تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الجمعة 19-12-2025 سلسلة من الملفات المحلية والاقليمية والدولية.
البناء:
ترامب يلغي موعد نتنياهو بعد تذكيره بأنه منحه الجولان… وتركيا تكسب جولة | غارات إسرائيلية جنوباً وبقاعاً… وبري: رسالة لمؤتمر باريس و«تكريم للميكانيزم» | الجلسة النيابية صفعة للقوات… والسجال ما بعدها يفكك جبهة المواجهة مع المقاومة
وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة البناء اللبنانية ” قبل عشرة أيام من حلول الموعد المرتقب للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي أعلن رسمياً أن هذا الموعد هو في التاسع والعشرين من الشهر الحالي، فاجأ ترامب نتنياهو بالقول إنّه لم يحدّد موعداً للقائه بعد، بما يعني إلغاء الموعد الذي يستحيل إقدام مكتب نتنياهو على إعلانه رسمياً قبل عشرة أيام، دون أن يكون قد تم التثبيت الرسمي في واشنطن وتل أبيب للموعد، ويأتي إعلان ترامب على خلفية الخلاف المستحكم بين واشنطن وتل أبيب حول تركيا، التي ترى فيها “إسرائيل” منافساً إقليمياً في جبهتي سورية وغزة، وترى فيها أميركا حليفاً يتجاوز في أهميته موقعه في حلف الناتو، إلى اعتبار تركيا ركناً موازياً للسعودية في الحفاظ على المصالح الأميركية مع تراجع مكانة “إسرائيل” وقوتها في المنطقة، ولأن الخلاف حول تركيا ليس نظرياً ولا يحتمل التأخير بدا أن انعقاد الاجتماع في ظل هذا الخلاف مستحيلاً، حيث إن الرئيس ترامب قد تعهد علناً بإطلاق المرحلة الثانية من اتفاق غزة مطلع العام الجديد، وهو يعلم أن الرسالة التي يحملها التأخير هي تآكل ما تمّ إنجازه، وإعادة المبادرة إلى طرفي النزاع حركة حماس و”إسرائيل”، ويشكل نشر القوة الدولية في غزة بعد تشكيلها الحلقة المركزية التي تراهن عليها واشنطن لإنعاش اتفاق وقف إطلاق النار، بالرغم من عدم حسم مصير سلاح المقاومة، وبينما تصرّ “إسرائيل” على حسم مصير السلاح قبل أي خطوة أخرى، تعتقد واشنطن باستحالة الحصول على ثمن بهذا الحجم فشلت “إسرائيل” في الحصول عليه رغم حرب امتدت لسنتين قدمت خلالها واشنطن لتل أبيب كل ما يلزم للنجاح، وتجد واشنطن في مشاركة تركيا في القوة الدولية مفتاحاً سحرياً لحل المشكلات، بحيث تضمن هذه المشاركة إقناع سائر الدول المتردّدة بفعل المثل، كما تضمن عدم ممانعة حماس في انتشار هذه القوة، وتضمن حواراً حول حدود دور القوة الدولية وتعامل حماس معها تديره تركيا بالنيابة مع واشنطن لتقليص مساحة سيطرة حماس في غزة، بينما تضع “إسرائيل” الفيتو بالخط الأحمر على هذه المشاركة، وهي ترى في تركيا منافساً إقليمياً خطيراً يملك حليفين كبيرين هما الحكم الجديد في سورية وحركة حماس، وسوف يكون من الصعب تحجيم الدور التركي في سورية والمنطقة إذا تم منح تركيا فرصة قيادة قوة غزة.
بانتظار حسم هذا الخلاف وإعادة تعيين موعد للقاء ترامب ونتنياهو، واصلت تل أبيب غاراتها على لبنان، في خطوة وصفها رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالرسالة إلى اجتماع باريس الذي كان يناقش المرحلة الأولى من خطة الجيش اللبناني لحصر السلاح وكيفية دعم الجيش، وقال بري هذا تكريم لاجتماع الميكانيزم الذي ينعقد اليوم، وسط تجاذب حول شروط إعلان نهاية المرحلة الأولى من خطة الجيش، بين تمسك الجيش والدولة اللبنانية باعتبار إنجاز المرحلة الأولى مرهوناً بتسليم المواقع التي تحتلها “إسرائيل” للجيش وإكمال الجيش انتشاره جنوب الليطاني ووجود مطالبات للدولة والجيش وضغوط عليهما لبدء المرحلة الثانية شمال الليطاني ولو أدى ذلك لصدام مع المقاومة، من دون استكمال انتشار الجيش جنوب الليطاني الذي يعيقه رفض “إسرائيل” للانسحاب.
نيابياً، ترأس رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة التي تعثرت سابقاً بفعل المقاطعة التي قادتها القوات اللبنانية، في معركة جعلت عنوانها إضعاف رئيس المجلس النيابي، ما جعل انعقاد الجلسة نصراً صافياً لبري الذي لم يصدر عنه ما يضع انعقاد الجلسة في سياق معركة بينه وبين القوات، وجاء سجال القوات مع النواب الذين شاركوا في تأمين النصاب واتهامهم بالخيانة والتخاذل إلى تفكك الجبهة السياسية والنيابية التي كانت تتباهى القوات بقيادتها باعتبارها جبهة مواجهة مع المقاومة، فيما حرص النواب الذين شاركوا في الجلسة بعدما شاركوا في المقاطعة سابقاً على تأكيد الطابع النيابي التشريعي لمواقفهم بالمشاركة، رافضين لغة الوصاية التي تمارسها القوات على الآخرين مؤكدين استقلاليتهم وانطلاق خياراتهم من حساباتهم الخاصة.
وفشل مسعى حزبي «القوات» و»الكتائب» وآخرين من المستقلين والتغييريين بتطيير الجلسة التشريعية، فحضر إلى ساحة النجمة أكثر من 70 نائباً، فاكتمل النصاب وعُقدت الجلسة استكمالاً للجلسة السابقة، وأقرّت عدداً من البنود الحياتية والاقتصادية.
وعلّقت مصادر نيابية على الجلسة بالإشارة إلى أنّ انعقاد الجلسة يحمل دلالات سياسية عدة، أبرزها سقوط الأكثرية النيابية التي ادّعت بعض الجهات امتلاكها لفرض إرادتها ووجهة نظرها على باقي الكتل النيابية والقوى السياسية. والأمر الثاني كشفت الفريق الذي سعى إلى تعطيل الجلسة باستخدام كافة أدوات ووسائل الضغط على النواب وصولاً إلى الاستعانة بدول إقليمية نافذة للتأثير على قرار بعض النواب.
الأمر الثالث، وفق ما تشير المصادر لـ»البناء»، أنّ التغيّر في مواقف بعض الكتل النيابية وآخرين وسطيين وحتى بعض النواب التغييريين يحمل إشارات لتحوّلات داخلية وخارجية لجهة المقاربة الأميركية والغربية والعربية لمسألة سلاح حزب الله وإدارة الملف اللبناني بواقعية، وهذا ما حملته تصريحات المبعوث الأميركي توم برّاك والسفير الأميركي في لبنان ميشال عيسى، بانتهاج سياسة احتواء السلاح وعدم اتباع خيار المواجهة أكان عبر حرب عسكرية إسرائيلية أو عبر الجيش اللبناني بالقوة، لما له من تداعيات على السلم الأهلي والاستقرار الداخلي وعلى مستوى المنطقة.
كما علمت «البناء» أنّ انعقاد الجلسة التشريعية جاء نتاج مشاورات رئاسية بين بعبدا وعين التينة والسرايا الحكومي، وضغوط من رئيسي الجمهورية والحكومة لعقدها لتمرير قوانين ملحّة وشؤون حياتية واقتصادية.
