الإثنين   
   13 10 2025   
   20 ربيع الثاني 1447   
   بيروت 01:31

الفوعاني: سنبقى نحرس الوطن بالموقف كما نحرسه بالبندقية

اعتبر رئيس الهيئة التنفيذية في حركة “أمل” الدكتور مصطفى الفوعاني أن “الجنوب ليس مساحة من الأرض، بل مساحة من الوجدان، وذاكرة وطن كتب تاريخه بدم الشهداء وصبر الناس الذين علّموا لبنان أن يبقى واقفًا مهما اشتدّ العدوان. كل حجر في الجنوب شاهد على مقاومةٍ ما خمدت، وعلى إرادة حياةٍ لم تنكسر. الجنوب ليس ملفًا تفاوض عليه الحكومات، بل هو الوصيّ على الكرامة الوطنية، ومن هناك تُقاس سيادة لبنان واستقلاله. لا سلام للبنان من دون سلام جنوبه، ولا وطن ينهض إذا تُركت قرى الجنوب والبقاع تحت ركام الإهمال.”

جاء ذلك خلال احتفال أقامته الحركة في بلدة أرزون لمناسبة الذكرى السنوية الأولى لشهداء حركة أمل الذين ارتقوا في مواجهة الغدر الصهيوني في المنطقة الثالثة – إقليم جبل عامل بحضور النواب: أيوب حميّد، علي خريس وعناية عز الدين، المسؤول التنظيمي لحركة أمل في اقليم جبل عامل علي اسماعيل وأعضاء قيادة الاقليم، رجال دين، قيادات حركية، عوائل الشهداء، وفعاليات سياسية ودينية وبلدية واختيارية واجتماعية.

وتحدث الفوعاني، فاعتبر ان “العدوان الإسرائيلي الذي استهدف منطقة المصيلح ليس عدوانًا على بلدة أو منشأة، بل هو عدوان على لبنان وأهله كل أهله، كما قال دولة الرئيس نبيه بري: استهدف المسيحي كما المسلم واختلط الدم بالدم، فلنتوحد من هناك من أجل لبنان في مواجهة العدوان. هذه هي رسالتنا اليوم، أن نقف صفًا واحدًا أمام العدو الذي لا يفرّق بين طائفة وأخرى، بل يرى في وحدتنا خطرًا على مشروعه العدواني”.

وأكد أنّ “المصيلح اليوم تذكّرنا بأنّ العدوان لم يتغيّر، وأنّ الاحتلال لا يزال يرى في لبنان المستقل خطرًا يجب خنقه. لكنّنا نقول من هنا: لن يغيّر العدوان من قناعاتنا ولا من ثوابتنا، فهذه الأرض التي نزف عليها الدم ستبقى مهد الكرامة، وأهلها سيبقون الأمناء على نهج الإمام موسى الصدر، وعلى قسم المقاومة الذي لا يُنقض”.

وشدّد على أنّ “إعادة الإعمار ليست بندًا في موازنة، بل واجب وطني مقدّس تجاه من صمد وواجه واحتضن المقاومة، ومن المؤلم أن تمرّ موازنة الدولة من دون أن تلحظ قرشًا واحدًا لإعادة إعمار الجنوب أو البقاع، وكأنّ من صمد في وجه العدوان لا يستحق حتى الترميم. إعادة الإعمار امتحان حقيقي لوطنية الدولة، فإمّا أن تكون الدولة إلى جانب شعبها، وإمّا أن تُترك الناس وحيدة في مواجهة آثار العدوان، وهذا ما لن نسمح به. الجنوب والبقاع قدّما الدماء معًا، ومن حقهما أن يحصدا العدالة معًا”.

وأضاف: “نريد أن نعيد الإعمار بالحجر، لكن قبل ذلك نريد أن نعيد إعمار الثقة بين المواطن ودولته. فالدولة التي لا تسكن في وجدان أبنائها لا يمكن أن تقوم، ونحن نريدها دولة قوية، حاضرة، عادلة، لأننا أبناء مشروع الدولة لا مشروع الفوضى”.

وأكّد أنّ “الثنائي الوطني مع إجراء الانتخابات النيابية في موعدها ووفق القانون النافذ. الانتخابات ليست معركة أرقام أو مقاعد، بل تجديد للعهد مع الناس ومع الوطن، وفعل إيمان بمسارٍ سياسيّ نحميه كما حمينا أرضنا بالدم”.

