نص الخطبة
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) (42) إبراهيم
من السنن الإلهية ان الظلم مهما طال. زمنه وتعددت اشكاله واطرافه واذرعه فان الله تعالى لا بد أن يأخذ الظالمين ولو بعد حين، وقد جعل الله عقوبة الظلم والبغي معجلة في الدنيا قبل الآخرة لفظاعة الظلم وجعل ونهاية الظالمين أليمة والمتأمل في سيرهم في القرآن الكريم يجد في مصارعهم عبرة وعظة ودروسا كبيرة
فهذا فرعون الطاغية عبرة لكل الظالمين والطغاة والمستكبرين والمستبدين والقتلة والمجرمين فرعون الذي سفك الدماء، واعتدى على الأحياء، وبقر بطون الحوامل، وقلع عيون الناس وأظفار الأطفال، وهدم البيوت، ومارس سياسة التجويع، والتسميم، والإهانة، والإذلال، واستولى على الأموال، واستعبد الناس فرعون الذي قال الله سبحانه وتعالى عن لسانه: سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (الأعراف127 ) فرعون الذي قال تعالى عنه : إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) ماذا كانت عاقبته في الدنيا ؟
(وَلَقَد أَخَذنا آلَ فِرعَونَ بِالسِّنينَ وَنَقصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرونَ
وفي آية اخرى (فَانتَقَمنا مِنهُم فَأَغرَقناهُم فِي اليَمِّ بِأَنَّهُم كَذَّبوا بِآياتِنا وَكانوا عَنها غافِلينَ). [سورة الأعراف، آية: 130-136]
(كَدَأبِ آلِ فِرعَونَ وَالَّذينَ مِن قَبلِهِم كَذَّبوا بِآياتِ رَبِّهِم فَأَهلَكناهُم بِذُنوبِهِم وَأَغرَقنا آلَ فِرعَونَ وَكُلٌّ كانوا ظالِمينَ). [سورة الأنفال، آية: 54]
وفي آية اخرى (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ*فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ). [سورة القصص، آية: 38-40] ومن الظلَمة الذين مروا في التاريخ قارون الذي بغى على قومه وظلمهم لما آتاه الله من الكنوز ما تنوء بثقله العصبة أولي القوة، فماذا كانت النتيجة؟ (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ( القصص 81 )
(وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ*فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). [سورة العنكبوت، آية: 39-40]
وقد أخبرنا الله في القران بأنَّ هلاكَ القرون الماضية كان بسبب ظلمِهِم واجرامهم فقال تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) [يونس: 13]، وقال تعالى: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) [الكهف: 59]،
وهذه السنة الالهية التي تقضي بان يواجه الظالمون والمجرمون عاقبة اعمالهم ونتائج اجرامهم تجري في كل زمان ومكان، ولن تتخلف ولن تخطئ ولن تتخطى الظالمين والمجرمين المعاصرين،وقد راينا عاقبة بعض المجرمين من امثال صدام حسين ومعمر القذافي وغيرهم من القتلة وسنرى في الدنيا مصير الصهاينة المحتلين وغيرهم ممن يمارس الارهاب والقتل وارتكاب المجازر بحق الاطفال والنساء والشيوخ والابرياء فهؤلاء لن يفلتوا من الحساب والعقاب وهم الى زوال كما زال غيرهم من القتلة والمجرمين.
في قضية كربلاء شاهد صدق على سنة الله في الظالمين والمجرمين والقتلة.
عندما نعود الى عاقبة ومصير الذين ظلموا وقتلوا الحسين واهل بيته واصحابه وسبوا نسائه او كان لهم دور في ما جرى في كربلاء سنجد ان مصيرهم كان اسودا في الدنيا قبل الاخرة
يزيد بن معاوية كان المجرم الأول في فاجعة كربلاء ، وقد مات بأفضح موتة بعد جريمته بثلاث سنوات فقط وهو في الثامنة والثلاثين من عمره ، وانتهى بموته حكم آل أبي سفيان. وقد اتفق المؤرخون على أن إدمانه وإفراطه في شرب الخمر هو السبب في موته المفاجئ، وقال البعض: إنّه خر إلى الأرض أثناء رقصه من شدة السكر، فوقع على رأسه على الأرض وتناثر دماغه .
عبيد اللَّه بن زياد الذي كانت جميع الجرائم في كربلاء بأمرٍ مباشر منه ، وكان له أكبر دور في هذه الفاجعة الأليمة بعد يزيد ، لم يصمد أمام تمرد البصريين وثورتهم وفر ذليلاً . وبعد فترة وفي يوم عاشوراء من شهر محرم عام 67 ه ، أي نفس اليوم الذي استشهد فيه الإمام الحسين عليه السلام لكن بعد ستّة سنين ، اشتبك في حرب مع جيش إبراهيم بن مالك الأشتر ، وقُتل على يده في خازر منطقة الموصل ، وقد قتل في هذه المعركة التي انتصر فيها إبراهيم بن مالك الأشتر، عدد كبير من القادة المجرمين ومن جيش الشام. وحرق إبراهيم بدن ابن زياد وبعث برأسه إلى المختار الثقفي، وأرسل هو الآخر رأسه إلى الحجاز ليدخل السرور على قلب الإمام السجاد عليه السلام وآل الرسول صلى اللَّه عليه وآله بذلك .