ووفق معلومات «البناء» فإنّ بعض النواب التغييريين حضروا إلى القاعة العامة من دون زملائهم، وهم ملحم خلف وبولا يعقوبيان والياس جرادي وياسين ياسين، ما يعبّر عن واقع الانقسام العميق داخل كتلة التغييريين، إذ توقع أحد النواب نهاية هذا التكتل مع تأجيل الإعلان إلى ما قبل الانتخابات النيابية.
وبدأت الجلسة بالوقوف دقيقة صمت عن روحَي النائب غسان سكاف والنائب والوزير السابق زاهر الخطيب، ثم جرى نقاش بنود جدول الأعمال، فأقرّت الهيئة العامة سبعة مشاريع واقتراحات قوانين، أبرزها مشروع القانون الرامي إلى إبرام اتفاقية قرض بين لبنان والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، والمتعلّق بإعادة إعمار البنى التحتية في الجنوب، والذي تبلغ قيمته 250 مليون دولار، وسط اعتراض تكتل لبنان القويّ لغياب خطة حكومية واضحة. كذلك، أقرّ المجلس عدداً من الاتفاقيات، إضافة إلى القانون الذي أعاده رئيس الجمهورية والمتعلّق بتنظيم القضاء العدلي، ومشروع الإدارة المتكاملة للنفايات معدّلاً، بعد أن أخذ حيّزاً من النقاش.
وقال النائب حسن فضل الله عقب الجلسة: «إننا شاركنا في الجلسة من موقع المسؤولية تجاه مجموعة من مشاريع القوانين، وأولها اتفاقية القرض مع البنك الدولي»، معتبراً أن إقرار الاتفاقية يُشكّل مقدّمة جيدة لملف إعادة الإعمار.
من جهته، لفت نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب إلى أنّ القوانين التي أُقرّت عند إقفال المحضر أصبحت نافذة، مشيراً من جهة ثانية إلى أنه في حال الذهاب إلى خيار إعادة فتح المهل أمام المغتربين للتسجيل للاقتراع لـ128 نائباً، سنكون ملزَمين بتمديد تقني لمجلس النواب. فيما أشار النائب علي حسن خليل، في تصريح، إلى أنّ هذه الجلسة ليست تحدّياً لأحد على الإطلاق، لافتاً إلى أنّ الأمور المتعلّقة بالانتخابات تُعالج وفق الأصول، والأهمّ عدم خلق ذرائع لتأجيلها أو إلغائها.
وفيما تداول نواب في ساحة النجمة احتمال تأجيل الانتخابات والتمديد لعام أو اثنين وفق معلومات «البناء»، نقل مصدر سياسي عن رئيس الجمهورية تأكيده إصراره على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها وعدم التمديد للمجلس النيابي الحالي، ولفتت المصادر لـ»البناء» الى أنّ الرئيس لا يمانع تأجيلاً تقنياً لأشهر قليلة لكنه يرفض التمديد. كما نقلت المصادر عن عون تفاؤله بالوضع الأمني في لبنان من خلال الانفراجات الإقليمية والدولية والاهتمام تجاه لبنان عبر عقد مؤتمرات الدعم للجيش والعمل عبر الميكانيزم لتجنّب التصعيد العسكريّ الإسرائيليّ وعودة الحرب.
أما رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، فتوقّف عند ما اعتبره نيات لتطيير الانتخابات، لافتاً إلى أنّ الهدف هو أولاً تطيير حق المنتشرين في الاقتراع، وثانياً تأجيل الانتخابات النيابية.
وأوضحت أوساط نيابية في التيار الوطني الحر لـ»البناء» الى أنه أسيءَ فهم كلام الوزير باسيل حول قبول قرض البنك الدولي المخصّص لإعادة الإعمار، وهو أيّ باسيل أكد أنّ الجنوب «بيستاهل» مليارات الدولارات وليس 250 مليون دولار فقط، لكن المشكلة تكمن بغياب خطة حكومية واضحة لإعادة الإعمار ومصادر تمويلها.
لكن وزير المال ياسين جابر ردّ على باسيل خلال الجلسة وفق معلومات «البناء» بأنّ الحكومة تملك خطة لإعادة الإعمار لكنها تحتاج إلى تمويل، وتنتظر نتائج مؤتمرات الدعم الدولي في باريس والسعودية.
وانتظر النائب جورج عدوان على مقربة من حرم المجلس النيابي، وبعد رفع الجلسة حضر لتبرير تعطيلها، لافتاً إلى أنّ الكتلة لا تقاطع التشريع، وإنما تعترض على ما وصفه بالممارسة الخطأ التي تجري في المجلس.
وفي تصريحات تعكس حجم الخلاف والتباعد بين القوات اللبنانية ونواب الشمال، ردّ النائب أحمد الخير على ما صدر عن عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب غسان حاصباني من «كلام مستنكر» بحقه وبحق زميله في تكتل «الاعتدال الوطني» النائب وليد البعريني، فخاطبه بالقول: «الإناء ينضح بما فيه. بكل الأحوال، لا حرج على سياسة ليس فيها شيء «حكيم» بالإصرار على عدم احترام النواب السنّة وقرارهم ودورهم».
وقال النائب الخير في بيان: «قلّة الاحترام هذه التي تعبّرون فيها عنّا في كل محطة لا تتقبّلون فيها رأينا المعارض لرأيكم، أنتم سوف تدفعون ثمنها مع ناسنا، في الشمال وكل لبنان. و»يلي بدق الباب بيسمع الجواب»».
وأشار عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض إلى أنّ مجلس النواب يجب أن ينعقد بصورة دائمة ومستمرة، لا سيما القروض التي تتعلق بالبنية التحتية جراء الاعتداءات والمياه من أجل بيروت، والابتزاز في انعقاد الجلسات له تداعيات سلبية جداً.
واعتبر فياض في تصريح لقناة «الجديد» من مجلس النواب، بأنّ هناك ممارسة سياسية عدائية تتجاوز الحدود لا سيما من وزير الخارجية يوسف رجي حيث يمارس اجتياحاً للمنطق الميلشياوي في الوزارة، وكيفية التعاطي مع السفير الإيراني الجديد وكيفية استدعاء السفير اللبناني في طهران، وحين تحدّث عن مفاوضات على أرض محايدة مع إيران وكأن إيران بلد عدو، وهذه السياسة ليست سياسة الدولة اللبنانية بل سياسة حزب سياسي.
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري علّق على الغارات «الإسرائيلية» التي طالت مناطق في الجنوب والبقاع، معتبراً أنها «رسالة موجّهة إلى مؤتمر باريس المخصص لدعم الجيش اللبناني، وحزام ناري من الغارات الجوية تكريماً لاجتماع «الميكانيزم» المقرر اليوم».
في غضون ذلك، وعلى وقع الغارات والاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب والبقاع، انعقد مؤتمر باريس بحضور قائد الجيش العماد ردولف هيكل والمبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، والموفد الفرنسي جان إيف لودريان ومستشارة الرئيس ماكرون، والموفد السعودي يزيد بن فرحان.
وأفادت مصادر صحافية مطلعة لـ»البناء» بوجود ليونة أميركية وفرنسية لجهة مسألة سلاح حزب الله عبر احتواء السلاح وتركه في أماكنه ووضع ضوابط مشدّدة لمنع استخدامه، بموازاة مساعدة الجيش اللبناني بما يحتاجه من أسلحة وذخائر وآليات لاستكمال مهامه في جنوب الليطاني وإنجاز المرحلة الأولى للانتقال إلى المراحل الأخرى.
