تحل في هذه الايام ذكرى تحرير جرود سلسلة جبال لبنان الشرقية من احتلال الجماعات الارهابية، حيث يحتفل لبنان يوم 28 من شهر آب/اغسطس من كل عام بعيد التحرير الثاني، حيث استطاع لبنان بقدرات جيشه ومقاومته من دحر الإرهاب مكرساً من جديد معادلته الذهبية الحامية “الجيش والشعب والمقاومة” التي تعتبر أحد أهم عناصر القوة اللبنانية بمواجهة العدو الإسرائيلي كما الإرهابي.
وقد ساهم كسر الإرهاب في جرود شرق لبنان الى دحرهم بعيدا عن الحدود اللبنانية السورية، كما أدى الى انهيار مخططات ومؤامرات كانت تعد للداخل اللبناني شبيهة بما حصل في بعض المحافظات العراقية والسورية حيث سيطرت تنظيمات كداعش وجبهة النصرة وغيرها على مساحات واسعة وارتكبت أفظع الجرائم والانتهاكات بحق الانسانية والتاريخ والحضارة، واحتاجت الدول الى جهود مضاعفة لتحريرها، فلا شك ان “إستئصال الأمراض أصعب بكثير من الوقاية منها”، وقد حمى الله لبنان من هجمة تكفيرية إرهابية كانت ستؤثر بشكل كبير على التنوع الديني والثقافي فيه.
من كل ذلك، لا بد من تسليط الضوء اكثر على هذا الإنجاز الذي قدم فيه الجيش والمقاومة والشعب في لبنان ثلة من الشهداء، سواء خلال معارك جرت في الجرود أو خلال اعتداءات التكفيريين على بعض القرى كعرسال ورأس بعلبك أو بقصف بعض القرى الحدودية أو حتى بإرسال المفخخات الى الداخل اللبناني وصولا الى الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، ما أدى الى إحداث حالة من الاستنفار الشعبي والأمني والعسكري على مستوى كل لبنان ولا سيما في بيروت والضاحية والأماكن العبادية والشعبية حفاظا على أرواح الناس وأرزاقها.
فقد تجاوز لبنان مرحلة صعبة من تاريخه المعاصر بفضل الله أولا، ومن ثم بجهد أبنائه في المقاومة والأجهزة الأمنية والعسكرية لا سيما الجيش اللبناني وتضحياتهم ووعي الشعب، بدعم سياسي من قوى وطنية لا يهمها سوى حماية البلد، مقابل وجود بعض القوى التي حاولت في مرحلة ما الإستثمار حتى في الجماعات الإرهابية تحت ذريعة دعم ما يسمى “المعارضة السورية”، والجميع يذكر زيارات لوفود سياسية ودينية الى بلدة عرسال للقاء بعض الشخصيات الممثلة لتلك الجماعات، ومع ذلك استطاع لبنان منع محاولات البعض من الانزلاق نحو هذه اللعبة الخطرة التي كانت ستودي بالجميع الى الهاوية وعلى رأسهم من يحاول التعاون مع مجرمين إرهابيين يكفّرون كل من لا يتطابق معهم بالفكر والرأي ولو كان من جماعة تكفيرية إرهابية اخرى.
بعد كل ذلك نرى اليوم بعض المحاولات لإعادة إحياء الجو الإرهابي التكفيري وخلاياه النائمة في بعض المناطق بسوريا وصولا للحديث عن إمكانية ذلك في لبنان، وقد تسلط الضوء اكثر على ذلك بحادثة حي السلم حيث تمت مداهمة أمنية لإلقاء القبض على أحد الإرهابيين ويدعى وسام دلّة الذي كان مسؤولا عن تفجير إرهابي وقع قبل فترة في منطقة السيدة زينب بريف دمشق، ما يفتح باب التساؤلات حول كل هذه الشكوك هو انتحار الارهابي دلّة، بالتوازي مع الأخبار التي يتداولها بعض الإعلام عن دخول عشرات السوريين الى لبنان بطريقة غير شرعية وبشكل مريب.
فهل يعمل صانعو الإرهاب على إعادة تحريكه في هذه الفترة وإيقاظ خلاياه النائمة في لبنان والمنطقة لتحقيق ما عجزوا عن إنجازه في السياسة والحصار الاقتصادي؟ وهل يمكن الرهان على الجماعات الارهابية لتحقيق مكاسب في الداخل اللبناني؟
الحقيقة ان كل شيء وارد فيما يتعلق بإعادة تحريك الخلايا الإرهابية، لان من يقف خلف داعش وأخواتها سواء في الادرة الإميركية التي صنعت هذه الجماعات(باعتراف مسؤولين أميركيين) او بعض الأدوات الإقليمية التي تموّل هذه الجماعات ماديا وبشريا وفكريا، قد تعمل على زيادة الضغط على الشعب اللبناني ومقاومته ودولته وجيشه وقواه الأمنية للحصول على تنازلات تتعلق ربما بأمن كيان العدو الإسرائيلي ومصالحه في البر والبحر أو لتمرير مشاريع معينة في المنطقة على وقع التصعيد الإرهابي، او بالحد الادنى قد يكون الهدف هو تخريب الاستقرار في لبنان بما يصب حتما بمصلحة العدو الصهيوني وأدواته الارهابية في المنطقة.
من كل ذلك يبقى الأمل ان يتنبه اللبنانيون للمخاطر المحدقة بالوطن والعمل على زيادة التضامن واللحمة الداخلية والإتكال على أنفسهم لا على الخارج لحل مشاكلهم واللجوء الى حصن الحوار والتفاهم لإنهاء الشغور الرئاسي ومن ثم الانطلاق للعمل على الخروج من الأزمات الضاغة التي تعصف بالبلد منذ سنوات.
المصدر: موقع المنار