’’الاستمرار في وجود الأسد مستحيل. كيف يمكننا أن نتطلع إلى المستقبل مع رئيس سوري قتل قرابة مليون من مواطنيه؟’’
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي في العاصمة تونس في كانون الأول/ديسمبر 2017
يؤكد كلام الرئيس التركي أن الأخير لم يضع في حساباته احتمال صمود بشار الأسد وبقائه رئيساً لسوريا. لا شكّ أنه بدأ منذ عام 2018 (تحول المسار الميداني إلى حد كبير لصالح الجيش السوري) لمس فشل توقعاته.
ليس وحده من رفع سقف أهدافه من الحرب التي اندلعت في سوريا صيف عام 2011، شاركه في ذلك كثيرون من العرب ومعهم الغرب والولايات المتحدة الأميركية. كلهم تحدثوا خلال عشرة أعوام عن سوريا لا مكان لبشار الأسد ونظامه فيها.
جُمّدت عضوية دمشق في جامعة الدول العربية، ليمثلها في اجتماع القمة في آذار/مارس 2013 رئيس ما يُسمى بالائتلاف المعارض معاذ الخطيب. قُطعت معها كافة أشكال العلاقات الدبلوماسية، حتى أن جولات المفاوضات التي رعتها الأمم المتحدة كانت شكلية، إذ أنها كانت تفرض على النظام مطالب غير قابلة للتحقق لانتزاع اعتراف بالاستسلام.
فُرضت على سوريا أقسى العقوبات (بلغت ذروتها مع “قانون قيصر”) واستبيحت كل محافظاتها بالقتل والارهاب، لكن كفة الميدان مالت لصالح الدولة وحلفائها، من يربح يفرض شروطه أخيراً، وهذا ما حدث.
إلى التطبيع دُر…
يصنّف مطلعون على الشأن السوري علاقة الدول مع النظام عقب مرور اثني عشر عاماً على اندلاع الحرب، إلى من هو “متحمس لتطبيع العلاقات كتركيا والامارات، ومن يربط حصول التطبيع بتحقيق تقدّم في مسار الحل السياسي، كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وعربيًا قطر. أما الفريق الثالث فيراقب الوضع في انتظار جلاء الصورة حتى يحدّد موقفه، ومن الدول التي تمثّله السعودية على وجه الخصوص ومصر والأردن بدرجة أقل.
في ما يتعلق بالفريق الأخير، فقد شهدت الفترة الأخيرة تحديداً عقب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وشمال غرب سوريا، حراكاً لافتاً منه باتجاه الأخيرة، إن كان لجهة اتصال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنظيره السوري أو زيارة وزير الخارجية سامح شكري إلى دمشق والمساعدات التي قدمتها مصر لسوريا، أما بالنسبة للاردن، فقد شهدت علاقتها بالنظام نوعاً من الايجابية أواخر العام 2021، ذلك بعد الدور الذي لعبته في دعم الجماعات المسلحة من خلال غرفة عمليات “الموك”. فقد بحث الملك الأردني عبدالله الثاني وقتها سبل تعزيز العلاقات الثنائية في اتصال هاتفي بالرئيس السوري، تزامن مع لقاء بين وزير الدفاع السوري العماد علي أيوب، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأردني، اللواء الركن يوسف الحنيطي، إضافة لإعادة فتح معبر “نصيب-جابر” الحدودي الذي يعد رئة الأردن الشمالية.
أما بالنسبة للرياض، التي كانت من أبرز اللاعبين في الحرب لجهة التسليح وحتى الحرب الإعلامية، فقد كان من اللافت تأكيد وزير خارجيتها فيصل بن فرحان مؤخراً أن “الإجماع يتزايد في العالم العربي على أن عزل سوريا لا يجدي، وأن الحوار مع دمشق ضروري”، ملمحاً إلى عودة الأخيرة إلى جامعة الدول العربية التي من المرتقب أن تعقد قمتها المقبلة في العاصمة السعودية في أيار/مايو المقبل.
بالعودة إلى الفريق الأول أو “المتحمسين”، تأتي تركيا في الصدارة. الأخيرة، بالرغم من دورها الأساسي وانخراطها المباشر في الحرب من خلال وجودها العسكري في الشمال السوري، إلا أنه يصحّ القول أن أولوياتها في سوريا بدأت بالتغير منذ نشوء التحالف بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مما اعطى الأخيرة نفوذاً في الشمال، رأت فيه أنقرة تهديداً لأمنها القومي، ما دفعها إلى التعاون مع روسيا للحؤول دون نشوء “كيان كردي” مقابل التخلي عن فكرة “إسقاط النظام”، وإرساء نوع من الهدنة في ادلب حيث لتركيا تأثير مباشر على المسلحين.