ووفق المصادر فإنّ الموقف السعودي لم يتغيّر من مسألة حصريّة السلاح لكن مع اقتناع السعوديين بأنّ الجيش اللبناني يبذل كل جهوده وفق إمكاناته وقدراته الحالية من حصر السلاح وفرض سيطرته وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها. لكن المصادر تشير إلى أنّ النتائج السياسية لاجتماعات باريس والمفاوضات ضمن آلية الميكانيزم، مرتبطة بالموافقة الإسرائيلية على تقديم خطوات مقابلة بالانسحاب من نقاط محتلة ووقف الأعمال العدائية وهذا سيتظهّر من خلال لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة «إسرائيل» بنيامين نتانياهو نهاية الشهر الحالي.
بدورها، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، «أننا اتفقنا مع أميركا والسعودية ولبنان في اجتماع باريس على تنظيم مؤتمر دولي لدعم الجيش اللبناني في شباط».
وأوضحت وزارة الخارجية الفرنسية، أنّ «اجتماع باريس بحث سبل دعم الجيش اللبناني في جهوده للسيطرة على السلاح في البلاد»، مضيفة: «نتابع الوضع في جنوب لبنان عن كثب وندعو إلى خفض التصعيد وندين ضربات «إسرائيل»».
وأشارت إلى أنّ «هدفنا في لبنان تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وهو يشمل نزع سلاح حزب الله»، لافتة إلى أنّه «إذا كانت هناك حاجة لتأخير الموعد النهائي لنزع سلاح حزب الله سنناقش الأمر مع جهات الاتفاق».
وأشار قائد الجيش العماد رودولف هيكل، خلال لقائه في باريس رئيس أركان الجيوش الفرنسية فابيان ماندون، إلى «الجهود الكبيرة التي يبذلها الجيش لضمان أمن لبنان واستقراره، وتطبيق المرحلة الأولى من خطته في منطقة جنوب الليطاني ضمن الجدول الزمنيّ المحدد لها».
وخلال لقاء عقد بينهما وتناول سبل تعزيز التعاون بين جيشَي البلدَين، لا سيما في مجال تعزيز قدرات المؤسسة العسكرية والتدريب المشترَك، وفق بيان الجيش اللبناني.
وشدّد ماندون على «أهمية دعم الجيش للحفاظ على أمن لبنان وسيادته واستقراره».
وأشار مندوب لبنان في الأمم المتحدة أحمد عرفة، خلال جلسة لمجلس الأمن، إلى أنّ زيارة وفد مجلس الأمن الأخيرة إلى لبنان «وفّرت فرصة لإطلاع المجلس على جهود لبنان في سبيل بسط سلطة الدولة وحصرية السلاح وإطلاق ورشة إعادة الإعمار والالتزام بتنفيذ القرار 1701 بالكامل». ولفت إلى أنّه «لا بدّ من تذكير بمسؤولية المجلس إزاء التهديدات الخطيرة التي تطلقها الحكومة الإسرائيلي بتصعيد جديد».
أوضح «أننا نسعى إلى ضمان احترام اتفاق وقف الأعمال العدائية، وتوفير جميع الظروف للتحقق من الشكاوى بما يتيح للحكومة في تنفيذ خططها وإطلاق عملية إعادة الإعمار بعد الانسحاب الإسرائيلي»، مؤكداً ضمان أمن قوات «اليونيفيل» في لبنان.
وشدّد عرفة على «ضرورة تفادي الفراغ الأمني في جنوب لبنان أو مياهه الإقليمية في المرحلة الانتقالية لليونيفيل»، لافتاً إلى أنّ «الفراغ الأمني إنْ حصل لن يكون في مصلحة الأمن الإقليمي ونرى ضرورة في استمرار وجود قوة أممية لمراقبة القرار 1701».
إلى ذلك، وصل رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي مساء أمس إلى بيروت على رأس وفد وزاري في بداية زيارة رسمية تستمر يومين، وكان في استقباله في مطار بيروت رئيس الحكومة نواف سلام ووزير الصناعة جو عيسى الخوري .
ويعقد الرئيسان سلام ومدبولي اجتماعاً ثنائياً اليوم، ثم تعقد المحادثات الموسعة بين الجانبين اللبناني والمصري ويعقد الرئيسان مؤتمراً صحافياً مشتركاً في ختام المحادثات.
ونفى السفير المصري في لبنان علاء موسى ما نقلته إحدى الصحف عن أنّ رئيس الحكومة المصرية آتٍ بخطاب عالي النبرة ضدّ حزب الله لأنه أفشل الاقتراح المصري”.
الأخبار:
مجلس النواب يُشرِّع رغماً عن جعجع
وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة الأخبار اللبنانية ” لم تنفع ضغوطات حزب «القوات اللبنانية» على الكتل النيابية، وحملة التخوين التي قادها رئيسه سمير جعجع ونوابه، في منع التئام مجلس النواب أمس. فسحب بذلك من شارك ممن قاطعوا سابقاً ورقة تعطيل المجلس النيابي من بين يديه، بعدما حاول الإيحاء بأن النصاب القانوني، متوقّف تأمينه على قرار منه.
في التفاصيل، انعقدت الجلسة التشريعية بمشاركة 75 نائباً، لمتابعة جدول أعمال جلسة 29 أيلول الفائت، التي لم يقفل الرئيس نبيه بري محضرها، بعد إسقاط نصابها. وقد أتت الصفعة الأولى لجعجع من تكتل «الاعتدال الوطني»، الذي سحب بنزوله إلى ساحة النجمة ورقة الأكثرية من معراب. كما شارك نواب من «قوى التغيير»، هم ياسين ياسين وملحم خلف وبولا يعقوبيان (دخلت بعد اكتمال النصاب).
ومن تكتل «لبنان الجديد»، بدا لافتاً توجيه النائب نبيل بدر سهامه نحو جعجع شخصياً، بإشارته إلى إعطائه مع زملائه «شيكاً على بياض» لجعجع، عبر مقاطعتهم الجلستين التشريعيتين الأخيرتين.
غير أن النائب البيروتي أكّد أن تكتّله «كيان سياسي مستقل، ولا نستطيع الاستمرار في إلغاء مصالح الناس وتحييدها كرمى لعيون حالة واحدة من حالات كثيرة في هذا البلد». وقد عبّر بدر بذلك عمّا يُحكى عن «انتفاضة سنية» على محاولة معراب مصادرة قرار نواب الطائفة، مستفيدةً من غياب الزعامة السنّية. وهو ما لم يعد خَفيّاً، وتحدّث عنه النائب جورج عقيص بوضوح مرتين، عبر قوله، إن كل نائب سني يترشح على لوائحهم، يتوجّب عليه الانضمام إلى تكتّلهم النيابي في حال فوزه.
الصفعة الثانية أتت من رئيس الجمهورية جوزيف عون، الذي حثّ النواب – عبر نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب أول من أمس – على المشاركة في الجلسة التشريعية.
وهو عاد وأكّد أمس حرص رئيس الجمهورية على عدم تعطيل المؤسسات الدستورية. ويبدو أن موقف الرئاسة الأولى ينسحب على رئيس الحكومة تمام سلام، الذي ساهم في تأمين حضور تكتل «الاعتدال الوطني»، وحضر مع الوزراء الجلسة التشريعية، من دون أن يتطرّقوا إلى مشروع قانون تعديل قانون الانتخابات المُرسل من قبلهم. وأكثر من ذلك، كشفت مصادر نيابية أن سلام ضغط لعقد الجلسة بغية وضع القوانين المُقرّة في جلسة 29 أيلول الفائت على سكة التنفيذ، وإقرار مشاريع القوانين الملحّة على جدول الأعمال، علماً أنها مُرسلة من الحكومة، لكنّ إقرارها معلّق منذ ثلاثة أشهر بسبب تعطيل العمل التشريعي.
