في الأول من حزيران/يونيو من العام 1987 اغتيل رئيس مجلس الوزراء اللبناني رشيد كرامي، عبر تفجير طائرة مروحية عسكرية تابعة للجيش اللبناني كانت تنقله من طرابلس (شمال) الى العاصمة بيروت، وقد أدين رئيس ميليشيا القوات اللبنانية سمير جعجع باغتياله وحكم عليه بالإعدام قبل ان تخفض العقوبة الى الأشغال الشاقة المؤبدة، لكن في 19 تموز/يوليو من العام 2005 صدر قانون للعفو عن جعجع في جرائم عدة سبق ان أدين بها من بينها جريمة اغتيال الرئيس كرامي.
واللافت ان قاتل رشيد كرامي اليوم عاد الى العمل السياسي ويفاوض لترشيح أسماء للانتخابات الرئاسية والتفاوض على أسماء اخرى، في حالة لا طبيعية قد تكون مقبولة من الناحية القانونية النظرية البحتة إلا أنها من الناحية الأخلاقية والمنطقية خارجة عن كل الأطر والمعايير، إذ كيف لقاتل أخرجته السياسة من السجن بظروف معينة عنوانها الفوضى السياسية والامنية التي حكمت لبنان في تلك الفترة، أن يصبح مقررا وله رأيه في إيصال رئيس للجمهورية سيؤثر بمصير البلد وسياساته لسنوات، علما ان الأسماء التي يروّج لها تعتبر أسماء استفزازية وهدفها تحدي فئة كبيرة من اللبنانيين.
والأنكى من كل ذلك ان هذا الخارج من السجن بعفو، أحيانا يجنح نحو تصنيف الناس ويتهم بعض اللبنانيين في وطنيتهم ويزعم أنهم يتآمرون على بلدهم وغيرها من الإدعاءات التي ينطبق عليها مقولة “إن لم تستح فافعل ما شئت”، حتى ان هذا المعفو عنه ينظّر اليوم في إمكانية عقد جلسة لمجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، ويدّعي ان المجلس مغلق بقرار سياسي وغيرها من الإشاعات التي توتر الأجواء في البلد.
ولا شك ان الشعب اللبناني وبالتحديد أحباء الشهيد رشيد كرامي طالما طالبوا بالعدالة وليس الانتقام لان العدالة تبني الدولة والوطن بينما الانتقام كما القتل والاغتيال والغدر يهدم الأوطان كما الانسان، وبالسياق، قال رئيس تيار الكرامة النائب فيصل كرامي في كلمته اليوم الخميس في الذكرى الـ36 لاستشهاد الرشيد “.. استشهادك سيبقى تلك العلامة الفارقة في تاريخ طرابلس، وسيكون دائما محطة يمتزج فيها الحزن بالفخر، ونحن، أهلك وعائلتك وتيارك السياسي والوطني، نجدد العهد باننا لم نسامح ولن ننسى، مع التأكيد بأننا لسنا طلاب انتقام بل طلاب عدالة… لقد اختار الاخوة والرفاق في تيار الكرامة ان يكون عنوان الذكرى لهذا العام: ذكرى اغتيال دولة”، وتابع “أني الان اقول، اريد وسأسعى لان تكون هذه الذكرى العام المقبل ذكرى بناء دولة”.
وبالتأكيد ان بناء الدولة لا يكون سوى بالابتعاد عن لغة الحقد والضغينة وهدر الوقت عبر طروحات تدخل البلد في أجواء الاحتقان والتوتر، وبالتالي على من يريد بناء دولة القانون والمؤسسات الاستماع الى صوت العقل والحكمة والرشد الذي كان ينتمي إليه الشهيد الرشيد لا البحث عن مصالح ضيقة تجعله في صف القتلة والمجرمين والسجل الأسود الذي سيلاحقهم أبد الدهر.
المصدر: موقع المنار