلاد, هذا كل بعد الاضطرابات التي شهدها الشارع من اضطرابات ومظاهرات حول مسألة التعديلات القضائية, بحسب استطلاع نشرته مؤسسة START UP NATION ) ).
ويستفيد العدو من هذا القطاع الاساسي الذي يطور من خلاله ترسانته العسكرية وتقول تقارير نشرتها مواقع ووكالات بريطانية أن اسرئيل أخرجت كل ما في جعبتها في هذه الحرب وأحدث ما طورته من قنابل وصواريخ موجهة وخارقة من نوع “هالبر” بالاضافة الى القنابل الموجهة بنظام GPS.
كما تحدثت التقارير عن قنابل JDAM الذكية التي يصل مدى هذه القنابل الى 28 كيلومتراً ويتم اطلاقها من ارتفاع 13.5 كيلومتراً عبر توجيهها من القمر الصناعي. هذا غيض من فيض همجية واجرام العدو الذي استخدم كل هذه التكنولوجيا لابادة 2 مليون مدني يعيشون داخل قطاع محاصر منذ عقدين من الزمن.
حتى هذه اللحظة لم تسعف التكنولوجيا “اسرئيل” بتحقيق أي هدف عسكري. فكل ما طورته من ترسانتها العسكرية استخدمته على بنك اهداف عبارة عن اطفال ونساء ومستشفيات ومساكن للمدنيين. يعود هذا التسلح والتقدم الى دعم واشنطن التاريخي للكيان الصهيوني. فحتى العام 2023، قدمت الولايات المتحدة للكيان الإسرائيلي ما قيمته 158.8 مليار دولار من المساعدات المختلفة في المجال العسكري والاقتصادي ومساعدات لها علاقة ببرامج الصواريخ، ولا تقتصر المساعدات على هذا النحو فلقد نشرت الولايات المتحدة بعد عملية “طوفان الاقصى” طائرات هجومية في شرق البحر المتوسط دعماً للكيان الصهيوني واستعراضاً للقوة العسكرية.
الشيكل والبورصة.. وخطوط جوية تتهاوى!
هبط الشيكل ما يقارب 3 بالمئة في اليوم الاول للتداول والبورصة، وسجلت تراجعات حيث نفذ المستثمرون عمليات بيع قوية وتراجعت قطاعات العقارات والتأمين والبنوك. وأشار عدد من الوكالات العالمية أن 42 شركة طيران أمريكية وكندية علقت رحلاتها الى الكيان الاسرائيلي. وكانت في وقت سابق قد حذرت وكالة موديز للتصنيف الائتماني من أن استمرار الصراع سيعرقل النشاط الاقتصادي وصنع السياسات الذي يطمح إليها الكيان الصهيوني.
وسعى العدو قبل معركة “طوفان القدس” عبر حملاته واتفاقيات التطبيع مع بعض الدول العربية الخانعة الى تعزيز دوره من أجل أخذ صفة الدولة الحقيقية. ولكن المشاهد التي أجرم العدو عند صناعتها والحقد الذي صبه على قطاع غزة جعله موضوع مساءلة على الصعيد العالمي والعربي. حتى هذه اللحظة ما زالت كل المليارات واتفاقيات التطبيع لا تسعفه من أن يجعل بيئته آمنة من الظروف الخارجية (المقاومة).
عامل الأمن، الاستقرار، اذاً، لا تسعفه الارقام فمهما كانت مرتفعة ولا المليارات مهما كانت كبيرة، ولا الدول مهما كانت خانعة وظالمة ولا الاعتدة المتطورة مهما كانت دقيقة وذكية. كتبتها من قبل وأعيد كتابتها هنا.. يمكن لأن الديار مش ديارك والارض مش أرضك!
المصدر: موقع المنار + وكالات