“حرب تموز كانت إحدى الوسائل الأساسية لتحقيق مشروع الشرق الاوسط الجديد… لنعود ونتذكر لتعرف الاجيال التي بعد ذلك وعيت بعد الحرب أن هذا مشروع الشرق الاوسط كان سيؤدي لو نجح كان يعني إعتراف كل دول المنطقة بإسرائيل ككيان ودولة وضياع فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني، وضياع الجولان وما تبقى من لبنان تحت الإحتلال، وتكريس الإسرائيلي قوة عظمى في المنطقة في ظل هيمنة أميركية مطلقة.. هذا المشروع سقط وإنكسر هنا في لبنان سنة 2006…”، هذا بعض ما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في كلمته في الذكرى السنوية الـ17 لحرب تموز.
فحرب تموز شكلت مفصلا مهما في تاريخ لبنان وفلسطين والمنطقة ككل وأيضا على مستوى العالم، لان الاهداف التي رسمت لهذه الحرب كانت كبيرة لدرجة انها قادرة على تغيير وجه المنطقة وتؤثر الى حد ما في طبيعة العلاقات الدولية، ومن هنا تأتي أهمية الدور الذي يجب إيصاله للأجيال اللاحقة ما بعد الحرب في صيف العام 2006-سواء التي ولدت او تلك التي وعيت بعدها- وهذا ما أشار إليه السيد نصر الله في كلامه، عما أفشلته المقاومة من مخططات ومؤامرات تمثلت بإجهاض الغايات المرتجاة من العدوان الاسرائيلي المدعوم غربيا وبالتحديد أميركيا ومن قبل العديد من الانظمة العربية وبعض الادوات بالداخل ممن يعيشون على الاوهام الاميركية.
ومن هنا تأتي أهمية التوضيح للأجيال الصاعدة في لبنان عن دور المقاومة بإفشال الحرب وتسجيل هذا الانتصار التاريخي على كيان العدو، من خلال المتابعات اليومية في وسائل الاعلام المختلفة وتظهير الأحداث التي حصلت ومدى عجز العدو عن تحقيق أي إنجاز عسكري أو أمني يذكر وفشله الذريع برا وبحرا، واضطراره الى الاعتماد على سلاح الجو لاستخدام القوة المفرطة وإحداث تدمير كبير في البنى التحتية في محاولة منه لإخفاء فشل العدوان وتحقيق “انتصارات” إعلامية صورية.
من جهة ثانية، شكلت حرب تموز محطة هامة للتدليل على اضمحلال قوة الردع الاسرائيلية ومن ثم تآكلها بمواجهة المقاومة، وانتقال التجربة التي تحققت في لبنان الى فلسطين وبالتالي ثبات معادلات الردع بمواجهة العدو، فما عاد الحديث عن عجز العدو امام المقاومة ولبنان ولا حتى بمواجهة المقاومة الفلسطينية في غزة، وما بات الحديث يرتبط بالضعف الاسرائيلي فقط امام وحدة ساحات محور المقاومة وصولا الى سوريا والعراق وإيران واليمن، لكن وصل العجز الاسرائيلي الى مرحلة تتعلق بفقدان القدرة على التوغل والسيطرة على منطقة لا تتجاوز مساحتها عدة كليومترات في الضفة الغربية المحتلة ونقصد هنا مدينة جنين ومخيمها.
فالجيش الاسرائيلي منذ حرب تموز-آب 2006 فقد الثقة بقدرات قواته البرية التي مُنيت بهزائم ضخمة في بلدات جنوب لبنان، وفقد جيش العدو الثقة بمدى قدرة جنوده على الوقوف بمواجهة ثلة من شبان المقاومة قاتلتهم على أعتاب عيتا الشعب وبنت جبيل ومارون الرأس حتى بات بالإمكان الحديث ان حرب تموز “شيّبت” رؤوس القادة الصهاينة وصولا الى التأثير عميقا في الوجدان الصهيوني للأجيال الصاعدة في الكيان المؤقت التي باتت تهاب الدخول الى الجيش والقوى الامنية وترفض الخدمة العسكرية في مختلف الوحدات لا سيما البرية منها، انطلاقا من الخوف الكبير من المقاومين على الحدود مع لبنان او قطاع غزة او في مدن وقرى الضفة والقدس وصولا الى كل مناطق فلسطين المحتلة.
