إن المستفاد من الروايات الشريفة أنّ أعياد المسلمين، بالمعنى المصطلح، أربعة لا غير، وهي: “عيد الفطر، وعيد الأضحى، ويوم الجمعة في كلّ أسبوع، وعيد الغدير”.
وقد قال الله -تعالى-: ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، وقال – سبحانه -: ﴿قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾.
وقال – عزّ وجلّ -: ﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾.
وقال – سبحانه -: ﴿قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾[1].
وبالإضافة إلى الآية الكريمة في قضيّة مائدة الحواريّين، فقد جاءت تصاريف الكلمة وصيغها في مواضع عديدة في القرآن الكريم، نذكر منها: قوله – تعالى -: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾[2], وقوله – سبحانه -: ﴿قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى﴾[3].
والمقصود بهذا التعبير القرآنيّ يدور دائمًا حول معنى التكرار والرجوع، وليس واردًا أبدًا بمعنًى له صلة بعبادة دينيّة، وإن رجعنا ثانيةً إلى نصّ سورة المائدة لنفهمها، يتضّح لنا أنّها تتحدّث عن آية من السماء، طلبها الحواريّون من النبيّ عيسى عليه السلام ليأكلوا منها، وليذهب عنهم الريب، وتطمئنّ قلوبهم بالإيمان وبصدق هذا النبيّ، فسأل عيسى عليه السلام ربَّه أن يُنزل آية، وهي المائدة، من السماء، يأكلوا منها، وقال: وتكون لنا عيدًا، والكلمة – كما عرفناها في نصوص سابقة – هي من العودة والرجوع. والمقصود هنا أن تكون المائدة ذكرى يرجعون إليها، ليذَّكروا ما عاهدوا الله عليه، وبالذي طلبوه هم، وأخذ ميثاقهم بالإيمان والتصديق. وعليه، فإنّ كلمة (عيد) تحمل معنى التكرار، لأنّها مشتقّة من (عاد يعود). وعليه، فإنّ دعاء عيسى عليه السلام في سورة المائدة، يعني أنّ العيد سوف يكون ذكرى في كلّ عام لهذه المائدة، وكأنّها عهدٌ لأتباعه مع الله -تعالى-، يذكرونه في كلّ عام، يمنعهم من الكفر.
والعيد في الإسلام هو يومٌ محدّد نصّت عليه الشريعة الإسلاميّة المقدّسة، وحدّدت له أعمالًا وآدابًا ومراسم خاصّة. وما يدلّ على عظم شأن العيد، أنّ الإسلام قد قرن كلّ واحد من عيدَيه العظيمَين بشعيرة من شعائره الهامّة، التي لها جلالها الخطير في الروحانيّات، ولها خطرها الجليل في الاجتماعيّات، ولها أثرها العميق في التربية الفرديّة والجماعيّة. هاتان الشعيرتان هما: شهر رمضان، الذي جاء عيد الفطر مسك ختامه، والحجّ، الذي كان عيد الأضحى بعض أيّامه. فهذا الربط الإلهيّ بين العيدَين، وبين هاتين الشعيرتَين، كافٍ في الحكم عليهما، وكاشفٌ عن وجه الحقيقة فيهما، وأنّهما عيدان دينيّان بكلّ ما في الكلمة من معنى. ولهذا، فهو عبادة دينيّة، تعبّر عن نوع خاصّ من العلاقة بالله تعالى.
ومن المعاني العميقة التي يحملها العيد، أنّه يعبّر عن تحقّق العودة إلى الله -تعالى- والرجوع إليه. ولعلّ أفضل كلمةٍ قِيلَت في معنى العيد، هي كلمة الإمام عليّ عليه السلام: “إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اللهُ صِيَامَهُ وَشَكَرَ قِيَامَهُ، وَكُلُّ يَوْمٍ لَا يُعْصَى اللهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ”[4]. فلقد جاء في نهاية موسمٍ عباديٍّ مُحَمَّلٍ بمختلف ألوان العبادة والطاعة والدعاء والتذللّ لله تعالى، فشهر رمضان هو شهر الله الذي يفتح الله فيه بابَ رحمته ومغفرته ولطفه وعفوه وغفرانه للصائمين، وللقائمين، وللمجاهدين، وللعاملين، في مواقع رضاه، فهو شهر التوبة والمغفرة والرحمة. والحاجّ الذي يؤدّي فروض الطاعة، من الإحرام والطواف والسعي والوقوف في عرفات والمزدلفة… يمارس نوعًا من العودة إلى الله تعالى، ليمنّ الله عليه بالرحمة والمغفرة، وبهذا يتحقّق فرح المؤمنين وسرورهم. ولهذا، اعتبر أمير المؤمنين عليه السلام أنّ بإمكان المؤمن أن يحوّل كلَّ أيّامِه إلى أعياد، فـ”كلّ يومٍ لا يُعصَى اللهُ فيهِ فهوَ عيدٌ”[5].
[1] سورة المائدة، الآيات 112-115.
[2] سورة البروج، الآيتان 12-13.
[3] سورة طه، الآية 21.
[4] ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله، شرح نهج البلاغة، تحقيق وتصحيح محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر مكتبة آية الله المرعشيّ النجفيّ، إيران – قم، 1404ه، ودار إحياء الكتب العربيّة – عيسى البابيّ الحلبيّ وشركاه، 1378ه – 1959م، ط1، ج20، ص73.
[5] نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ عليه السلام)، مصدر سابق، ص551.
المصدر: شبكة المعارف الاسلامية