أمّا المعركة الكبرى التي خسرها جعجع، فهي تلك التي خاضها ضدّ بري، واستخدم فيها كل أنواع الأسلحة؛ من تخوين النواب الذين يقرّرون المشاركة، إلى قيام النائبة ستريدا جعجع نفسها بالاتصال ببعض النواب والطلب إليهم مقاطعة الجلسة، وتحويل المعركة من صراع سياسي إلى صراع شخصي مع بري.
لكن رغم وصول حملة معراب إلى حدّها الأقصى الممكن، تمكّن بري بالتعاون مع رئيسَي الجمهورية والحكومة من وضع حدٍّ لمحاولة جعجع تعطيل العمل التشريعي والحكومي، لمصالح سياسية ضيّقة. فبعد تغنّيه في عام 2017 بإنجاز قانون الانتخابات الجديد، وتحديداً ما يتعلق بدائرة الاغتراب؛ عاد وانقلب على نفسه عندما وجد أن تصويت المغتربين في الخارج يعود بالفائدة عليه.
نتيجةً لذلك، حضر النائب جورج عدوان إلى ساحة النجمة بعد انتهاء الجلسة أمس، بصورة المهزوم، ومن دون نواب كتلته الذين جرت العادة أن يحيطوا به خلال تصريحه للإعلام.
وحاول التغطية على خسارة «القوات» للأكثرية، بالقول، إن بعض النواب الذين أمّنوا النصاب سيصوّتون حكماً إلى جانب حزبه، في حال طُرح تعديل قانون الانتخاب على التصويت. ولم يفت عدوان الردّ على رئيس الجمهورية، بوضعه ما تقوم به «القوات» في إطار الحرص على العهد، مؤكّداً أنها «من يحمل لواء العهد الجديد والتغيير»، ومشدّداً على أن «وقت التسويات على طريقة أبو ملحم ولَّت». كذلك، فعل مع رئيس الحكومة، حين قال، إن ما يقوم به حزبه يصبُّ في صالح «عدم تعطيل عمل الحكومة التي نحن جزء منها».
وكان بري قد افتتح الجلسة بطرح اتفاقية قرض البنك الدولي لتنفيذ مشروع المساعدة الطارئة للبنان بقيمة 250 مليون دولار لتمويل إعادة إعمار البنى التحتية المتضرّرة جراء العدوان الإسرائيلي على التصويت، لتُقرَّ بغالبية الأصوات. كما أُقرَّ مشروع قانون إلغاء القانون الذي يُجيز للحكومة إبرام اتفاقية تجنّب الازدواج الضريبي والحؤول دون التهرّب من دفع الضرائب المفروضة على الدَّخل ورأس المال بين لبنان والسودان.
وأيضاً، أقرَّ النواب مشروع قانون تنظيم القضاء العدلي الذي طُرح من خارج جدول الأعمال، إلى جانب مشروع قانون مصادر تمويل الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة. وعند طرح اقتراح قانون إخضاع المتعاقدين في وزارة الإعلام لشرعة التقاعد، بدأ بعض نواب حزب الله بالخروج للصلاة، وتبعهم نواب تكتل «الاعتدال الوطني».
عندها، نبّه بو صعب بري إلى فقدان النصاب، لافتاً إلى ضرورة ختم المحضر لتفادي تكرار ما حصل في الجلسة الأخيرة. فتُليَ المحضر وصُدِّق ورُفِعت الجلسة، ما يعني أن كل القوانين التي أُقرَّت أمس وفي جلسة 29 أيلول الفائت باتت في حكم النافذة (تحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية والنشر في الجريدة الرسمية)”.
مشكلة السيولة وتسديد الودائع تأتي ثانياً ولا تمويل للاقتصاد: هل اتفقت الحكومة مع «الصندوق» على «تراتبية الخسائر»؟
وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة الأخبار اللبنانية ” يتوقع أن تدعو رئاسة الحكومة إلى انعقاد مجلس الوزراء يومي الإثنين والثلاثاء، من أجل مناقشة مشروع قانون الفجوة المالية واسترداد الودائع. إلا أن ذلك يبقى رهناً بموافقة صندوق النقد الدولي المنتظرة خلال ساعات، على الاقتراح الأخير بشأن مسألة «تراتبية توزيع الخسائر» بعدما عملت اللجنة الوزارية المكلفة بالموضوع على إعداد صيغة وصفت بأنها «مرنة» لأنها تراعي ملاحظات صندوق النقد بالتوازي مع ضمان الأهداف التي تعبّر عنها الأطراف الثلاثة المعنية بالموضوع، أي وزير المال ياسين جابر، وزير الاقتصاد عامر البساط، حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، والقائمة على ضرورة استمرارية المصارف لا تصفية رساميلها أولاً.
خلال الأيام الماضية ظلّت نقطة أساسية عالقة بين صندوق النقد واللجنة الحكومية المكلفة إعداد مشروع قانون الفجوة المالية. تتمحور هذه النقطة حول مسألة تراتبية توزيع الخسائر بعد إجراء تقييم لجودة أصول مصرف لبنان.
اقتراح اللجنة المتفق عليه بين كل أعضائها بمن فيهم وزير الاقتصاد والمال وحاكم مصرف لبنان، أن تنعكس جودة الأصول في ميزانية مصرف لبنان على الجهة التي ترتبط به مباشرة، أي المصارف. بمعنى أوضح، إن الفجوة المالية أو الخسائر التي ستظهر بعد تقييم جودة الأصول لدى المصرف المركزي، ستنعكس على ميزانيات المصارف، وبالتالي فإن الخسائر ستظهر مباشرة في هذه الميزانيات.
حتى هذه اللحظة، ليس هناك أي خلاف على هذه النقطة، لكن في مرحلة ما بين تحديد حجم الخسائر وبين عملية نقلها إلى المصارف، اقترح الحاكم على اللجنة أن تتم إزالة «الشوائب» أولاً قبل الانتقال إلى مرحلة نقل الخسائر.
حسابياً، لدى مصرف لبنان التزامات بقيمة 82 مليار دولار، فإذا تبيّن أن أصوله تساوي أقلّ من ذلك، فإن الفرق هو الخسائر. ووفق التقديرات التي عرضها الحاكم، فإن حجم الفجوة أو الخسائر المتوقعة قد تصل إلى 30 مليار دولار. عند هذه النقطة افترقت اللجنة عن صندوق النقد:
- وفق اقتراح الحاكم، فإنه يجب تنقية الشوائب، أو ما يسمّى الالتزامات غير النظامية أولاً، وهو ما يعني عملياً، شطب مبلغ من الودائع يستند إلى معايير محددة مثل: تحديد متوسط سعر الصرف السنوي الذي يجب على أساسه احتساب عمليات التحويل التي نُفذت على الحسابات المصرفية من الليرة إلى الدولار في فترة الأزمة. حجم الحسابات التي سيلحقها هذا الشطب، فيها ما مجموعه 31 مليار دولار، وستُشطب منها 23 مليار دولار.
ويفترض أيضاً أن تُشطب الفوائد الإضافية أو التي تزيد على 2% التي حصل عليها أصحاب الحسابات وقيمتها مقدرة بنحو 5 مليارات دولار، ثم تُشطب الأموال غير المشروعة وتُقدّر قيمتها بنحو 2 مليار دولار. عملياً، سيتم شطب 15 مليار دولار من الفجوة التي ستظهر بعد تقييم أصول مصرف لبنان، وستنتقل الخسائر إلى ميزانيات المصارف وحقوق الملكية التي كانت تبلغ قبل الأزمة نحو 21 مليار دولار، وبالتالي سيبقى منها 6 مليارات دولار.