وأضاف قائلاً: “نحن أبناء الإمام موسى الصدر، نحمل الجنوب في القلب، والمصيلح في الذاكرة، والبقاع في الكف، ولبنان في الوجدان. سنبقى نحرس الوطن بالموقف كما نحرسه بالبندقية، ونبنيه كما نبني الحلم… لأنّنا نؤمن أن الوطن لا يُصان إلاّ حين يكون الشعب شريكًا في قراره، وشاهدًا على قيامته من تحت الرماد”.

وفي جانب آخر من كلمته، قال فوعاني “في البدء كان الضوء يبحث عن جسدٍ يسكنه، وكانت الأرض عطشى إلى معنى يبرّر وجعها الطويل، فأرسل الله الشهداء… كأنهم أنفاسه المتبقية في هذا العالم.”

وأشار إلى أنّه “منذ أن خُلقت الحروف وهي تحاول أن تكتب تعريفًا للخلود، لكنها تتعثّر عند أول قطرة دمٍ تسقط من جبين شهيد. وأضاف: “ذلك الدم الذي لا يجفّ، لأنه ليس دمًا فحسب، بل لغةٌ جديدة يكتب بها الله حكايات الذين أحبّوه حتى الفناء.”

وأكد أن الشهادة ليست موتًا، بل انتقالٌ من صرخةٍ إلى صدى، من ظلٍّ إلى شمس، من الجسد إلى المعنى. وقال: “هي اللحظة التي يبتلع فيها الزمن نفسه، وتنقلب المعادلة بين التراب والسماء، فيصير الترابُ سماءً، وتصبح السماءُ بيتًا جديدًا للأرض.”

ورأى أن “الشهداء لا يموتون، بل يتحوّلون إلى نسائم تمشي بيننا، إلى عيونٍ في الأفق، إلى نجومٍ تضيء العتمة كلّما أطفأ اليأس مصباح الأمل. وأضاف: “هم الذين كسّروا حدود الجسد، وتجاوزوا قيود الوجود، ومضوا حفاةً نحو الله، يحملون قلوبهم مشاعل، ويتركون لنا في الدرب رائحة البارود الممزوجة بالقداسة… حين يسقط شهيد، لا تسقط معه الحياة، بل تنهض من تحته ألفُ حياةٍ جديدة، كأنّ دمه شمسٌ تفتح فجراً في خاصرة الليل. الشهداء هم الذين يوقظون المعنى النائم في الإنسان، ويعيدون إلى اللغة طهارتها الأولى، وإلى الوطن روحه التي لا تُشترى. وأضاف: “إنهم الذين أعاروا الله أعمارهم، فأعارهم الله خلودَه”.

وأضاف: “في أرزون، البلدة التي تنام على كتف الجنوب وتستيقظ على نبض المقاومة، نلتقي اليوم في حضرة الدم الزاكي، في الذكرى السنوية الأولى لشهدائنا الأبطال الذين كتبوا بدمهم سفر البقاء، وصاغوا من أرواحهم قصيدة الوفاء للوطن والإنسان والقضية. هنا، في أرضٍ لا تعرف الركوع، تلتقي أرواحهم بروح كربلاء، ففي كلّ قطرةٍ من دمهم ظلٌّ من دم الحسين، وفي كلّ صرخةٍ منهم صدى لصهيل العباس عند الفرات. إنها كربلاء الجنوب، حيث تتجدد الملحمة، وحيث ينهض الحسين من رماد التاريخ ليقول لنا: ‘هيهات منا الذلة.'”

وأكد أنّ “عاشوراء ليست زمنًا يُؤرَّخ، بل نهجًا يُعاش، وأنّ الشهادة ليست نهاية، بل ولادةٌ ثانية من رحم الوجع. وقال: “هم الذين ساروا على خطى الحسين، عيونهم نحو السماء وقلوبهم معلّقة بالأرض، يقولون كما قال سيد الشهداء: ‘إني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما”.

وتابع: “هذه المنطقة كانت كربلاءها الخاصة؛ ميدانها الجنوب، وسيوفها الإيمان، ورجالها أبناء أمل الذين تربّوا في مدرسة الإمام موسى الصدر، حيث قال: “إن السلاح زينة الرجال، ما دام في يد الشرفاء الذين يحملونه دفاعًا عن الوطن والكرامة.” وأضاف: “فحملوه، لا طمعًا بسلطة ولا بترف، بل إيمانًا بأنّ المقاومة صلاةٌ بحدّ السيف، ودعاءٌ يُكتب بالدم.”

