ذكريات شهر أيلول/سبتمبر لا تمر بردا وسلاما على العدو الاسرائيلي سواء في لبنان او في فلسطين، فكثيرة هي العمليات التي نفذتها المقاومة ووجهت فيها صفعات مؤلمة للصهاينة سواء في الجنوب اللبناني او في الداخل الفلسطيني والضفة الغربية المحتلة وصولا الى قطاع غزة، إلا ان هناك عملية من نوع آخر طالما أرّقت العدو وهشمت صورته الامنية والعسكرية امام جمهوره وامام شعب المقاومة والعالم أجمع.
ومن هذه العمليات عملية او كمين انصارية فجر يوم 5-9-1997 الذي وقع فيه جنود من النخبة في جيش العدو الاسرائيلي، ويوم 6-9-2021 نفذ 6 أسرى عملية نفق معتقل “جلبوع” وتمكنوا من كسر كل القيود وعانقوا الحرية رغما عن أنف السجان، وفي كلتا العمليتين فاجأ المقاومون العدو بقدرتهم على “فك شيفرات” ما كان يعتقد في يوم ان هناك من سيحللها ويهزأ بها وينزل الهزيمة بالجيش الذي قيل عنه انه لا يهزم.
ففي عملية انصارية لقنت المقاومة الصهاينة درسا تاريخيا في فنون الأمن والاستخبارات والقدرات العسكرية والاستفادة منها في الحرب النفسية لتهشيم صورة الكيان وجيشه، وفي تفاصيل، العملية ان “قوة كوماندوس اسرائيلية (الشييطت 13) قامت بعملية إنزال بعد منتصف الليل في خراج بلدة انصارية الساحلية في جنوب لبنان، وقد اكتشفها مجاهدو المقاومة الاسلامية الذين كانوا بانتظارها، حيث وقع عناصر المجموعة بين قتيل وجريح”، وانتشرت في وسائل الاعلام العالمية صور أشلاء جيش العدو كيف يتم جمعها، بما يشبه لعبة “البازل” المتناثرة كصورة الجيش الاسرائيلي.
وانطلاقا من هذا “البازل” جن جنون الصهاينة لعدم فهمهم ما فعله أسرى التحرر من معتقل جلبوع قرب مدينة بيسان المحتلة في فجر 6 أيلول/سبتمبر 2021، فالاسرى الستة بقيادة الاسير محمود العارضة استطاعوا من ضرب كل المنظومة التمنية واللوجستية المتطورة للاجهزة الامنية الاسرائيلية واستطاعوا من حفر نفق بطول 25 مترا وبقطر لم يتجاوز 50 سنتم بأدوات بدائية من المعقتل الاكثر تحصينا في الكيان الغاصب والمسمى بـ”الخزنة الحديدة” نظرا للتحصينات الامنية والاجراءات المشددة فيه ولبنائه على شكل خزنة فيها عدة طبقات تجعل من “المستحيل” الخروج او الهرب منه لا سيما عبر حفر نفق.
وهذا المستحيل الذي لا يعرفه قادة المقاومة وافرادها، هي نظرية عملية طبقها الاسير العارضة برفقة أخوانه ممن خرجوا معه(وهم الاسرى: محمد العارضة، ايهم كممجي، مناضل انفيعات، يعقوب قادري وزكريا الزبيدي) وأيضا ممن ساعدوهم على حفر النفق والخروج من المعتقل، هذه النظرية التي بعدم الاعتراف بالمستحيل في مواجهة العدو هي التي جعلت القائد الجهادي الكبير السيد مسطفى بدر الدين يقود ويجهز لكمين أنصارية الذي سيبقى سرا من أسرار المواجهة المفتوحة بين المقاومة والعدو، كما سيبقى دليلا على إبداعات المقاومة المتواصلة دون هوادة.
هذه الانتصارات التي جننت العدو وترفع مستويات القلق والخوف لدى قاداته ومستوطنيه بالتزامن مع العمليات شبه اليومية التي تنفذ في مناطق الضفة الغربية المحتلة، كلها ذلك يؤسس لمراحل متقدمة من عمل المقاومة التي بات رقما صعبا بمواجهة هذا العدو الشرس ومخططاته الامنية والعسكرية وأيضا المؤامرات التي تلبس لبوس الحرب الناعمة في الثقافة والفن والاقتصاد والحقوق والحريات وغيرها من وجوه الحياة، وصولا حتى تحرير الارض والمقدسات وإزالة هذه الغدة السرطانية المسماة “إسرائيل” التي زرعت في قلب الأمة وعلى أرض فلسطين.
المصدر: موقع المنار