ويتوجب التحذير بأن هذه الأرقام ليست نهائية، إذ إنها خضعت لتدقيق في أكثر من مناسبة وتعدّلت، لكن كل التعديلات والتحديثات لم تغيّر في الاتجاه النهائي للمسألة، إذ يتوقع وفق آخر تحديث للأرقام أن يبقى في رساميل المصارف ما بين 6 مليارات دولار و8 مليارات دولار.
- يرى صندوق النقد الدولي أن الممارسات الدولية تفرض عملية نقل الخسائر مباشرة إلى ميزانيات المصارف قبل أي شطب للودائع مهما كانت تسميته. وبالتالي فإنه يجب أن تنتقل الفجوة بكاملها (التقديرات الأولية تشير إلى أنها تبلغ 30 مليار دولار) إلى ميزانيات المصارف لتأكل حقوق الملكية بكاملها، ثم ينتقل ما يبقى منها ضمن تسلسل معيّن إلى الودائع. وبالتالي ستصبح رساميل المصارف صفراً، ثم ينتقل الباقي (المقدر بنحو 9 مليارات دولار) إلى الودائع التي ستخضع لعملية شطب على هذا الأساس.
لا أحد ينظر إلى
الواقع الاقتصادي وكيفية تصحيحه وسط نقاش شعبوي بشأن توزيع الخسائر
ورغم أن هذه هي المشكلة الأساسية التي تؤخّر إنجاز مسودة مشروع القانون المنتظر، إلا أنها لن تكون المشكلة الأخيرة. ففي سياق تطبيق سائر البنود، ستظهر مشكلة السيولة بقوّة. فعلى افتراض أن حجم الفجوة يبلغ 30 مليار دولار وأن هناك اتفاقاً على آلية شطبها، فإن الأصول التي ستبقى في ميزانيات المصارف ومصرف لبنان تبلغ 50 مليار دولار، فكيف سيتم تسديدها؟
حتى الآن، من الواضح أنه اتُّفق على اعتماد مبدأ المودع في كل مصرف على حدة، أي إذا كان لأحد أصحاب الحسابات في مصرف ما، حساب آخر في مصرف ثانٍ، سيتم التعامل مع كل حساب على حدة لا على أساس جمع كل حسابات الشخص الواحد في كل المصارف. واتُّفق أيضاً على تسديد أول 100 ألف دولار في كل حساب مصرفي، وهذا ينطبق على 850 ألف حساب، على أن يتم تحويل كل المبالغ الباقية في كل الحسابات بعد تسديد أول 100 ألف دولار، إلى سندات وأدوات مالية بآجال تُستحق بعد 10 سنوات وصولاً إلى 20 سنة.
وبحسب مناقشات اللجنة، سيتم تقسيم الحسابات إلى شرائح لغايات برنامج التسديد مقابل السيولة. الشريحة الأولى بين صفر و100 ألف دولار، ستتقاضى أول 100 ألف دولار (أي حسابها كاملاً) على أربع دفعات سنوية بمعدل 25 ألف دولار سنوياً.
الشريحة الثانية من 101 ألف دولار إلى مليون دولار، ستتقاضى حصّتها من أول 100 ألف دولار على خمس دفعات سنوية، والشريحة الثالثة بين مليون ودولار واحد وبين 5 ملايين دولار، ستتقاضى حصّتها على أساس 6 دفعات سنوية، والشريحة الرابعة التي يمتلك فيها أصحاب الحسابات أكثر من 5 ملايين دولار ستتقاضى حصّتها على أساس 7 دفعات سنوية.
إذاً، الكل سيحصل على أول 100 ألف دولار، لكنّ بعضهم سيحصل عليها خلال أربع سنوات، والآخرين على فترات مختلفة تتراوح بين 5 سنوات و7 سنوات، وكل المبالغ الباقية ستتحوّل إلى سندات مضمونة بأصول يقدّمها مصرف لبنان من بينها الذهب وعقاراته وملكياته المختلفة في لبنان والخارج.
ويقترح المصرف المركزي أن يسدّد مباشرة 20% من مجموع المبالغ الواردة في برنامج الاستحقاق هذا، أي ما يوازي 4 مليارات دولار وذلك مناصفة مع المصارف. لكن في السنوات التالية، ستبدأ مسألة التسديد تزداد صعوبة ربطاً بصعوبة الحصول على سيولة بالعملة الأجنبية.
ووفق تقديرات وزارة المال، فإن ما يوجد لدى الدولة ومصرف لبنان والمصارف لا يكفي لتسديد أكثر من 3 سنوات، ما يعني مباشرة الذهاب نحو تصفية أو رهن الأصول التي خُصّصت لضمان الاستحقاقات للمودعين.
الحديث هنا عن الذهب بشكل أساسي، وهي المرّة الأولى التي يُشار فيها إلى الذهب بشكل جدّي، ما يرتّب مجموعة من الإشكاليات التي تتعلق بكيفية تسييله الذي يحتاج إلى قرار من مجلس النواب، وبالهدف المرجو من التسييل لأن المبالغ ستذهب على شكل دفعات إلى أصحاب الحسابات الذين سيستعملونها للاستهلاك أو سيحوّلونها إلى الخارج، ما يعني أن الاقتصاد فقد جزءاً مهمّاً من الثروة التي يُفترض أن يستعملها للنهوض العام وليس لفئة على حساب الفئات الأخرى.
وعلى افتراض أنه لن يتم المساس بالذهب، فإن الخيار الآخر المطروح على الطاولة هو الاستدانة. وهذا ما يجعل وضع المالية العامة سيئاً أكثر مما يبدو عليه اليوم بكثير. فالنموذج الاقتصادي الذي انهار وانفجر في 2019، كان قائماً على استقطاب التدفقات بالعملة الأجنبية وتوزيعها في الداخل بهدف تمويل استهلاك مستورد بنسبة تفوق 80%، ما يعني أن المبالغ التي تدخل إلى لبنان سرعان ما تخرج منه.
وكان ذلك يحصل وسط تثبيت متشدّد للعملة اللبنانية مقابل الدولار، ما ينفخ القدرة الاستهلاكية ويجعل قيمة الليرة أكبر بكثير مما هي عليه في الواقع. وبالتالي، فإن العودة إلى الاستدانة، سيكون ركناً إضافياً من أركان إعادة إحياء النموذج السابق القائم على استقطاب التدفقات (الاستقطاب كان يتم بواسطة الفوائد المرتفعة لتحفيز الودائع التي تعيد المصارف إقراضها إلى الدولة مباشرة أو إلى مصرف لبنان ثمّ منه إلى الدولة). وارتفاع الودائع كان يفسَّر على أساس «مخاطر البلد العالية». وفي المحصّلة، يعود النموذج إلى مراكمة الخسائر و«إخفائها تحت السجادة» تمهيداً لانفجار مقبل بعد سنوات.
