تستمر الحرب في أوكرانيا، والتي لا بوادر أو تطورات تؤشر لنهاية قريبة لها. لا تزال الأحداث تتمحور بشكل أساسي حول مسار المعارك في الميدان بين الجيشين الروسي والأوكراني، مع جمود ملحوظ ومتواصل على المستوى السياسي أي غياب أي مبادرة أو إعلان جدي عن محادثات قد يعوّل عليها. يأتي ذلك بالرغم من التقدم التي أحرزه ويحرز الجيش الروسي خصوصاً بعد الاجماع على افشاله للهجوم المضاد الذي شنته كييف في حزيران/يونيو، في وقت يتواصل فيه الدعم الغربي والأميركي لكييف رغم الأصوات المتململة من هذا العبئ الكبير الذي انعكس ولا زال على اقتصادات هذه الدول دون تحقيق انجازات وانتصارات في الميدان تستثمر ضد موسكو ورئيسها فلاديمير بوتين. الأخير نجح حتى الآن في احباط محاولات قوات كييف المستميتة لاختراق دفاعاته على مختلف الجبهات، كما أنه خرج منتصراً من محاولة انقلاب كادت أن تشكل خطراً على أمن بلاده وتضعف قواته على الجبهة، خصوصاً أنه أتى من بوابة “فاغنر” التي كان لها اليد الطولى في العديد من المعارك الحاسمة. طوى بوتين صفحة الانقلاب التي مات مهندسها يفغيني بريغوجين بعد فترة قليلة على فشل محاولته الانقلابية، ليعين اليوم رئيساً جديداً للمجموعة وهو العقيد المتقاعد أندريه تروشيف، مما يشكل إعادة احياء لدور الأخيرة على الجبهات المشتعلة.
هذا واستقبل الرئيس الروسي العقيد المتقاعد تروشيف الذي كان أحد أبرز قادة فاغنر العسكريين، وكان قد انضم للعمل في إطار وزارة الدفاع عقب التمرد المسلح.
وقال الكرملين، إن اللقاء “بحث عمل وحدات المتطوعين القتالية في أوكرانيا، وقد طلب بوتين من تروشيف تشكيل وحدات تطوعية يمكنها أداء مهام قتالية مختلفة، خاصة في منطقة العملية العسكرية الخاصة”، وهو الاسم الذي يطلق على الحرب في أوكرانيا.
وسلط الاجتماع الضوء على “سعي الكرملين لإظهار أن الدولة سيطرت الآن على المجموعة المرتزقة بعد التمرد المخفق لها في يونيو/حزيران الماضي”.
وذكرت صحيفة كوميرسانت الروسية أنه بعد أيام قليلة من تمرد فاغنر، عرض بوتين على مقاتليها مواصلة القتال، لكنه اقترح أن يتولى القائد تروشيف المسؤولية خلفا لبريغوجين. وأفاد الكرملين أن لقاء بوتين مع تروشيف، المعروف بالاسم الحركي “سيدوي” (الأشيب بالروسية)، تم بحضور نائب وزير الدفاع يونس بك يفكوروف.
ورأى بوتين أن تروشيف، الذي كان مقربا جدا من بريغوجين، “يتمتع بالخبرة اللازمة لتنفيذ مثل هذه المهمة”، قائلاً نهما تحدثا عن كيفية “تنفيذ الوحدات التطوعية مهمات قتالية مختلفة، لا سيما في منطقة العملية العسكرية الخاصة بالطبع”.
وأضاف بوتين مخاطباً تروشيف، “أنت نفسك تقاتل في واحدة من هذه الوحدات منذ أكثر من عام.. أنت تعلم ماهية الأمر وكيف يتم، وتعرف المشكلات التي يتعين حلّها بشكل عاجل، حتى تسير الأعمال القتالية بأفضل الطرق وأكثرها نجاحا”.
وتروشيف من قدامى المحاربين وحصل على أوسمة رفيعة، لمشاركته في حروب روسيا في أفغانستان والشيشان. كما حصل على أعلى وسام بالبلاد، وهو وسام بطل روسيا، في 2016 بسبب اقتحام مدينة تدمر في سوريا لمحاربة مقاتلي “داعش”.
وغالبا ما يوصف تروشيف بكونه أحد مؤسسي فاغنر، ويخضع لعقوبات أوروبية “لمشاركته بشكل مباشر في عمليات المجموعة العسكرية في سوريا”، وفقا لوثيقة للاتحاد الأوروبي صادرة نهاية 2021.
تطورات ميدانية
أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن توجيه ضربات مكثفة بأسلحة عالية دقة بعيدة المدى وطائرات مسيرة، ضد منشآت عسكرية أوكرانية ونقاط تمركز للجيش الأوكراني والمرتزقة خلال اليوم الماضي. وقالت الوزارة في بيان الجمعة، إن الضربات أسفرت عن تدمير مستودعات للذخيرة ومراكز تدريب ونقاط تمركز لقوات الأوكرانية وللمرتزقة الأجانب.
وأكدت تدمير مركز قيادة لوحدة أجنبية، وترسانتين كبيرتين من الأسلحة والذخائر، فضلا عن استهداف إمدادات الأسلحة أجنبية الصنع والخدمات اللوجستية للقوات الأوكرانية العاملة في اتجاهي دونيتسك وزابوروجيه.
