قبل الحديث عن ما ستكون عليه خطوات دونالد ترامب الفعلية ازاء الازمات الساخنة في العالم ومنطقتنا بالاخص، والتي اججتها السياسات الاميركية اصلا، وقبل الحديث عن والتحليل عن التعاطي الاميركي المقبل مع “اسرائيل” وهو اصلا من الثوابت الاميركية، يجدر التوقف عند ما يحصل الآن على الساحة الاميركية من تحركات مناهضة لفوز ترامب.
ولا تحتاج الى كثير تحليل معرفة الاسباب الظاهرية للتحركات الشعبية المستمرة منذ 3 ايام والتي تعود الى مخاوف اثارتها خطابات ترامب في الحملات الانتخابية. ولا ندخل هنا في مفاضلة بين الرئيس المنتهية ولايته اوباما وبين ترامب، او بين ترامب والمرشحة التي سقطت بوجهه في الانتخابات هيلاري كلنتون، ازاء قضايانا العربية والاسلامية، حيث تناوب الحزبان الجمهوري والديمقراطي على خلق المآسي في منطقتنا بالمباشر وبالوكالة، ولكن مواقف ترامب ازاء اللاجئين او المرأة او السمة العنصرية التي طبعتها اججت رفض انتخابه. كانت مواقفه حيال المسلمين تعبيرا عن صورة نمطية وتعميمية شابهت ما بعد احداث 11 ايلول بحيث يصبح كل المسلمين متهمين او متطرفين من خلال هذه الصورة التشويهية ولكنه تجاهل ان مئات الالاف في اميركا مواطنون يحملون الجنسية ويندمجون بشكل سلس وطبيعي مع المجتمع.
بعد فوزه تفادى ترامب التصريح المباشر عن مواقف متصلبة اطلقها سابقا خاصة حول المسلمين، ولكن على موقعه الالكتروني اعيد نشر موقفه حول حظر دخول المسلمين. كما استبدل مواقفه التصعيدية تجاه بعض الدول بالحديث عن تعاون مشروط بالمصلحة الاميركية، ولكن رغم ذلك كانت المواقف الدولية حذرة ازاء انتخابه.
يعود اصل مواقف ترامب الى رؤيته القائمة على تعامل يمكن وصفه انه عنصري ونمطي بحجج امنية فيرفض استقبال اللاجئين المسلمين، ويدعو إلى وقف المهاجرين من العراق وسوريا حتى التوصل إلى نظام أمني محدد ازاء ذلك، والنقطة الثانية التي تطبع تعامله مع الخارج هي اطلاق المواقف الحادة ازاء عدد من الدول، وعلى الصعيد العسكري الخارجي لا يمانع ارسال قوات كبيرة الى الخارج كما تحدث في هذا الاطار حول سوريا مثلا، وهو في هذا الملف يعتبر ان الاولوية محاربة داعش وليس الرئيس الاسد.
ما شهدته الولايات المتحدة لليوم الثالث من تظاهرات احتجاجا على انتخاب دونالد ترامب من قبل شريحة واسعة لا سيما الشبابية منها ظهر حتى الآن انها لم تكن فورة آنية وتوقفت بل اللافت انها استمرت ، حتى حدا الامر بترامب الى التنديد ب”متظاهرين محترفين مدفوعين من وسائل الاعلام”. كما ظهرت مطالبات في كاليفورنيا بالانفصال بعد فوز ترامب، والجديد اليوم بالاضافة الى التظاهرات الجديدة هو عريضة من مليوني توقيع تطالب الناخبين الرسميين أن يعطوا أصواتهم لهيلاري كلينتون في 19 كانون الأول/ديسمبر، وتجاهل نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة.
احتشد متظاهرون أمام البيت الأبيض مرددين شعارات مناهضة لدونالد ترامب من بينها “حب ترامب كراهية”، وعبروا عن صدمتهم لوصول ترامب الى البيت الابيض متهمين اياه بالتحريض على العنصرية في خطاباته الانتخابية. وتجمع المتظاهرون امام البرج الذي يملكه ترامب في نيويورك وسط اجراءات امنية مشددة ، رافعين لافتات كتب عليها ” انت لست رئيسي” ، و ” ترامب يقسّم اميركا”. ودافع بعض المتظاهرين عن انجازات الرئيس باراك اوباما معبرين عن مخاوفهم من ان يقوم ترامب بالغائها ومنها الاتفاق النووي مع ايران .
ما يجري على الارض الاميركية يعتبر الاول من نوعه في تاريخها الحديث بحيث لم يتظاهر اميركيون ضد فوز رئيس منذ زمن بعيد. هل هذا مؤشر الى تصاعد امني محتمل ، وهل تستمر التظاهرات وتتوسع ام تكون الى انحسار، وهل تخبو موجة الرفض بعد تسلمه الرئاسة ام تتفاقم؟ يمكن تجاوز هذه التساؤلات الى القول ان ما حصل مؤشر الى وضع غير مسبوق داخل المجتمع الاميركي يمكن ان يترك آثاره على اكثر من صعيد وقد ينحو نحو ما هو اوسع واخطر على الصعيد الداخلي، ويثير تساؤلات حول ما اذا كان عهد ترامب سيحمل ازمات داخلية متصاعدة، لأن التظاهرات بحجمها ومضمونها شكّلت ظاهرة جديدة من نوعها حملت نوعا من التغير السلوكي في المجتمع ، كما عبّرت عن تعمق انقسام سياسي واجتماعي في الولايات المتحدة ليس بعيدا عن تراكمات متعلقة بسياسات الادارات المتعاقبة وبالاخص على الصعيد الخارجي، والتخوف من ان تحمل اي سياسات اميركية متطرفة جديدة تداعيات سلبية ، وهنا يمكن التساؤل هل ما قالته كلينتون عن “انقسام في امتنا اعمق مما كنا نعتقد”، هو في اطار مواقف آنية متعلقة بما بعد خسارتها ام هو فعلا واقع حقيقي ، ولماذا تحدث اوباما عن ضرورة انتقال سلس للسلطة، هل هناك تخوف من تصاعد في الوضع على الارض؟
المصدر: موقع المنار