عمر بن سعد هو المجرم الثالث في فاجعة كربلاء ، وكان يتولّى قيادة العمليات في كربلاء؛ طمعاً في ملك الري الذي وعده به كذباً ابن زياد ، واقترف أبشع الجرائم التي التصقت به وباُسرته إلى الأبد . لكنّه لم يبلغ هدفه كما تنبأ بذلك الإمام الحسين عليه السلام، وظلّ خائباً في الكوفة حتّى نال جزاءه في ثورة المختار سنة 66. حيث تم القبض عليه، وقتل، وجيء برأسه إلى المختار . فعرض المختار رأس عمر بن سعد على حفص ، نجل عمر بن سعد وسأله عما إذا كان يعرفه، فأجابه حفص، نعم، واسترجع وقال: «لا خير في العيش بعده» قال المختار : صدقت، فإنّك لاتعيش بعده . فأمر به فقتل . وحينما جعلوا رأسه إلى جانب رأس أبيه، قال المختار: «هذا بحسين وهذا بعلي بن الحسين ولا سواء .
شمر بن ذي الجوشن ، أحد الذين لهم دور كبير في جرائم كربلاء،وهو الذي حز راس الحسين وكان له دور رئيس في الهجوم على الخيام ، والتعرض للإمام السجاد عليه السلام ، وأخذ السبايا ورؤوس الشهداء المطهرة من العراق إلى الشام . وقد بلغت جرائم شمر حداً بحيث دعا عليه الإمام الحسين عليه السلام ، وقد اضطرإلى الفرار خلال ثورة المختار، إلّا أنّه حوصر أثناء الطريق بين الكوفة والبصرة ، وفي تلك الرمضاء الملتهبة ، واُصيب بجراح في اشتباك قصير ، واستناداً لروايات، فإنّه قُتل هناك . وبناء على رواية اُخرى فإنّه اُسر واُرسل إلى المختار ، فقطع المختاررأسه ورمى بجنازته في الزيت الساخن .
حرملَةُ بن كاهلٍ كان حرملة في كتيبة الرماة في معسكر عمر بن سعد . وهو الذّي قتل الطفلَ الرضيع للإمام الحسين عليه السلام وهو في حجر أبيه بسهم رماه نحوه . وكذلك نُسب إليه قتلُ عبد اللَّه بن الحسن . وكان له دور أيضاً في استشهاد العباس بن علي عليهما السلام ، وحمل رأسه الشريف إلى الكوفة . وبسبب جرائمه الشنيعة فقد نال جزاءه الدنيوي، حيث قبض عليه خلال ثورة المختار ، وأمر المختار أن تُقطع يداه ورجلاه، ثم أحرقوه .
لقد ذكرت الروايات أنّ الإمام الحسين عليه السلام وكذلك غيره من أصحابه وكذلك أخته العقيلة زينب عليها السلام قد صدر منهم ما يلفت إلى مصير هؤلاء القتلة والمجرمين.
فقد أخبر الإمام الحسين عليه السلام ابن سعد أنّه لن يكون له ملك الريّ وأنّه سيذبح على فراشه وقد حصل ذلك على يدي المختار الثقفيّ.
وأخبرت الحوراء زينب عليها السلام يزيد الطاغية في مجلسه بزوال ملكه وملك آل أبي سفيان عمّا قريب وانهم لن يحصلوا على غاياتهم في محو ذكر محمد وال محمد، حيث أطلقت صرختها للتاريخ:
” فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها ( أي لا تغسله )، وهل رأيُك إلاّ فَنَد، وأيّامك إلاّ عَدَد، وجمعك إلاّ بَدَد!! يوم ينادي المنادي: ألاَ لَعنةُ اللهِ علَى الظالمين”.
وهكذا كان فبعد ما لا يزيد على سنوات ثلاث هلك يزيد وانتقل ملك آل أبي سفيان إلى آل مروان. وها هو ذكر آل محمّد صلى الله عليه و آله وسلم يملأ المحافل وينير الآفاق ويجلو الظلمة عن الأبصار والبصائر وفعلاً، “كذب الزمان فالحسين مخلّد”.
اليوم تحل الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت هذا الانفجار الذي تسبب بمأساة وطنية كبيرة لا زالت تداعياتها وآثارها حتى الان، ولا زال اللبنانيون وذووا الضحايا ينتظرون جلاء الحقيقة التي ضيعها الاستثمار السياسي الخبيث.
إن أهم مشكلة واجهتها هذه القضية هي الاستثمار بدماء الضحايا والتوظيف السياسي والتضليل وتضييع الحقيقة في متاهات التسييس.
هناك من استغل هذه القضية الانسانية في معركته المفتوحة مع حزب الله وحمل المقاومة مسؤولية التفجير ووجه اتهامات زائفة وسخيفة لحزب الله منذ اللحظات الاولى للانفجار وحتى قبل ان يعرفوا ان ما حصل هو انفجار او زلزال.
وبالرغم من كل الدلائل على بطلان هذه الاتهامات هناك من لا يزال يصر على استخدام الدماء المظلومة للضحايا في الاستهداف السياسي.
هذه الاتهامات هي استهداف سياسي مدفوع الثمن أميركيا من اجل تشويه صورة المقاومة خدمة لإسرائيل، وكل الابواق الاعلامية والسياسية التي لا زلنا نسمعها حتى اليوم لاتهام حزب الله والمقاومة في هذه القضية او في ما يجري في مخيم عين الحلوة هي لتضليل الرأي العام والتحريض على المقاومة وهذا الاسلوب لم ينفعهم في السابق ولن ينفعهم الآن ولا في المستقبل.
نحن في حزب الله حريصون على معرفة الحقيقة في انفجار المرفأ كما كل اللبنانيين، ومتمسكون برفض مسار التسييس، ونعتبر ان إبقاء هذه القضية في دائرة التوظيف السياسي هو خيانة وطنية وجريمة أخرى بحق الضحايا وذويهم، بينما إخراجها من دائرة التسييس هو اول خطوة على طريق كشف الحقيقة وتحديد المسؤوليات ومعاقبة المقصرين والمرتكبين وانصاف الضحايا وأهاليهم .