محاولات مجموعة من السياسيين والإعلاميين في لبنان التقليل من أهمية النصر اللبناني في مفاوضات الترسيم، جعلت من البعض منهم خبراء جيو- فيزيائيين، ومرجعيات في علوم مسح البحار.
وقد اعتاد اللبنانيون على مواقف هذه الفئة في كل استحقاق وطني عظيم، منذ التحرير عام 2000 مروراً بانتصار 2006 ووصولأً الى تطهير لبنان من الإرهاب عام 2017، وتُقارب هذه الفئة إنجاز الترسيم وكأنه مسابقة رسم في صفوف الحضانة، وضاعت في الخطوط البحرية، بين الخط ٢٩ وخط “هوف“، لأن الهدف هو الهجوم على الخط ٢٣ لأنه موضوع الإتفاق، وتجاهلت وحاولت تجهيل الرأي العام الى حدود بلوغ المحظور، عبر الادعاء أن اتفاق ١٧ أيار ١٩٨٣ المشؤوم، كان قد أعطى لبنان مساحة بحرية أكبر!
هنا نرى من واجبنا تحفيز أجيالنا اللبنانية الشابة، التي لم تكُن قد ولِدت في العام 1983، للدخول الى أي محرك بحث والإطلاع خلال دقائق على بنود إتفاق الذل هذا، الذي كان سيُفرض على لبنان تحت وطأة الإحتلال يومذاك، خاصة انه كان سيُعطي العدو الصهيوني بقعة أمنية داخل البرّ اللبناني مُكرَّسةً له باعتراف “لبناني” أمام الأمم المتحدة، لكن مجلس النواب أسقط عام ١٩٨٤ هذا الإتفاق بفضل وعي اللبنانيين وبداية نشوء المقاومة.
ولعل الإعلام الصهيوني للأسف، يبدو أكثر صدقية مع نفسه ومع المستوطنين، أكثر من بعض الإعلام اللبناني الذي يحاول التقليل من هذا الإنجاز/ الأمل لإقتصادنا المُنهار، ربما لأن الرعب الذي يعيشه المستوطنون خاصة في شمال ووسط الكيان المحتل، ألزم أهل السياسة والإعلام لدى العدو مصارحة الشارع الإسرائيلي بالحقيقة كما هي، واعترف رأس حربة المعارضة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن كيان الاحتلال “قابَلَ تهديدات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بـ “الإستسلام”، وهذه هي المعادلة الجديدة التي وضعها رئيس الحكومة يائير لابيد“، الذي يسعى فعلاً لتمرير الاتفاق قبل انتخابات الكنيست في الأول من تشرين الثاني المقبل، لقطف ثمرة تأمين الأمان التي يضمنها هذا الاتفاق للمستوطنين المُرتعدين.
وذهب الكاتب “ألفير جاسوس” عبر مقالته في صحيفة “هآرتس” العبرية أبعد من نتانياهو، وأقرّ أن “الخوف من السيد نصرالله مبرر، بالنظر الى ثمن الحرب معه، لأنها تعني آلاف الصواريخ على مدن إسرائيلية، ودمار هائل يجعلها في حالة خراب ومقتل آلاف المدنيين، لذا لم تكن إسرائيل قادرة على التفاوض مع حزب الله من موقع قوة، وستفعل أي شيء تقريبًا لمنع الحرب“.
يكفي أن يُدرك اللبنانيون المُفارقة، أن إسرائيل الذاهبة الى انتخابات تشريعية بوجود حكومة، تعيش إرباكاً سياسياً غير مسبوق، بينما لبنان بحكومة تصريف أعمال وتعذُّر التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، يمضي في تحقيق النصر بفضل معادلته الثابتة الراسخة في الردع، لأن رسم مستقبله وترسيم حدود خيراته تتولاهما أيادي الكبار من قادته، وما على المُراهنين على ضعفه سوى استكمال مسابقات الرسم كما صفوف الحضانة..