يحصل ذلك، من دون أدنى اهتمام بالاقتصاد الحقيقي، ومن مؤشراته خلق الوظائف وزيادة الإنتاج المحلي ووقف الهجرة وزيادة التقديمات الاجتماعية وإنشاء نظام نقل عام… ثمة الكثير مما سيكون على المحكّ. فإذا كانت السيولة كلّها ستُخصَّص لهذه الاستحقاقات المالية، فما الذي سيتم تخصيصه للاستثمار في البنية التحتية مثلاً، أم أن لبنان سيُعرض على البيع بالمفرّق؟
بعد الذهب مثلاً، سيتم اللجوء إلى بيع قلعة بعلبك أو الثروة النفطية في البحر، أو حتى مياه الأنهر، وسيُباع قطاع الاتصالات بثمن بخس كما هو واضح حتى الآن… كل هذه المسائل لا تقع في أي اعتبار لصندوق النقد الدولي ولا للجنة الوزارية المكلَّفة بمشروع الفجوة المالية ولا لحاكم مصرف لبنان.
عملياً، الخيارات المتاحة اليوم، ولبنان بين أيدي هذه المجموعة من قوى السلطة بكل من فيها من جديد وقديم، هي الرضوخ لإملاءات صندوق النقد التي تنطوي على بُعد سياسي عميق يرغب في إحداث تحوّلات كبرى في المجتمع، وبين مجموعة لا ترغب في أن ترى الواقع المؤلم في تفكّك المجتمع بعد هجرة الشباب ونتائج العدوان الإسرائيلي ولا ترغب في التعامل معها، بل تريد تكريس الواقع كشرط لاستمراريتها”.
أمنيّون سوريون في لبنان لـ«ملاحقة الفلول»!
وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة الأخبار “وسط قلق يسود الأوساط السياسية في بيروت، إزاء طريقة تعامل السلطات السورية الجديدة مع لبنان.
تميل دمشق إلى الاهتمام أكثر بالملفات الأمنية والقضائية ولا يبدو أنّ ملف النازحين السوريين مطروحاً على جدول أعمالها. وفي السياق، زار العميد عبد الرحمن دباغ، مساعد مدير المخابرات السورية، بيروت، أوّل أمس، الأربعاء، على رأس وفد أمني سوري، حيث عقد سلسلة لقاءات مع مدير المخابرات في الجيش العميد طوني قهوجي ومع مسؤولين أمنيين لبنانيين، وقد تخصّص البحث في ملف شخصيات محسوبة على النظام السوري السابق يُعتقد بوجودها داخل الأراضي اللبنانية. وبحسب معلومات متقاطعة، جاءت الزيارة في إطار متابعة دمشق لهذا الملف، مع طرح مَطالب تتعلّق بتشديد الرقابة على تحرّكات عدد من هذه الشخصيات، وإثارة مسألة تسليم بعض الأسماء التي تعتبرها السلطات السورية ملاحقة أمنياً أو قضائياً، في سياق ترتيبات ما بعد التغيير السياسي في سوريا. وهو ما يندرج بحسب المسؤولين السوريين في إطار «ملاحقة فلول النظام السابق داخل وخارج البلاد». كما جال العميد دباغ، على عدد من المقاهي والمطاعم في وسط بيروت، بقصد التثبّت من احتمال وجود مسؤولين في النظام السابق.
من جهة ثانية، علمت «الأخبار» أنّ دمشق، عيّنت قائماً جديداً بالأعمال لدى بعثتها في بيروت، هو إياد الهزّاع، المسؤول السابق عن الشؤون السياسية في الساحل السوري. وقد صدر قرار التعيين قبل عدّة أيام، وكان قد وصل القائم إلى بيروت، أمس، الخميس، يرافقه مدير الشؤون العربية في وزارة الخارجية السورية محمد الأحمد، حيث توجّها إلى وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية لتقديم أوراق الاعتماد وإجراء لقاءات تعارف.
وشغل الهزّاع، مناصب سياسية عدّة ضمن «هيئة تحرير الشام» في أثناء وجودها في إدلب. وبعد سقوط النظام وما تلته من مجازر وانتهاكات في الساحل السوري، جرى تعيينه مسؤولاً سياسياً هناك، حيث أجرى لقاءات مع فاعليات وشخصيات محلّية، عارضاً ما سمّاه «إجراءات الدولة السورية» لملاحقة المتورّطين في المجازر وحماية أبناء الساحل.
ولم يمرّ تعيين الهزّاع بهدوء، إذ طُرحت سابقاً أسماء عدّة لتولّي المنصب، من بينها محمد التنّاري، وهو ناشط سوري معارض وحقوقي شارك في مؤتمرات دولية تناولت الانتهاكات التي تعرّض إليها الشعب السوري، بما فيها قصف الغوطة بالأسلحة الكيميائية على أيدي النظام السوري السابق.
غير أنّ تعيين الهزّاع قائماً بالأعمال، لا يتطابق مع الدعوات اللبنانية إلى تبادل دبلوماسي صريح ومباشر على مستوى السفراء. ويُذكر أنّ لبنان سبق أن عيّن سفيراً له في دمشق، هنري قسطون، قبل أكثر من ستة أشهر، علماً بأنّ دمشق، وافقت على استلام أوراق اعتماده منذ مدّة قصيرة، وذلك بعد نحو ثلاثة أشهر على تعيينه.
أمّا في الحال اللبنانية، فالمسألة أكثر تعقيداً، إذ يطالب لبنان بتعيين سفير سوري في بيروت، وليس الاكتفاء بقائم بالأعمال، وهو موقف عبّر عنه رئيس الجمهورية اللبنانية، جوزاف عون، أكثر من مرة، ولا سيّما في أثناء لقائه وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، قبل مدّة”.
مماطلة مع برّاك وتنقيح للشروط: “إسرائيل” للشرع: هذه قائمتنا لـ«المارقين»
وتحت هذا العنوان صحيفة الاخبار “نشرت وسائل إعلام إسرائيلية، أمس، نقلاً عن «مصادر أمنية رفيعة»، قائمة بالأطراف التي تشكّل، وفق التقييم الرسمي، «تهديداً مباشراً لأمن إسرائيل على الساحة السورية». وتَرِد ضمن القائمة أسماء تنظيمات سلفية وجهادية توصَف بأنها «مارقة» ولا يسيطر عليها النظام الانتقالي، وإن كان لافتاً أنها تضمّنت أيضاً، إيران و»حزب الله» و»الحوثيين»، و»الجماعة الإسلامية في لبنان»، إضافة إلى تنظيم «داعش» وجماعات جهادية أخرى تعمل في سوريا وفق أجندات «شديدة التطرف». وفي المقابل، استُبعد النظام الجديد من القائمة، على الرغم من تحميل المصادر نفسها إياه، مسؤولية تحويل سوريا إلى ساحة خطرة تنشط فيها مجموعة متنوّعة من «العناصر الإرهابيين»، ومنهم من هو منضمّ فعلاً إلى الجيش السوري الناشئ.
على أن اللافت أن القائمة ليست مستندةً إلى تحليل أو معلومات استخبارية، ولا هي تسريباً لرأي مهني عائد إلى «مصادر أمنية رفيعة»، بل هي أشبه بوثيقة واضحة وموجّهة، تخدم اتّجاهين: الأول، هو تكبير سلة الشروط المُسبقة التي تضعها إسرائيل لأي اتفاق أمني في المرحلة المقبلة؛ والثاني، تعبيد الطريق أمام اعتداءات جديدة على الساحة السورية، بدعوى استهداف الجهات المُشار إليها.
وجاء نشر الوثيقة بعد 48 ساعة فقط من لقاء المبعوث الأميركي، توم برّاك، رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وكبار قادة الأمن، والذي تناول الوضع السوري وطلب الولايات المتحدة من إسرائيل تجديد المفاوضات مع الشرع، وتقييد العمليات العسكرية في سوريا، والامتناع عن أي عمل قد يشكّل تهديداً للرئيس الانتقالي، الذي وصفه برّاك أمام المسؤولين الإسرائيليين بـ»الحليف الذي يسعى إلى الاستقرار». ومن هنا، لا تُفهم الوثيقة بمعزل عن البعد التفاوضي الذي يشكّل العمود الفقري للاستراتيجية الأميركية تجاه سوريا وإسرائيل.