ولفت الفوعاني إلى أن “هؤلاء هم شهداؤنا أبناء جبل عامل الذين صاروا قناديلها الأبدية: الشهيد القائد حسن عيسى، “كان درعَ الجنوب وصوتَ الأرض حين تخاف الصمت. قاد الرجال كمن يقود نفسه إلى السماء، وبقي وجهه محفورًا في ذاكرة الجبهة، لا يشيخ”.

الشهيد القائد بسام الموسوي، “الحلم الذي لبس بزّة الميدان، كان يؤمن أن الكلمة إن لم تُحمَ بالسلاح، تبقى يتيمة، فحملها على كتفيه ومضى بها نحو الخلود”. الشهيد المجاهد عبد الله الموسوي، “ظلّ الإيمان الساكن بين رصاصتين. قاتل بصمت الأنقياء، ومات كما يعيش الأبرار… مبتسمًا”. الشهيد المجاهد علي بليوان، “زهرةُ النار التي لم تحترق، كان يضحك للرصاص كمن يعانق قدره، ويؤمن أن الطريق إلى الله تمرّ من بين جبهتين”. الشهيد المجاهد فادي فقيه، “انّه وجهٌ من طهارة القرى، حمل طفولته في قلبه حتى آخر طلقة، ليقول إن البراءة يمكن أن تكون مقاومة”.

الشهيد المجاهد محمد نزال، “ذلك الهادئ كنسمةٍ من نور، كان يرى في الموت لقاءً لا فراقًا، وفي الجرح وعدًا بالقيامة”. الشهيد المجاهد علي نجدي، “آخر الحكاية وأول الندى، كتب وصيّته على جبين الليل وقال: ‘لا تبكوا، فالموت على الطريق أمل”.

وقال الفوعاني: “لقد جسّد هؤلاء وصيّة الإمام الصدر حين قال: ‘إننا نريد أن نحيا حياة الشهداء، لأنّ الشهداء أحياء عند ربهم، يحيون في ضمائرنا ووجداننا.'” وأضاف: “وهم الأحياء في كلّ نبضةٍ من قلوبنا، في عيون الأطفال حين يحفظون أسماءهم، وفي صلوات الأمهات حين ترفعن الأكفّ إلى السماء ودمعهنّ يبتسم”.

وأضاف: “حين نذكر الشهداء، فإننا لا نذكر فقط أسماءً وأوجهاً غابت، بل نعيد استحضار أرواحٍ صنعت المعنى. وقال: “إنهم من أعادوا صياغة المعادلة التي نعيشها اليوم: أن تبقى حركة أمل خندق الدفاع الأول عن الوطن والكرامة، وأن تبقى كربلاء منبع الوعي، ومصدر المقاومة، ونبع الدم الذي لا ينضب”.

وأشار إلى كلام الرئيس نبيه بري: “كل شهيد من شهداء حركة أمل هو آيةٌ من آيات الله في أرضه، يذكّرنا أن المقاومة خيارنا الأبدي، وأن الوطن لا يُحمى بالكلام بل بالدم.” وأضاف: “وفي أرزون، هذا الكلام ليس شعارًا، بل فعلًا نابضًا بالحقيقة. فهنا الشهادة ليست حدثًا يُروى، بل مسيرة تُعاش. وهنا، المقاومة ليست سلاحًا فقط، بل إيمانٌ مزروعٌ في كل بيتٍ وذاكرةٍ وقلب”.

وتوجه الفوعاني إلى الشهداء : “نمتم على وسادة الأرض فاهتزّت السماوات بخشوع، وارتفعتم نجومًا تهدي خطانا في ليالي الغياب. دماؤكم صارت نهرًا يسقي جذور المقاومة لتبقى خضراء مهما عصفت بها الرياح، وصوتكم صار نبضًا في قلوبنا يردّد: ‘من كربلاء إلى جبل عامل، لا تراجع عن درب الحسين.'”

ورأى أنّ “السلام على الشهداء يعني أنّ الكرامة لا تُشترى، وأن الجنوب لا يُباع، والبوصلة ستبقى كما قال الإمام الصدر: ‘إسرائيل شرّ مطلق، والتعامل معها حرام. رحم الله شهداءنا القادة والمجاهدين، وجعل أرواحهم مناراتٍ على درب النصر، ولتكن وصيّتكم لنا دائمًا، كما قال الرئيس نبيه بري: أن نحمل الأمانة بأمانة، وأن نبقى حركةً لا تعرف إلا الوطن والإنسان والمقاومة”.

المصدر: الوكالة الوطنية