حول كل ذلك، قال المتخصص في الشأن العبري أيمن علامة في حديث لموقع المنار الالكتروني إن “السيد نصرالله في الذكرى العاشرة لانتصار حرب تموز اعتبر ان هذه الحرب جاءت لكي الوعي الإسرائيلي”، ولفت الى ان “ذكرى انتصار 2006 شكل بارقة أمل للشعوب العربية والإسلامية والقوى التحرية في العالم في مواجهة العدو للإسرائيلي والانتصار عليه إذ يعتبر انتصار تموز ثاني انتصار على العدو بعد 25 أيار 2000”.
ورأى علامة ان “صورة كيّ الوعي تتمثل بعنصرين عامين: الأول على مستوى الجيش الإسرائيلي إذ تشير الدراسات الصهيونية إلى تراجع حافزية الجندي الإسرائيلية، كما تشير دراسة الى ان حوالي 50 في المئة يهربون من خدمة الجيش”، وتابع “أيضا تبرز حالة عدم رغبة الجندي الإسرائيلي الخدمة في وحدات جغرافية بل في وحدات تكنولوجية”، ولفت الى “ازدياد الطلب على العلاج النفسي للجنود الصهاينة وحالات الانتحار إذ يشير تقرير عبري منذ عدة أيام إلى أن بعض الجنود الصهاينة يعيشون بما يسمى صدمة ما بعد الفشل أو ما بعد الهزيمة”.
وأشار علامة الى “استطلاع عبري أجري يوم الاثنين 17-7-2023 تحت عنوان الهجرة في الكيان الصهيوني في دراسة صدرت الثلاثاء تظهر ان:
54% من المستوطنين الشباب يفضلون الهجرة.
62% يشعرون أنهم وحدهم يقاتلون من أجل مستقبلهم.
52% يعتقدون أن هناك تمييزا في الكيان على أساس الأصل ومكان الإقامة.
42% يشعرون بأنهم جيل سيئ الحظ”، ورأى ان “هذا يدلل على قضية الوجود والإستمرارية في عقل المستوطنين وهم يتساءلون كم تبقى من عمر الكيان؟”.
وقال علامة “أما العنصر الثاني لتآكل الثقة وكيّ الوعي الإسرائيلي، فيتمثل في شخصية السيد نصر الله بالوجدان الإسرائيلي، وما يؤكد ذلك هو ان أي خطاب للسيد تنقله كل وسائل الإعلام العبرية وتتطرق إليه الصحف في فترة صدورها، إضافة الى تناوله على لسان المحللين الصهاينة لا سيما من ناحية المكانة التي يحتلها والصدقية”.
وبالسياق، تناول المعلّق في صحيفة “هآرتس” الصهيونية تسفي برئيل في تقرير له بمناسبة “حرب لبنان الثانية” متحدثا عن شخصية السيد نصر الله في الوجدان الإسرائيلي قائلا “حاز نصر الله صفة الشخص الموثوق بكلامه، وفي كلامه انعكاس واضح على مئات الآلاف من الإسرائيليين وعلى إسرائيل برمتها.. وبعيون الكثيرين يعد هذا الرجل وعن حق من طرد إسرائيل من لبنان وأوجد منظومة ردع هائلة في قبالتها”، مضيفا “نصر الله وللمرة الأولى يحطم قاعدة متفقا عليها لدى الجمهور والإعلام الإسرائيليين: زعيم عربي لا يتبجح لا يكذب وكلامه دقيق”.
لا شك ان انتصار المقاومة على العدو الاسرائيلي في تموز حفر عميقا:
-عزا وافتخارا واقتدارا في وجدان الشعب اللبناني وجمهور المقاومة.
-وخوفا وقلقا وانكسار في وجدان الصهاينة قيادة وعسكرا ومستوطنين.
المصدر: موقع المنار