فخلال لقاء برّاك مع نتنياهو، طلب الأول من الثاني استئناف الحوار المباشر مع دمشق، بعد تعثّره في اللحظات الأخيرة، في أيلول الماضي، حين كان الاتفاق الأمني على وشك الإعلان عنه، قبل أن تُجمِّد إسرائيل الملف رسمياً. وفيما أكّد نتنياهو لبرّاك أنه سيعيّن ممثّلاً خاصاً لرئاسة الفريق التفاوضي، خلفاً للوزير السابق رون ديرمر، ما قد يؤشّر إلى وجود نية لتجديد الحوار بالفعل، تبدو المطالب المُعلنة عبر «وثيقة التحديد»، كقيد سابق على المفاوضات؛ عنوانه أنْ لا اتفاق أمنياً مع دمشق ما لم تثبت حكومة الشرع قدرتها على صدّ التنظيمات المسلّحة التي تستخدم الأراضي السورية كقاعدة لاستهداف إسرائيل. ولأن القائمة واسعة وقابلة لتفسيرات متعدّدة، فهي تتيح لتل أبيب هوامش مناورة كبيرة وفقاً لرغباتها: فإمّا المضي في التفاوض إذا تحقّق تقدّم ميداني ضدّ تلك الجهات، وإمّا استخدام غياب التقدّم معها ذريعة للتملّص من الالتزامات.
وبين «اللَّارغبة» الإسرائيلية في التوصّل إلى اتفاق مع الشرع، والرغبة الأميركية في تحقيق تفاهمات، لا نتيجة مُرجَّحة حتى الآن للمفاوضات، خصوصاً أن صاحب القرار في تل أبيب يريد، من وراء مرونته المستجدّة، أن يخدم أكثر من هدف غير تفاوضي، من بينها إظهار التعاون مع واشنطن نظراً إلى أنْ لا قدرة لديه على صدّ الإرادة الأميركية. وفي الوقت الذي تستمرّ فيه القيادة في التماشي مع الرأي العام الإسرائيلي ومع الاستراتيجيات الأمنية المُحدّثة – في العامين الماضيين – والقائمة على مواجهة التهديد بالقوة المباشرة، فهي تتطلّع – وهنا الهدف الأهمّ – إلى فتح الباب أمام خيارات تصعيد أو تسويف، إذا لم تدفع دمشق «ثمن استقرار نظامها الجديد»، والذي تحدّده السقوف الإسرائيلية العالية”.
خمس سنوات من القهر: ماذا فعل «قيصر» بالسوريين؟
وتحت هذا العنوان كتبت الاخبار “بعد أكثر من خمس سنوات ونيّف على دخول قانون «قيصر» حيّز التنفيذ، تتكشّف تباعاً آثار واحدة من أكثر منظومات العقوبات شمولاً وتعقيداً في التاريخ الحديث. فالقانون الذي وُضع أصلاً لمعاقبة النظام السابق، تحوّل مع الوقت إلى شبكة خانقة تمسّ كلّ تفاصيل الحياة اليومية لملايين السوريين، وتُنتج اقتصاداً موازياً يقوم على الندرة والمضاربة والتهريب. وإذا كانت جهود إلغاء القانون قد تكلّلت أخيراً بالنجاح، بما يتيح لسوريا فرصة أولية للتعافي، فإنّ أحداً ممّن عملوا سابقاً على فرضه أو دعموا تطبيقه، أو ممّن يعارضون اليوم إلغاءه أو حتى تعليقه، لا يبدو مستعدّاً لمواجهة الحصيلة الفعلية لما خلّفته هذه العقوبات من فقر وجوع وتآكل ممنهج للقدرات الاقتصادية والاجتماعية.
وبخلاف الانطباع الذي تروّجه بعض الدوائر السياسية والإعلامية، لم يكن «قيصر» قانوناً رمزياً أو محدود الأثر، إنما شكّل فعلياً الإطار القانوني لتوسيع العقوبات الأميركية لتشمل أي جهة أو كيان يتعامل اقتصادياً مع الدولة السورية أو مؤسساتها الرسمية. وبهذا المعنى، امتدّ تأثيره إلى دول الجوار والمصارف وشركات النقل والتأمين، وحتى المنظمات الإنسانية التي كانت تسعى إلى إيصال المساعدات، لتحوّل هذه الطبيعة الشاملة، العقوبات، من أداة ضغط سياسي إلى منظومة تعطّل سلاسل التوريد، وتعيد تشكيل الاقتصاد على قاعدة «البقاء للأقوى»، أو للأقرب من مراكز النفوذ المالي.
اللافت في هذا الملف غياب أي جهود محلّية أو دولية منهجية لتوثيق حجم الخسائر الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن العقوبات التي فُرضت على سوريا، سواء قبل صدور «قيصر» أو بعده. وما هو متاح، في هذا السياق، لا يتعدّى ما نشره «المركز السوري لبحوث السياسات» عام 2013، والذي قدّر فيه أنّ العقوبات تسبّبت، حتى نهاية عام 2012، بخسائر تعادل نحو 27% (أي حوالى 6.8 مليارات دولار) من إجمالي الخسائر التي تكبّدها الاقتصاد السوري آنذاك، إضافة إلى زيادة عدد الفقراء بنحو 877 ألف شخص. فكيف تبدو الصورة بعد 14 عاماً على الأزمة، وأكثر من خمس سنوات على تطبيق قانون «قيصر»؟
مليون أسرة تحت «الضرب»
صحيح أنّ «قيصر» لم يكن العامل الوحيد وراء الانهيار الاقتصادي الذي دخلت البلاد في «مطحنته» في أثناء السنوات الأخيرة؛ إذ أدّت عوامل داخلية وإقليمية أخرى دوراً في ذلك، إلا أنّ القانون شكّل العامل الأكثر تأثيراً. ويكفي للاستدلال على ما تقدّم، أنّ المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية قبل عام 2020 كانت تسير ضمن منحى «مضبوط» نسبياً، سواء لجهة معدّلات الفقر أو الأمن الغذائي أو سعر الصرف أو التضخّم، وغيرها، قبل أن تسجّل جميعها، بعد ذلك التاريخ، انهيارات غير مسبوقة.
وإذ يمثّل الوضع المعيشي للناس المؤشر الأهمّ لقياس تأثير العقوبات الخارجية، ولا سيّما في ظلّ ادّعاء مهندسي هذه الأخيرة أنها لا تستهدف معيشة الأفراد وإنما تقويض الأنظمة السياسية، أو الضغط عليها، فإنه منذ أن بدأت الإدارة الأميركية بتشديد حصارها على سوريا عبر عرقلة تواصلها التجاري مع دول الجوار – حتى قبل دخول «قيصر» حيّز التنفيذ -أخذ سعر صرف الليرة في التهاوي بنسب كبيرة ومتلاحقة زمنياً. وتسبّب هذا الأمر بارتفاعات حادّة في معدّلات التضخّم، من نحو 13.4% عام 2019 إلى 118.8% عام 2021، قبل أن يتراجع قليلاً إلى نحو 73% عام 2023.
