خوف المجتمع الداخلي الذي أوصل أقصى اليمين في معظم الدول الأوروبية الى الحكم خلال السنوات الأخيرة، بدءاً من تدفق اللاجئين من الشرق الأوسط، مروراً بأزمة كورونا، ووصولاً الى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية خاصة على مستوى أزمة الطاقة وما تلاها من تضخُّم على المستوى الاقتصادي، هو نفسه الذي أوصل اليمين المتطرِّف في (إسرائيل) مؤخراً الى قطف الغالبية في انتخابات كنيست 2022، مع اختلاف الأسباب، حيث الذعر الذي يعيشه المجتمع الداخلي الصهيوني على الجبهتين الداخليتين مع الفلسطينيين، سواء قطاع غزة أو الضفة الغربية، هو الذي طغى على ما عداه، وأدى الى الإطاحة بتحالف يمين الوسط برئاسة رئيس الحكومة الحالي يائير لابيد لصالح أقصى اليمين العنصري بزعامة رئيس الحكومة السابق بنيامين نتانياهو.
النتائج شبه النهائية لهذه الانتخابات، أعطت معسكر نتانياهو 65 نائباً مقابل 55 نائباً لمعسكر لابيد، لكن الملفت في هذه النتائج، أن الأحزاب العنصرية الدينية الفائزة في حلف نتانياهو، هي التي سوف تحكم مشهدية تشكيلته الحكومية المقبلة، خاصة أن حزب الليكود حصد 31 مقعداً، وضَمِن الوصول الى الأغلبية في الكنيست نتيجة التحالف مع الأحزاب العنصرية التالية: حزب “الصهيونية الدينية” برئاسة بتسلئيل سموتريتش المتحالف مع “القوة اليهودية” برئاسة إيتمار بن غفير وحصل على 14 مقعداً، وحزب “شاس” للمتدينين الشرقيين على 12 مقعداً، و”يهدوت هتوراه” لليهود الغربيين على 8 مقاعد.
وإذا كان الخوف الأمني على “المجتمع الداخلي” الصهيوني، مما يحصل مع الداخل الفلسطيني خاصة في الضفة الغربية، قد رافق الإسرائيليين خلال هذه الانتخابات، فإن نتانياهو قد “اشتغل” على هذا الخوف، عبر تشكيكه بقدرات حكومة لابيد في المواجهة، واشتغل نتانياهو أيضاً في استحضار ماضيه مع بعض العرب، وأطلق وعوده بالمزيد من التطبيع مع دول عربية جديدة، وقد جاءت القِمَّة العربية في الجزائر، وما رافقها من مقاطعة لبعض زعماء دول التطبيع، إضافة الى بيانها الكلامي الذي لا نكهة فيه، وكأنه أعطى نكهة لمعركة نتانياهو الانتخابية، وأظهره وكأنه القادر على صنع السلام باستعراض عضلاته على بعض الدول الخائبة، الصامتة عن ارتكابات العدو في الداخل الفلسطيني، هذا الداخل الذي اعتاد الإعتماد على نفسه في المواجهة بدعمٍ حصري من دول محور المقاومة.
وننتهي الى بلوغ بيت القصيد، في موضوع وصول نتانياهو ومعه اليمين الصهيوني المتطرف ونقول: نتانياهو هو الأكثر خبرة في الضربات الموجعة التي تلقاها الداخل الإسرائيلي في المواجهات، وهو الذي كان على رأس الحكومات خلال الحروب العدوانية على غزة، وكانت النتائج دائماً هزائم للقبب الحديدية الإسرائيلية أمام صواريخ فلسطينية متواضعة، وبعضها محلية الصنع في ورش حدادة، إضافة الى سحق أسطورة القوة الصهيونية أمام المقاومة في لبنان والتي كان آخرها نصر الترسيم، الذي قامت قيامة نتانياهو على حكومة لابيد بسببه، بحيث اعتبر نتانياهو أن الاتفاق على ترسيم الحدود استسلام إسرائيلي للمقاومة في لبنان، لا بل خوف من السيد حسن نصرالله، ونتانياهو في هذا الجانب، على حق.
ولا لزوم لتصريحات بعض السياسيين في لبنان، التي تسعى لطمأنة اللبنانيين، أن نتانياهو لن يُقدم على التنصُّل من إتفاق الترسيم لأن هناك ضمانات أميركية وأممية لهذا الاتفاق، ولا لزوم لإستخدام سيناريو إنسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، بما يُمكن أن يفعله نتانياهو بالإتفاق غير المباشر مع لبنان حول ترسيم الحدود، لأن الضمانة الحقيقية لهذا الاتفاق، هي هي التي واكبت المفاوضات من بدايتها، وأوصلتها لنهايتها، صواريخ المقاومة التي تُتقِن الترسيم مع الإسرائيلي وعلى الإسرائيلي، وهذه الضمانة العظيمة التي سوف تُطعِم اللبنانيين خبزاً كما قال سماحة السيد نصرالله في آخر إطلالة له لتقييم الترسيم، هذه الضمانة، هي وحدها الضمانة الحقيقية، التي سوف تُطعِم نتانياهو وكيانه علقماً يعرفون طعمه من المقاومة عند أي خطأ، واللبنانيون في غاية الإطمئنان لهذا الأمر، كائناً مَن كان الفائز في أية انتخابات إسرائيلية وعلى رأس حكومة هذا الكيان…