قبل انهمار الأمطار وخلالها وبعدها، يؤدي اللبنانيون صلاة الإستسقاء والإستغفار والشكر، سواء في بيوت الله أو في بيوتهم، ويشعرون بنعمة المطر مُضاعفةً، ولا وقت لدى الغالبية منهم لسماع تصريحات بعض السياسيين عن الفراغ الرئاسي، عندما يغدو الشعب في انتظارٍ لطرقة مزراب السطح، علَّها تروي ظمأ الأرض وخزانات البيوت الفارغة من المياه، والفراغ هو القاسم المشترك لهمومهم، ليس بالمفهوم الدستوري، بل فراغ الضمائر من القِيَم الإنسانية التي جعلت أقصى أحلام المواطن اللبناني، أن يملأ خزان مياه منزله من مزراب السماء، يُغنيه عن دولة مزاريب النهب في كل القطاعات، ويُغنيه أيضاً عن جميل أصحاب الصهاريج، الذين باتوا وكأنهم يبيعونه مياه زمزم، لو قرروا الإستجابة لقرع أبوابهم أو رنّ هواتفهم، وتكرموا بالقدوم، شأنهم شأن أصحاب المولدات الذين يُشغِّلونها ليس بكلفة عرق الناس، بل بكلفة صحتهم وأعصابهم وحتى دمائهم.
عندما ينتظر اللبنانيون “طرقة مزراب السماء”، يتوسَّلونها من الله رحمةً ونعمةَ، فهذه مشهدية / نموذج لمُعاناتهم وعذاباتهم، فلا تُدخلوهم في جدلية بناء السدود، مَن مع ومَن ضد بنائها من السياسيين ومن الكتل النيابية، لأن بناء السدود قد يحفظ لهم أمطار السماء، ويُغينهم عن انتظار مزراب السطح، أو انتظار تكرُّم مصالح المياه الرسمية، أو رأفة أصحاب الصهاريج بهم، لكن ماذا عن باقي المقومات الحياتية البديهية، في بلدٍ، مزاريب الهدر والنهب والسرقة فيه، لا تعوِّضها الأمطار ولا تغسِل نجاسة كل مَن امتدَّت يده الى قرش مالٍ حرام سلخه عن أجساد العاملين المجبولين بعرق التعب، ومن عيونٍ حرامٌ أن تستمر في دمع الوجع، في بلدٍ خلَت فيه بعض الضمائر من الرحمة .
كفى اللبنانيين سماع الجدل السياسي حول فراغٍ دستوري، لا في مركز رئاسة الجمهورية ولا في حكومة أصيلة، ما دام همّ الغالبية الساحقة المسحوقة منهم ملء فراغ خزان مياهٍ في بيوتهم من الصهريج أو من مزراب السطح عندما يتكبَّر صاحب الصهريج ويتجبَّر، وكفى وضع مواصفات لأي رئيسٍ قادمٍ، وهو مُكتَّف بذلك الطائف الذي أفرغ المنصب من مضمونه كما هي فارغة مؤسسات الدولة بكل سلطاتها من مضامينها، وكما هي فارغة جيوب الناس بدءاً من ثمن ربطة الخبز وصولاً الى خزان المياه.
ونكتفي بالمشهدية/النموذج لمزراب السطح، في قراءة وضعنا السياسي الداخلي، ونتوقَّف عند حديث سماحة السيد حسن نصرالله الأخير، في إحاطته بالجدل القائم بين المعنيين بالملف الرئاسي حول مواصفات الرئيس، وأعطى سماحته المواصفات العامة المقبولة بالحدّ الأدنى، وننهل منها ما معناه في قاموس وجع الناس: أن يكون صُنِع في لبنان، ولم يسقط علينا من “المزراب” لا الدولي ولا الإقليمي، وأن لا يترك ألف ملفٍّ وملفّ، ولا يرى في رؤيته الضيقة سوى سلاح المقاومة، ليس دفاعاً منا عن هذا السلاح، لأنه برعاية الله وضمائرنا، بل في التوقيت الخاطئ الخاطئ الخاطئء…الذي استثار اللبنانيين واستفزّ أصحاب الرؤى بينهم.
إن هذا السلاح، ضمن المعادلة الردعية للعدو، هو الآن أكثر من حاجة عادية، وسط المواقف السياسية المتقلبة في الطرف الآخر عند هذا العدو، بين حكومة راحلة وحكومة قيد التكوين، واستياء صهيوني من النصر اللبناني في الترسيم، وتهيُّب من العدو للأيدي القابضة على زناد بندقية، وزرّ تحكُّم بصاروخ أو مُسيَّرة، فاطلعوا أيها السياسيون من الجدل البيزنطي حول مواصفات رئيس، كل ما هو مطلوب منه أن يكون من أهل الكفاءة والأخلاق والمواقف والوفاء لدماء الشهداء، وأن لا يكون من حملة خناجر الطعن بالإنجازات الوطنية التي تحققت، رأفةً بوطنٍ شعبه ينتظر تعبئة بضعة ليترات من المياه ، بينما نعمة الله على لبنان تمثلت بمليارات الأمتار المُكعبة من مخزون الغاز والنفط، وعسى أن يتنعم بعض مسؤوليه بوافرٍ من مخزون الحكمة والدراية والضمير…