وهكذا، كانت النتيجة، في ظلّ تدنّي الدخول وانخفاض القوة الشرائية، زيادة هائلة في معدّلات الفقر بدرجاته الثلاث، وفي انعدام الأمن الغذائي للأفراد والأسر على حدّ سواء، علماً أنّ أسراً كثيرة اضطرّت – تحت ضغط الحاجة والحرمان- إلى الاقتصاد في طعامها أو التحايل على أطفالها للنوم وهم جوعى، وهذه حوادث موثّقة بالنسب والأرقام. إلا أنّ إعادة قراءة البيانات والأرقام الإحصائية الصادرة عن مؤسسات رسمية وأممية، والحصول بالتالي على بعض الاستنتاجات، يمكنه أن يوضح ماذا فعل «قيصر» بالسوريين.
وفقاً لـ«مسح الأمن الغذائي» الذي تجريه دورياً «هيئة التخطيط» و«المكتب المركزي للإحصاء» بالتعاون مع «برنامج الغذاء العالمي»، تراجعت نسبة الأسر الآمنة غذائياً من 35.8% عام 2019 إلى 9.4% عام 2023، أي إنّ نحو مليون أسرة فقدت أمنها الغذائي بعد تطبيق «قيصر». وبذلك، كانت أكثر من 3.6 ملايين أسرة، بنهاية عام 2023، إمّا معرّضة لانعدام الأمن الغذائي أو تعاني حرماناً غذائياً متوسّطاً أو شديداً.
وتتقاطع هذه النتائج مع تقديرات الأمم المتحدة، التي تشير إلى ارتفاع عدد السوريين المحتاجين إلى المساعدة من نحو 11.7 مليون شخص عام 2019، إلى حوالى 16.7 مليوناً في عام 2024، أي بزيادة تقارب 5 ملايين شخص في أثناء خمس سنوات فقط من تطبيق «قيصر»، وبمعدّل مليون شخص كل سنة.
هذه المؤشرات انعكست نتائجها سريعاً على فئات مختلفة من السوريين، وفي مقدّمها الأطفال. إذ تظهر النتائج الأولية للمسوحات الصحية الوطنية أنّ نسبة سوء التغذية الحادّ بين الأطفال، ارتفعت من 1.7% عام 2019 إلى 4.8% عام 2023. كما يعاني كل طفل من أربعة أطفال دون سنّ الخامسة من التقزّم، بما يحمله ذلك من آثار سلبية على نموّ هؤلاء العقلي، بالإضافة إلى معاناة كل سيدة من ثلاث هنّ في سنّ الإنجاب من فقر الدم. وفي الوقت نفسه، ارتفعت نسبة الأطفال المنخرطين في سوق العمل (بين 5 و17 عاماً) من 6.4% عام 2020 إلى 8.2% عام 2023، ما يعني دخول ما لا يقلّ عن 80 ألف طفل إضافي إلى سوق العمل في أثناء المدّة المشار إليها.
وأمام هذا الواقع، وجدت غالبية الأسر نفسها مجبرةً على اتّباع سياسات تأقلم قاسية، أو ما يُعرف شعبياً بـ«شدّ الأحزمة»، وذلك عبر اللجوء إلى أنواع غذاء أقلّ جودة أو أقلّ كلفة، أو تخفيض الكميات والوجبات، أو الاقتراض، أو إنتاج الغذاء ذاتياً، أو تفضيل الأطفال على حساب البالغين، أو حتى التسوّل. وفي الحالات الأشدّ، جرى استنزاف أصول الأسر لتأمين الطعام، وفق ما يؤكّده القائمون على مسح الأمن الغذائي الأخير.
تعطيل القدرات الاقتصادية
على المستوى الكلّي، حدّ «قيصر» بشكل كبير من قدرات الاقتصاد السوري، والذي شهد ناتجه الإجمالي تراجعاً من نحو 22.6 مليار دولار عام 2019 إلى حوالى 21.4 مليار دولار عام 2024، وفق تقديرات البنك الدولي في تقريره الأخير. غير أنّ الخسارة الأهم لا تكمن في هذا التراجع الظاهر فحسب، إنما في ما يُعرف «الخسارة الكامنة» للنمو، أي ما كان يمكن تحقيقه لولا العقوبات.
وتظهر مقارنة بيانات وزارة الكهرباء، على سبيل المثال، وجود خسارة إنتاجية تبلغ 5.9 مليارات كيلوواط ساعي سنوياً بين عامي 2019 و2022. وباحتساب خسارة دولار واحد لكل كيلوواط غير مُنتَج، فإنّ سوريا خسرت في عام 2022 وحده نحو خمسة مليارات دولار نتيجة تراجع إنتاجها من الطاقة الكهربائية.
أمّا التجارة الخارجية، فكانت من أوائل القطاعات المتضرّرة؛ إذ تشير التقديرات الرسمية في أثناء مدّة ما قبل عام 2024، إلى أنّ كلفة المستوردات ارتفعت بنسبة تراوح بين 25% و40% جرّاء زيادة بدلات التأمين والنقل والمخاطر وكلفة التحايل على العقوبات والاحتكار. ومع بلوغ قيمة المستوردات نحو أربعة مليارات دولار في العامين الأخيرين، يمكن القول إنّ سوريا كانت تدفع سنوياً مئات ملايين الدولارات ككلفة إضافية على مستورداتها.
وتأكيداً لما تقدّم، يُظهر مسح الأمن الغذائي غير المنشور ارتفاع سعر طن المستوردات الغذائية من 606 يورو عام 2021، إلى 719 يورو عام 2023، بعد أن بلغ 776 يورو عام 2022. وفي الوقت نفسه، انخفض سعر طن الصادرات الغذائية من 421 يورو عام 2021 إلى 371 يورو عام 2023، بعد أن بلغ 386 يورو عام 2022. وهذا التراجع، سواء أكان في نسبة التغطية أو في شروط التجارة الخارجية من السلع الغذائية، ترك أثره السلبي على الأمن الغذائي للأسرة السورية.
ماذا عن الموت؟
إذا كان «قيصر» قد صُمّم بحجّة حماية المدنيين السوريين، فإنّ نتائجه العملية مثّلت عقاباً لهؤلاء المدنيين أنفسهم، عبر خنقهم معيشياً وخدمياً. وفي السياق، قد يسأل البعض: هل تسبّب هذا القانون بوفاة سوريين بشكل مباشر أو غير مباشر؟
الإجابة ليست سهلة، في ظلّ غياب دراسات ميدانية ترصد الأسباب المباشرة وغير المباشرة للوفيات بعد تطبيق القانون عام 2020. إلا أنّ المؤشرات الإحصائية تُظهر ارتفاعاً في معدّلات الوفيات، رغم انحسار مساحة المعارك والمواجهات العسكرية في المدّة نفسها. وإذ لا يمكن الجزم ما إذا كانت وفيات مرضى السرطان، مثلاً، ناجمة عن صعوبة تأمين أدوية ذات منشأ أوروبي أو لا، أو ما إذا كانت الوفيات القلبية المفاجئة مرتبطة بضغوط معيشية ونفسية متراكمة، فإنّ المؤكّد أنّ القانون «عذّب» الكثير من السوريين العاديين.
اليوم، ومع إلغاء قانون «قيصر»، تبدو الحاجة ملحّة إلى اعتماد مقاربة جديدة تنطلق من الاعتراف بأنّ العقوبات ليست مجرّد أداة ضغط، بل سياسة طويلة الأمد تترك ندوباً اقتصادية واجتماعية يصعب محوها. ومن ثمّ، فإنّ أي حديث جدّي عن «فرصة للتعافي» يجب أن يبدأ بخطة وطنية لتوثيق الخسائر، وإعادة بناء الثقة مع الشركاء الدوليين، وتحرير النشاط الاقتصادي من قبضة اقتصاد الظلّ والمحاسيب الذي نشأ في ظلّ العقوبات ومنظومة الفساد”.
المصدر: الصحف اللبنانية