هذا وقصفت طائرة مسيرة أوكرانية في وقت مبكر اليوم الجمعة محطة كهرباء جنوبي غربي روسيا، في حين سقط قتلى في قصف روسي على مدينة خيرسون. بالتزامن تحتدم المعارك في محيط مدينة باخموت بمقاطعة دونيتسك (شرق).
وقال رومان ستاروفويت حاكم منطقة كورسك إن المسيرة الأوكرانية ألقت عبوتين متفجرتين على محطة توزيع الكهرباء في بلدة بلايا التي تبعد 25 كيلومترا عن الحدود مع أوكرانيا، مما أدى لاندلاع النيران في أحد المحولات. وأضاف ستاروفويت أن الكهرباء انقطعت عن 5 بلدات ومستشفى، مشيراً إلى أن التيار سيعود في أسرع وقت ممكن.
من جهتها، قالت وزارة الدفاع الروسية اليوم إن دفاعاتها الجوية أسقطت الليلة الماضية 10 طائرات مسيرة أوكرانية فوق مناطق كورسك وبيلغورود وكالوغا.
وفي الآونة الأخيرة، نفذت القوات الأوكرانية هجمات عدة في العمق الروسي، لم تؤدي إلى انجازات ملحوظة، ومن بين المواقع المستهدفة مطار عسكري في نوفغورود شمال العاصمة الروسية.
كما أعلن الجيش الأوكراني أمس أنه أسقط 34 مسيرة روسية شاركت في هجمات على مناطق عدة بينها أوديسا وميكولاييف جنوبي البلاد. وخلال الأسابيع الماضية، كثفت القوات الأوكرانية والروسية استخدام المسيرات على محاور القتال في شرقي وجنوبي أوكرانيا وعبر الحدود.
معارك وقتلى
وفي الوقت الذي زعم فيه الجيش الأوكراني أمس احراز تقدم جديد في محور باخموت باتجاه بلدتي “أوُدّْرَادِيفكا” و”شُومْييِف”، وأن قواته نجحت في التقدم في اتجاه بلدة “كليشيفكا” جنوب باخموت، نفت وزراة الدفاع الروسية تقدم القوات الأوكرانية جنوب باخموت، وتحدثت عن اشتباكات عنيفة لا تزال تدور هناك.
وفي دونيتسك أيضا، ذكر مسؤولون في مصنع الفحم الحجري في أفدييفكا أن حريقا اندلع أمس في المصنع إثر غارة جوية روسية استهدفت أحد أكبر مصانع الفحم في أوروبا. وأوضح المسؤولون أن الصواريخ أصابت مستودع تخزين مادة النفثالين.
وعلى المحور الجنوبي لمقاطعة زاباروجيا، قال الجيش الأوكراني إن عملياته باتجاه مدينة ميليتوبول، التي تقع على بحر آزوف وتخضع للسيطرة الروسية، لا تزال متواصلة.
وفي خيرسون، أفادت الإدارة العسكرية بمقتل 3 أشخاص وإصابة 5 في قصف روسي على المدينة الخاضعة للسيطرة الأوكرانية.
نهاية الأمة الأوكرانية الحديثة؟
وقال ضابط الاستخبارات الأمريكي المتقاعد سكوت ريتر، إن اللقاءات الأخيرة بين فلاديمير زيلينسكي والمسؤولين في “الناتو” جعلت انهيار القوات الأوكرانية أقرب. وأضاف الخبير “التقى أمين عام الناتو ينس ستولتنبرغ ووزيري دفاع فرنسا وبريطانيا مع زيلينسكي، وخلال ذلك تم رفض اقتراحات واقعية للسلام لصالح زيادة تشجيع عضوية أوكرانيا في الناتو. لقد تم خداع أوكرانيا. وهي ستكتشف مع الناتو هذا الأمر قريباً”.
وأعرب الخبير الأمريكي عن اعتقاده، بأن نهاية الأمة الأوكرانية الحديثة قد “اقتربت وحانت”. وقال “أتباع ستيبان بانديرا لا يستحقون أقل من ذلك. أشعر بالأسف على الشعب الأوكراني”.
صفقة الحبوب
من جهة ثانية، أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان تلقي بلاده “إشارات إنذار” من بعض الدول بعد تعليق روسيا اتفاق حبوب البحر الأسود، مؤكدا أن أنقرة تواصل جهودها لاستئناف هذا الاتفاق.
وقال فيدان في كلمة ألقاها في مدينة موغلا جنوب غرب تركيا “هذا السؤال يهم البشرية كلها وعلى رأسها الدول الإفريقية. الآن يوجد خبز على موائدنا، وربما لا يمثل هذا أي شيء غير عادي بالنسبة لنا. لكن عندما لن نرى الخبز ستظهر هناك إنذارات. والآن تظهر مثل هذه الإنذارت في عدد من البلدان”.
وأشار إلى أن مسألة استئناف صفقة الحبوب كانت بين أهم مواضيع محادثات الوفد التركي خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع الماضي.
وأعلنت روسيا تعليقها صفقة تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود في 18 تموز/يوليو الماضي، وأبلغت تركيا وأوكرانيا والأمم المتحدة بذلك. وأشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن شروط الاتفاق لم يتم الوفاء بها، على الرغم من جهود الأمم المتحدة.
المصدر: موقع المنار