لكن زلزال قهرمان مرعش في 6 شباط/فبراير، كان له تداعيات كارثية على أنقرة، التي تعاني مسبقاً من أزمات اقتصادية، مما جعل من حلّ أزمة اللاجئين السوريين الذين باتوا يشكلون عبئاً كبيراً على أنقرة، ضرورة ملحة، ومفتاحاً لرفع أردوغان احتمالات فوزه في الانتخابات الرئاسية المرتقبة في أيار/مايو المقبل، مقابل منافسة خطرة مع مرشح المعارضة كمال كليشدار أوغلو. هنا بدا واضحاً ارتفاع نسبة التودد التركي وتكرار التأكيد على ضرورة عودة العلاقات (لم تكن الأولى من نوعها إذ أعلن أردوغان علناً نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2022 أنه طرح على الرئيس فلاديمير بوتين اقتراحًا بتولي تنظيم مسار ثلاثي للدفع بعملية التطبيع، فكان أن عُقد في 28 ديسمبر/كانون الأول في موسكو اجتماعاً ضمَّ وزراء دفاع روسيا وتركيا وسورية، ومسؤولي استخبارات الدول الثلاث)، وإبداء جدية عالية في عودتها، انعكست برسائل عبر الوسيطين الايراني والروسي.
لكن ماذا عن الامارات؟ الأخيرة وجدت في اسقاط الأسد عام 2011 “ضربة لايران”، لكنها تراجعت ايضاً مع فشل المخطط. في كانون الأول/ديسمبر 2018، أعادت الإمارات فتح سفاراتها في دمشق. وفي مطلع عام 2020، جرى أول اتصال هاتفي علني بين ولي عهد أبوظبي آنذاك، محمد بن زايد، والرئيس الأسد، منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 2012.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2021، أجرى وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، أول زيارةٍ إلى دمشق منذ عشر سنوات، ليجري الأسد في آذار/مارس 2022، أول زيارة عربية له منذ اندلاع الحرب إلى أبوظبي، وليزور بعدها عبد الله بن زايد دمشق في كانون الأول/ديسمبر 2022. هذا الانفتاح الاماراتي برز جلياً من خلال كمية المساعدات التي ارسلت على اختلافها إلى سوريا عقب الزلزال، في ظل تعنت غربي واميركي واضح وتمسك بالعقوبات رغم فداحة الوضع الإنساني.
ما الذي تهدف إليه الامارات؟ هنا يرى مطلعون أن “هناك أيضًا اهتمام إماراتي بالحصول على فرصٍ اقتصاديةٍ في سوريا في مرحلة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار، كما أنها ترغب في الدخول على خط الوساطة بين تركيا والنظام السوري، مما يعزز من حضورها اقليمياً”.
يبقى فريق المتعنتين الذين لا زالوا على موقفهم السلبي من سوريا. في مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية التي تمارس دور المحتل من خلال وجود عسكري في قواعد كالمالكية ورميلان وهيمو وقسرك والمدينة الرياضية في الحسكة والشدادي والتنف، وتلعب دوراً ولو مستتراً في تدريب ارهابيين كعناصر داعش ونهب الثروات. إضافة إلى العقوبات القاسية التي برزت فداحة نتائجها اثر الزلزال.
جدير بالذكر أن هذه العقوبات تعتبر من أبرز العقبات أمام التطبيع مع الدولة السورية بالنسبة للعديد من الدول خصوصاً على مستوى الاتحاد الأوروبي، الذي أعلن الممثل الأعلى للعلاقات الخارجية فيه جوزيب بوريل أن الاتحاد “سيظل معارضاً للتطبيع مع النظام السوري، إلى أن ينخرط بشكل هادف في حل سياسي للصراع بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.
سوريا تلعب دور المنتصرة: للعودة شروطها
في زيارته الأخيرة إلى روسيا، وضع الرئيس السوري بشار الأسد النقاط على الحروف. قال الأخير كلمته مقابل كل “رسائل الود”، ورغم المعاناة الاقتصادية والانسانية التي فاقمها الزلزال: للعودة شروطها.
قال الأخير لأردوغان أن رفع مستوى التواصل والعلاقات مرتبط بوضع جدول زمني واضح لسحب الأخير قوّاته من الأراضي السورية، وهذا ما انعكس تأجيلاً لاجتماع كان مرتقباً على مستوى نوّاب وزراء خارجية البلدين مع روسيا وإيران، إلى وقت غير معلوم.
أما عربياً، فبالرغم من ابداء الرئيس السوري خلال زيارته موسكو “ايجابية” تجاه الود السعودي، إلا أنه استبعد مشاركة بلاده في القمة العربية المرتقبة، قائلاً “عضوية سوريا مجمّدة ولحضورها القمة يجب إلغاء التجميد والأمر يتطلب قمة عربية”، لافتأً إلى أن “العودة إلى الجامعة ليست هدفاً بحد ذاته، الهدف هو العمل العربي المشترك. الجامعة العربية نتيجة ظروفها ونظامها غير الواضح هي غالبا ساحة لتصفية الحسابات، لذا لا يجوز أن تعود سوريا وهي (جامعة الدول العربية) عنوان للانقسام فقط”.
“ربما تمر آلاف السنوات قبل أن يتحد العرب”، سُئل الأسد في مقابلته مع قناة “روسيا اليوم”، ضحك مجيباً “إذاً فلننتظر آلاف السنين”.
للاطلاع على الجزء الأول من المقال اضغط هنا
المصدر: موقع المنار